يُجمِع الـمحللون تقريباً على أن دعوة بوش "للقاء الخريف" لا تعدو اكثر مِن تحرك سياسي اميركي إسرائيلي مشترك يهدف إلى ضرب اكثر مِن عصفور بحجر واحد: 1: العمل على تعميق الانقسام الفلسطيني والتفكك العربي الرسمي الداخلي، بما يعطي فرصة لتحقيق خطوات نوعية اخرى على طريق تصفية القضية الفلسطينية. 2: محاولة احراز نقلة نوعية في مسار التطبيع العربي الرسمي الـمجاني مع إسرائيل، ودول الخليج عموماً، والسعودية خصوصاً، هي الـمستهدفة هذه الـمرة. وذلك في إطار استراتيجية "التطبيع أولاً"، ومحاولة افراغ "الـمبادرة العربية" مِن مضمونها. 3: العمل على كسب الوقت لتكريس الـمزيد مِن حقائق الرؤية الإسرائيلية على الأرض عبر مواصلة نهج الـمعالجات الأمنية في ادارة الصراع بدل التوجه الجاد لتسويته سياسيا على اساس تنفيذ قرارات الشرعية الدولية، التي تقر بحق الفلسطينيين في العودة وتقرير الـمصير وقيام الدولة الفلسطينية في القدس عاصمة. 4: العمل على جعل "لقاء الخريف" بمثابة موسيقى تصويرية لتوفير أجواء كسب تحالفات سياسية عربية للـمخططات الأميركية على جبهات عربية واقليمية أخرى، خاصة بعد الفشل العسكري الإسرائيلي في لبنان، وفي ظل الورطة الأميركية في العراق وافغانستان، ناهيك عن التحدي الإيراني الذي يقع على عاتق واشنطن وتل أبيب "تخليع شوكه". بلى، يُجمِع الـمحللون تقريباً على اعتبار أن التحرك السياسي الأميركي تجاه القضية الفلسطينية، هو بمثابة "حركة بلا بركة"، أي يجمعون على أن لا "بركة" للفلسطينيين والعرب مِن "الحركة" السياسية الأميركية الراهنة تجاه الصراع العربي الإسرائيلي، وجوهره القضية الفلسطينية؛ وأكثر مِن ذلك، فإن الـمحللين والـمراقبين يحذرون مِن مخاطر هذا التحرك الأميركي على القضية الفلسطينية تحديداً، ما دعا حتى الأطراف العربية الـمرشحة لحضور "لقاء الخريف"، بما فيها الطرف الفلسطيني، للتعبير عن قلقها مِن هلامية وضبابية وغموض دعوة بوش؛ فيما لـم يخفِ الـمسؤولون الإسرائيليون صلفهم ومجاهرتهم بتخفيض سقف التوقعات، ما يؤكد رفض تل ابيب للتسوية السياسية وزيف تظاهر واشنطن بالحياد. بهذا عاد الـمحللون للوقوف مرة أخرى أمام السؤال عن اسباب عدم استعداد تل أبيب لتسوية سياسية للصراع العربي الإسرائيلي، وجوهره القضية الفلسطينية، تلبي ولو الحد الأدنى مِن الحقوق العربية والفلسطينية الـمغتصبة، على الأقل كما نصت عليها قرارات الشرعية الدولية. في هذا الإطار، ورغم الاجماع تقريبا على أن "لا بركة في الحركة" الأميركية، إلا أن هناك مِن الـمحللين، بل وساسة، ومِن ضمنهم ساسة ومحللون رسميون عرب، ما زالوا يعزون عدم جدية الإدارة الأميركية والاستعداد الإسرائيلي للتسوية السياسية إلى اعتبارات آنية مِن قبيل: ضعف أولـمرت أو قوة معارضته بقيادة نتنياهو أو يمينية الـمحافظين الجدد بقيادة بوش أو الإدارة الأميركية في آخر ولايتها أو....؛ بل وستجد بينهم مَن يقول: لو كان حزب العمل على رأس السلطة الإسرائيلية لكان الأمر مختلفاً أو لو كان هناك ائتلاف إسرائيلي أوسع لتغير الحال أو لو كان الحزب الديمقراطي في البيت الأبيض لاختلفت الصورة أو....مِن هذه الـ"لو" اللعينة التي جرى تجريبها في الواقع مثنى وثلاث ورباع ولكن الـموقفين الأميركي والإسرائيلي مِن الصراع وتسويته لـم يتغيرا إلا فيما هو شكلي وتكتيكي، وبما يستدعيه تغير الشروط والظروف. اصحاب هذا الـمنطق الشكلي غير التحليلي في تفسير الصلف الإسرائيلي تجاه التسوية السياسية، وتفسير ما يحظى به مِن دعم أميركي، ينسون أو يتناسون، سيان بفعل الهوى والـمصلحة أو بسبب الجهالة، أنهم بهذا التفسير انما يكررون ذات الـمعزوفة منذ ثلاثة عقود ونصف العقد، جرى خلالها تجريب مواقف كافة الوان القيادات الأميركية والإسرائيلية مِن