مفتاح
2025 . الجمعة 23 ، أيار
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 

يبدو أن على الفلسطينيين المقيمين خصوصاً في قطاع غزة، أن يتعايشوا لفترة طويلة مع واقع الانقسام والقطيعة، والحصار الظالم المشدد، والفقر المتزايد، والقلق على المصير الفردي والجماعي، وان عليهم ايضاً ان يستعدوا لدفع أثمان اضافية كبيرة على خلفية الصراع الداخلي المحتدم من ناحية والعدوان الاسرائيلي الذي لا يتوقف وهو في حالة متصاعدة من الناحية الاخرى.

الطرفان كل لديه الاستعداد، لاستخدام المزيد والمزيد من الاجراءات والقرارات والممارسات، ما يجعل الوضع في حالة توتر دائم، وتصادم متزايد يحصد المزيد والمزيد من بقايا إرث سياسي، اجتماعي، ثقافي، انساني، جرت مراكمته عبر نضال طويل وتضحيات لا يمكن حصرها.

في كل صباح، بل وفي كل ساعة تقف فيها أمام وسائل الإعلام الفلسطينية الغارقة حتى العظم في الشأن الداخلي، تصطدم بالمزيد من الوقائع والاحداث المؤلمة والصعبة، التي تباعد الأمل بقرب الفرج.

ليس بعد الكفر ذنب، هكذا لخص الامر، احد الاصدقاء، فبعد الذي جرى منذ الانتخابات التشريعية من تصاعد في حدة الصراع العنيف، والنقلة التي وقعت في الرابع عشر من حزيران الماضي، حيث وقع الانقلاب بوسائل عسكرية، وما تلا ذلك من استكمال لعملية إقصاء كل للآخر، وانهيار المرجعيات الرسمية والشرعية في قطاع غزة، لم يعد ثمة خطوط تضبط حركة الصراع المتجه نحو المجهول.

على المستوى السياسي، يتصاعد الجهد الدولي والاقليمي للبحث في توفير عوامل انجاح الاجتماع الدولي في الخريف المقبل، ما يوفر بالحد الادنى للسلطة الفلسطينية والقيادة السياسية، فرصة للحركة السياسية، واستعادة شيء من الحيوية للعلاقات الفلسطينية العربية والدولية. الزوار من الاجانب متفائلون بإمكانية تحقيق اندفاعه في عملية السلام، غير ان طرفي المعادلة الفلسطينيين والاسرائيليين، ما يزالون يصدرون اشارات التشاؤم.

لا يتوقف الرئيس محمود عباس عن التحذير من احتمالات فشل الاجتماع الدولي ما لم تتوفر له جملة من الشروط، التي لا نعتقد انه كان سيتحدث عن احتمالات الفشل لولا انه يعرف مدى صعوبة تحقيقها. وعلى الاقل هو يستطيع التوصل الى استنتاجات تعزز احتمالات النجاح او الفشل، من خلال مباحثاته مع رئيس الحكومة الاسرائيلية ايهود اولمرت، الذي لحق بالرئيس عباس، ليدلي ايضاً بتصريحات متشائمة بشأن امكانية التوصل مع الفلسطينيين الى اتفاق مبادئ قبل الخريف المقبل. والحال اننا أمام طرفي المعادلة، اللذين يشكو كل منهما من ضعف شديد، لا يؤهل أياً منهما للدخول في عملية جادة ويتخذ بشأنها قرارات تاريخية كالتي تحتاجها عملية دفع مسيرة السلام المتعثرة.

فإذا كان الوضع الفلسطيني قد اصبح معروفاً، من حيث مستوى ضعفه بسبب الانقسام الشديد الحاصل، فإن اولمرت كشخصية اولى مسؤولة عن اتخاذ القرارات، يفتقر الى مواصفات القيادة الكاريزمية القادرة على المبادرة والمجازفة فضلاً عن ان سيف الفشل السابق، وقضايا الفساد لا يزال مسلطاً فوق رأسه. هل يمكن لأحد عند الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي ان يدعي البطولة، من انه حاول جهد ما يستطيع لكنه فشل بسبب الآخرين، او انه افشل صفقة سياسية كانت ستطيح بأهداف الشعب على خلفية مقاومة التنازلات، وعقلية المساومة الدنيئة، ومن اجل متابعة الصراع الذي يتهم كل طرف الطرف الآخر بأنه لا يفهم سوى لغته؟

من قرية صغيرة غرب رام الله، يأتي الرد جارحاً، فلقد ربح أهالي قرية بلعين، معركة ضد الاحتلال، حين اتخذت المحكمة العليا الاسرائيلية قراراً بتعديل مسار الجدار بما يعيد للقرية نحو ألف وخمسمائة دونم كان يصادرها الجدار، لم يستخدم اهالي بلعين السلاح، لكنهم كانوا مبدعين عبر نشاطاتهم الاسبوعية المنتظمة، في استخدام كل وسائل وأشكال الاحتجاج السلمي ونجحوا في استقطاب الكثير من المتعاطفين الاجانب والاسرائىليين.

