خاب فأل الناطق الصهيوني عندما لم يجد رد الفعل السلبي الذي كان يتوقعه بعد ان اطلق تصريحه الكاريكاتوري، حول اعتبار قطاع غزة كيانا معاديا. فقد واصل الناس صيامهم واعمالهم، ولم تتغير وتيرة الحياة اليومية في القطاع، اذ لم يزد الغلاء على ما هو عليه - ربما لانه وصل الى حده الاقصى! - ولم يحفر المواطنون ملاجئ وقائية. اما ان بعض الشوارع قد شهدت اكواما من السواتر الترابية، فهذا يحدث دائما انطلاقا من ان الظروف غير الطبيعية تستدعي ذلك، ومتى كانت الظروف طبيعية في هذا المكان من الارض منذ اربعين عاما؟ كان الفلسطينيون ولا يزالون يرددون مثلا شعبيا مأثورا لمناسبات التهديد والوعيد فيقولون: يا خوف عكا من هدير البحر.. وهذا يعني ان سياسة التخويف غير جديدة، ولكنه لايعني ان نضع ايدينا وارجلنا في مياه باردة، فالخطر علينا قائم قيام الاحتلال، وما اخطأ فيه الاحتلال هو ظنه ان تصريحاته تغير من المشهد الماثل. فهل يحسب هؤلاء الغزاة انهم لن يكونوا اعداء ما لم يصرحوا بذلك؟ لقد فاتهم ان الاحتلال بحد ذاته هو لحظة عدوان، وان كل حجر مبني، بالقهر والاغتصاب، فوق ترابنا الوطني هو جزء من الكيان المعادي لوجودنا. وليس سرا اننا لسنا مجرد مختلفين بل نحن اعداء لهم بوصفهم مغتصبي بلادنا، ورحم الله القائل: اتوا في الليل مغتصبين ذاك بغى وذا نهبا كفانا كي نكون لهم عدوا كوننا عربا وليس العربي عدوا بطبيعته. بل نحن قوم تحيتهم فيها سلام، ولكن فعل العداوة يصنع العداوة، والاحتلال اعلى درجات العداوة. اما العدو الذي اغتصب التاريخ والجغرافيا معا، فهو معني باغتصاب اللغة ايضا وازاحتها عن مسارها حتى ليجعل المعتدى عليه لاساميا وصاحب الحق محقوقا فيما تمضي الحياة بمنطقها الطبيعي، اما اذا اكتشف العدو اننا اعداء فإن عليه تفسير ما كان يمثله بالنسبة الينا قبل تصريحه الفاجر. ولماذا نبتعد؟ ها هو يسمى القطاع كيانا معاديا فماذا يفعل في الضفة والمرتفعات السورية المحتلة؟ ألم يقم في اليوم الذي اطلق فيه تصريحه السخيف، بتطويق منطقة العين، والاعتداء على نابلس، ويواصل اطباق حصاره على رام الله وطولكرم، ولا تزال حواجزه تقطع اوصال مدن الضفة وقراها، ولا يزال مستوطنوه يبنون سور الفصل العنصري وجنوده يحرسونهم وهم يقتلون الاطفال والعمال في وضح النهار، ولا يزال عشرة آلاف اسير فلسطيني يرزحون خلف القضبان؟ واذا لم تكن هذه كلها افعالا معادية فما هو الكيان المعادي؟ وما هو الجور الذي اوقعه الاحتلال على قطاع غزة ولم يوقعه بالفلسطينيين في مختلف اماكن جودهم؟ وهل يفرق الموت في كثير او قليل عند من يموت حرقا او من يموت خنقا؟ مع ان الخنق والحرق معا يمارسهما الاحتلال ضد شعبنا بكفاءة يسميها نشاطا امنيا. كأنما لم يعلم هذا العدو ذو الافق الضيق انه فعل كل ما يمكن ان يفعله لكسر شوكة هذا الشعب الذي لم يزده العنف الا عنفوانا ومقاومة وبسالة. فلم يبق زيادة لمستزيد. واذا التبس الامر على الاحتلال، وتوقع ان قلوبنا تصفو له عندما يخفف القصف هنا ليزيده هناك، فإن جهله الجغرافي أنساه ان الذي هناك انما هو هنا، وان ثقافة المقاومة هي التي نشأت عليها اجيالنا القائلة: الله اعلم انا لا نحبكمو ولا نلومكمو ان لم تحبونا فلتعتبروا القطاع كيانا معاديا، ولا تنسوا ان الضفة كذلك، وان طفلا يرى النور لاول مرة في مخيم اليرموك هذه اللحظة، تعد له امه وجبة الرضاعة ممزوجة بكراهية الاحتلال.. فيا قاتل الروح وين تروح؟.
اقرأ المزيد...
بقلم: ريما كتانة نزال
تاريخ النشر: 2018/7/23
بقلم: جهاد حرب
تاريخ النشر: 2018/5/12
بقلم: وكالة معا الاخبارية
تاريخ النشر: 2018/5/2
|