التسوية، كما ينسون أو يتناسون خبرة التاريخ تقول: إنه منذ مؤتمر جنيف عام 1973، فاتفاقيتا فك الاشتباك عام 1974 (مصر) و1975 (سورية)، فاتفاقية كامب ديفيد الـمصرية عام 1978، فمؤتمر مدريد عام 1991 واتفاق أوسلو عام 1993، لـم يحرز العرب عبر الرعاية الأميركية للـمفاوضات مع إسرائيل غير عودة سيناء لـمصر، هذا ناهيك أن عودتها كانت بصيغة Buffer State، أي تحويلها لـمنطقة واقية أو حاجزة بين مصر وإسرائيل، وبكلفة اخراج الطاقة الـمصرية، ولو بالـمعنى العسكري، مِن الصراع، علـماً أن إخراج الطاقة الـمصرية يعني عمليا إخراج الطاقة العربية، بدليل أنه منذ نهاية حرب عام 1973 واعتبارها آخر حرب كما قال السادات، فإن بلدا عربياً واحداً لـم يشن حرباً على إسرائيل، بل إن بلداً عربياً واحداً لـم يشارك في التصدي بالـمعنى العسكري الـمباشر للاعتداءات والحروب الإسرائيلية، على كثرتها وبشاعتها، بدءاً باجتياح لبنان واقتحام بيروت عام 1982 مروراً بقصفه التدميري عام 1993 و1996 والحرب عليه في تموز 2006، تعريجا على التنكيل بالانتفاضة الفلسطينية الأولى 1987، وانتهاء بجرائم الحرب التي ترتكب بحق الفلسطينيين في الضفة والقطاع منذ بداية الانتفاضة الثانية 2000 واجتياح الضفة 2002 حتى اليوم. في تشخيص اسباب الرفض الإسرائيلي للتسوية السياسية، وخاصة تجاه القضية الفلسطينية كجوهر واساس للصراع العربي الإسرائيلي، وكما في تشخيص أي ظاهرة، فإن هناك فرقاً بين تشخيص تحليلي وآخر وصفي. فالأول لا يصف الظاهرة في راهنها فقط، بل يبحث في صيرورتها أيضا، أي يبحث في تاريخها نشأة وتطوراً وآفاقاً مستقبلية. وفي ذلك يكمن سر الفهم الدقيق وبالتالي القدرة على الـمعالجة الصحيحة، ذلك أن التشخيص الدقيق يشكل نصف العلاج. ولذلك قيل، ويكتسب وجاهة القول: لا صدقية لغير ما زكاه التاريخ. والحال؛ فإنه ليس مِن التسطيح السياسي فقط، بل مِن السذاجة السياسية أيضاً، أن تجري العودة لتفسير اصرار حكومة أولـمرت على نهج الـمعالجة الأمنية للصراع، انطلاقاً مِن اعتبارات آنية تتعلق بضعفه أو قوة الـمعارضة له أو....، كما أن مِن الـمغالطة السياسية بمكان أن تجري العودة لتفسير اصرار بوش على الانحياز لـموقف حكومة أولـمرت، انطلاقاً مِن اعتبارات آنية مشابهة، ذلك أن هكذا تفسيرات للـموقفين الأميركي والإسرائيلي، وعلاوة على أنها لـم تعد مقنعة بعد أن أكل الدهر عليها وشرب، بل وتجشأ أيضاً، فإنها تقفز بخفة النمر عما هو استراتيجي في الرؤية الإسرائيلية ومخططاتها ومواقفها، كما تقفز بذات الخفة عما هو استراتيجي في العلاقة بين الولايات الـمتحدة ودولة إسرائيل، ما يوقع اصحاب هذه التفسيرات في افخاخ تكتيكات سائد السياسة الإسرائيلية، على اختلاف تلاوينها في كل مرحلة، هذا فضلاً عما تقع فيه مثل هذه التفسيرات مِن خطايا في تشخيص اسباب الانحياز الأميركي للرؤية الإسرائيلية ومواقفها، التي يشكل الـموقف الحالي لأولـمرت نسخة جديدة منها، إنما مكررة، ومارسها شامير ورابين وبيريس ونتنياهو وباراك وشارون، منذ مؤتمر مدريد عام 1991 وحتى يوم الناس هذا. فهؤلاء جميعاً بدعم مِن واشنطن، وبصرف النظر عن تمايزاتهم الكمية والتكتيكية التي يستدعيها اختلاف شروط الصراع في كل مرحلة، اجمعوا وفقا للتجربة العملية، وما زالوا يجمعون، على رؤية استراتيجية تقول: إن فلسطين الانتدابية هي ارض إسرائيلية، وأن لديهم فيها مشكلة واحدة هي: كيف السبيل لحل معضلة ما تبقى عليها مِن سكان فلسطينيين لـم يكن بالـمقدور اقتلاعهم منها، ولا مجال إلا الإقرار بحقهم في إدارة شؤونهم الذاتية تحت السيطرة الإسرائيلية.
اقرأ المزيد...
بقلم: ريما كتانة نزال
تاريخ النشر: 2018/7/23
بقلم: جهاد حرب
تاريخ النشر: 2018/5/12
بقلم: وكالة معا الاخبارية
تاريخ النشر: 2018/5/2
|