دفع اهالي بلعين ثمن فوزهم، لكن هذا الثمن بالمقارنة مع اية معركة اخرى من الوطن سواء على مذبح مواجهة الاحتلال او على مسلخ الصراع الداخلي، هذا الثمن يبدو متواضعاً جداً، وهو ما يقدم بلعين كنموذج آخر صارخ يدل على طريق آخر، رغم ان وسائل الإعلام الفلسطينية ستنشغل عن استظهار أبعاد هذه التجربة الرائدة، والأرجح انها لن تحظى باهتمام المسؤول السياسي، الذي سيجد فيها الكثير من الجرح مقابل ما يصر على اعتماده من وسائل للمقاومة.

ومن أماكن اخرى كثيرة من الوطن الفلسطيني المحتل والنازف جرحه كل الوقت يأتي جواب آخر عن سؤال الاولويات والانشغالات.

من رام الله يصدر الرئيس بعد اجتماع اللجنة التنفيذية يوم السبت الماضي قرارين، الاول باعتماد مبدأ وقانون التمثيل النسبي والوطن كدائرة واحدة للانتخابات التشريعية والرئاسية التي لا تتوفر شروط اجرائها حتى الآن، والثاني يتصل بشروط ثلاثة ينبغي ان تتوفر للمرشح وهي الالتزام بمنظمة التحرير، وبوثيقة الاستقلال وبأحكام النظام الاساسي.

كنت سأقف ضد هذا القرار، لو انه تضمن شرطاً يتصل بالبرنامج او الموقف السياسي، وربما كانت قوى اخرى ستعتمد الموقف ذاته، الذي كان يمكن ان يقصي فصائل اخرى في منظمة التحرير، ولكن القرارين اللذين رفضا جملة وتفصيلاً من قبل حركة حماس، وكان هذا متوقعاً تماماً، لا يستحقان كل الجدل الذي ثار حولهما لو ان الامور كانت على غير ما هي عليه.

الكل بما في ذلك الرئيس عباس، كان يطالب باعتماد مبدأ التمثيل النسبي، الا اغلبية اعضاء المجلس التشريعي السابق، الذين وفق حساباتهم الشخصية، اعتمدوا قانون النظام المختلط، حتى ان حركة حماس في حينه لم تتمسك بهذا او ذاك او تبدي حماسة ظاهرة ازاء القانون الذي يمكن اعتماده من قبل التشريعي السابق. أما بشأن القرار الآخر فإن الكل ايضاً يعترف ويقر كتابة وشفاهة بمنظمة التحرير سواء باعتبارها الممثل الشرعي الوحيد، او باعتبارها مظلة كل الفلسطينيين، والفارق هو في مدى ملاءمة ظروف وشروط مشاركة حركتي حماس والجهاد الإسلامي في هذه المنظمة وآليات تحقيق ذلك، على ان القرارين يأتيان في سياق صراعي وبمعزل عن التوافق الوطني، وبمعزل عن الشراكة المضروبة، ولذلك فإنهما يصبان في اتجاه تعزيز الصراع الداخلي والقسمة، وإقصاء الآخر.

وبمعزل عن قانونية او عدم قانونية قرارات الرئيس، وأعتقد ان النظام الاساسي يعطيه مثل هذه الصلاحية، فإن حركة حماس ردت بالرفض الشامل لهما، وهي لم تقدم سبل تبرير هذا الرفض. على ان الاخطر ما جاء من ردود فعل لاحقة فلقد دعت اللجنة التنفيذية الى صلاة شاملة في العراء يوم الجمعة القادم، ردت عليه الحكومة المقالة في غزة بمنع وتحريم الصلاة، مستندة الى فتوى سبقت ذلك من رابطة علماء فلسطين اختلف بشأن صحتها العلماء.

وعدا عن ذلك اتخذت الحكومة المقالة قرارات واجراءات اخرى بحق رابطة الصحافيين الفلسطينيين ومقرات الدفاع المدني، والعديد من المؤسسات والمقرات، وكلها ايضاً تصب في اتجاه تعزيز القسمة والإقصاء، والتجاوز على الحريات العامة، واذا كانت مشاهد الجمعة الماضي، قاسية ومؤلمة، فهل نتوقع يوم غد الجمعة مشاهد اكثر قسوة وبشاعة، وسواء حصلت الصلاة، وتم استخدام العنف او لم تتم فهل يخفي ذلك حقيقة التصادم المتزايد الذي سيعبر عن مدى عمق الكارثة والمأساة، بطرق اخرى؟ ويظل التساؤل قائماً لماذا وإلى متى، ولصالح من بالضبط؟.

 
 
اقرأ المزيد...
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required