حاجةُ الشعب الفلسطيني لدولة مسألة مفصلية، وترجمتها في الواقع تشكل نقطة انعطاف نوعية تتوج نضالَه الطويل ضد الاحتلال والتبديد والوصاية. الدولة بوصلة الحركات والفصائل والسياسيين والمقاومين، ومَن فقد البوصلة ضل الطريق وفقد الاتجاه وانفصل عمليا عن النضال. إقامة الدولة على ما احتل عام 67 من الأراضي الفلسطينية، لا تعبر عن حاجة الشعب في هذه المناطق وحسب بل هي تخص كل تجمعات الشعب الفلسطيني في الخارج ومناطق الـ 48 ايضا، وما هو خاص لا يلغي المشترك الذي يجعل الفلسطينيين شعباً موحداً لهم مرجعيتهم المدافعة عن حقوقهم في كل مكان. الصعوبات والتعقيد وعملية نسف المقومات وتقويض الأسس المحيطة بعملية الانتقال إلى مرحلة الدولة، لا تبرر أبداً التراجع عن هذا الهدف المركزي، سواء بالهروب أماماً عبر تقديم هدف براق هو "دولة ثنائية القومية" "دولة لكل مواطنيها"، او بالهروب إلى الخلف عبر تقديم هدف "دولة إسلامية من البحر إلى النهر"، او التسليم بالامر الواقع "نظام أبارتهايد" يطلق عليه لقب دولة. لقد ارتبط صعود المنظمة والثورة المعاصرة بإبراز الهوية الوطنية في مواجهة الطمس والاذابة، وبلورة الكيانية الفلسطينية في مواجهة التفكيك والالحاق من جهة، وبتوحيد الشعب في الداخل والخارج على هدف إقامة الدولة الذي يتضمن إنهاء الاحتلال عن أراضي الـ 67 وعودة اللاجئين تطبيقاً لقرار 194، والمساواة في مناطق الـ 48. وتكللت تلك الانجازات بإنجاز أهم هو انتزاع مكان على خريطة العالم السياسية وانتزاع اعتراف عالمي واقليمي وعربي بالمنظمة كممثل شرعي وحيد وبحق الشعب في تقرير مصيره بحرية. كان هذا الانجاز انتصاراً سياسياً نوعياً توج "بوثيقة الاستقلال" والاعلان عن دولة فلسطينية عام 1988 تجاوز عدد الدول التي اعترفت بها عدد الدول المعترفة باسرائيل. إن هذا الإنجاز العظيم وضع الشعب الفلسطيني أمام استحقاق بناء الدولة على الأرض كبديل للاحتلال. كان يمكن لاتفاق أوسلو أن يكون حلقة أولى في عملية تجسيد الدولة على الأرض، لو جرى الأخذ بقضيتين، الأولى: تعزيز وحدة الشعب في الداخل والخارج على الهدف المركزي وإشراكه في المعركة السياسية، عبر نضال سلمي ديمقراطي هدفه تطبيق الاتفاق ومنع التلاعب والانتهاك الاسرائيلي، وإشراك الشعب والحلفاء والأصدقاء في معركة التفاوض على الحل النهائي، وكأن الانتفاضةَ دخلت في طور نضالي سلمي جديد. للأسف حدث اختلال في وحدة الشعب وانعزلت عملية التفاوض عن الشعب. القضية الثانية هي: بناء نموذج لسلطة ديمقراطية تتولى مهمة إعادة بناء الاقتصاد والبنية التحتية ومؤسسات الدولة القادمة. وللأسف أيضا جرى بناء مؤسسات وأجهزة واقتصاد ومنظومة قوانين، أقل ما يقال في تقييمها، انها لم تستجب لحاجة المجتمع المطحون والمقموع طوال سنوات الاحتلال، ومنحت شرائح وعناصر امتيازات غير مبررة. تجربة أوسلو خلخلت لحمة ووحدة مكونات الشعب الفلسطيني وأبعدته عن الهدف المركزي "الدولة"، وذلك عندما فصلت الداخل عن الخارج وعزلت الاثنين عن مناطق الـ 48، وأحدثت شروخاً بين السلطة والمجتمع. وعملت اسرائيل كل ما بوسعها لتعميق الاحتلال ومضاعفة الاستيطان وتقويض مقومات الدولة الموعودة. مقابل ذلك، خاضت المعارضة (حماس) معركة إسقاط الاتفاق عبر عمليات استهدفت المدنيين في العمق الاسرائيلي، وفي سياق يؤدي إلى إسقاط الهدف "الدولة". هكذا لم ترتبط معارضة "أوسلو" ببديل أفضل منه، ــ الافضلية هنا ــ تنسب لمدى الاقتراب أو الابتعاد من الهدف الدولة. وفي مواجهة الاسلوب الخاطئ والمدمر في بناء السلطة، طرحت النخبة شعارَ حل السلطة عوضاً عن إصلاحها وخوض نضال ديمقراطي لفرض تعديلات جوهرية على بنيتها. أما لإصلاح المنظمة فلم يتجاوز رفع الشعارات الممجوجة غير المرتبطة ببرنامج وحامل اجتماعي للتغيير. وغاب عن العقل المعارض حقيقة أن إحياء دور المنظمة يرتبط بتفعيل دور الشعب الفلسطيني في الخارج، إضافة لحاجة الشعب لتعديل البنية والانظمة التي تشكلت في شروط لم يبق منها شيء، دون ان يعني ذلك تعريضَ المنظمة لخطر انهيار تمثيلها السياسي. ضعف المنظمة وفشل "أوسلو" وفقدان السلطة للمصداقية شكل روافع لصعود "حماس"، لا لسبب إلا لأنها تملك مشروعاً آخرَ وهدفاً مركزياً آخر. فلو كانت "حماس" معارضة من داخل المشروع الوطني لبادرت إلى اصلاح المنظمة وضبطت النضال الوطني وجعلته في خدمة الهدف المركزي، وفي هذه الحالة سيكون صعودُها انفراجاً للأزمة، وليس تعميقاً لأزمة المجتمع والمنظمة والحركة السياسية. صعود "حماس" إذاً، عمق الانفصال عن الهدف المركزي ( الدولة)، وانقلاب "حماس" العسكري في غزة جاء ليشطب هذا الهدف ويستبدله بهدف إقامة "إمارة إسلامية". وهذا القول ليس تهمة، فيندر أن تقوم قوى سياسية بفتح معركة داخلية والمبادرة إلى الانقسام السياسي والجغرافي في لحظة احتدام الصراع مع الاحتلال وأثناء سعيه المحموم فرض نظام أبارتهايد، يصعب تصديق تبني أية قوى وطنية لسياسة تؤدي الى فرض حصار خانق على شعبها، ويصعب تصديق مبادرة اية قوى سياسية لاستدراج الاحتلال الى معركة وحشية مع شعبها الاعزل. وتجاوزت "حماس" الموضوع السياسي، لتُكمل مشروعها السلطوي من خلال بناء قوة قامعة، تفرض بقوة القمع والارهاب سياسة حزبها الحاكم في امارتها المغلقة. وهنا تستبدل "حماس" هدف الدولة الوطنية بهدف الامارة الاسلامية. Mohanned_t@yahoo.com - الأيام 11/9/2007 - اقرأ المزيد...
بقلم: ريما كتانة نزال
تاريخ النشر: 2018/7/23
بقلم: جهاد حرب
تاريخ النشر: 2018/5/12
بقلم: وكالة معا الاخبارية
تاريخ النشر: 2018/5/2
|