قد لا تكون عملية إلقاء القبض على دانيال موشيه شارون هي الأولى ولن تكون الأخيرة ومن منا لا يذكر الخلية التي كُشف عنها بعد إستهداف قياديين من الجهاد الاسلامي في صيدا قبل حوالي العام ونصف .. فمنذ عامين ولبنان يتحول إلى مرتع للاستخبارات الغربية والإسرائيلية، هذه حقيقة لا جدال فيها وإن كان المكشوف أكبر من المستور.. قد يحاجج البعض مناكفا للحقيقة ( وهو ببساطة يدعي البحث عنها) بأن شارون ليس أكثر من مواطن ألماني يهودي الديانة... جيد.. هذه حماقة أخرى من حماقات إدعاءات أصحاب نظرية 'التحرر من التبعية'، ببساطة يمكن للاستخبارات الإسرائيلية أن تصول وتجول في بلدان العرب بجوازات سفر كندية ودانمركية وإيطالية وألمانية وفرنسية... يمكن أن يُعلن أحدهم أنه طالب جامعي يحب اللغة والثقافة العربيتين.. هذه بديهيات يعقلها كل من يفهم ألف باء عمل أجهزة المخابرات الإسرائيلية ووسائلها وأدواتها القذرة... لكن طالما أننا نسأل سؤالا عما يفعله هؤلاء ' الزوار' والسائحين في لبنان 'الحر والسيد' مع استمرار مسلسل بيع هذه السيادة وتحويل التبعية باسم التحرر منها لأكثر من جهاز امني فإنه يحق لنا أن نسأل أيضا عن الآلية التي يحمي فيها فريق المال والأعمال تلك السيادة المنتهكة من أولها إلى آخرها؟ لا يكفي أن يُقتل برلمانيا أو سياسيا أو صحفيا لبنانيا وتقوم وسائل إعلام المال والأعمال بإطلاق التهم السياسية ضد سورية ليثبت هؤلاء بأنهم قادرون على حماية 'الاستقلال والسيادة'... إذا من العجيب والعجيب جدا أن يتم استبعاد كل الاحتمالات الأخرى لا لشيء إلا لتثبيت أحقية وجهة نظر معينة حول الكيفية التي قرأت فيها زمرة سياسية الواقع والمستقبل اللبناني... شخصيا قلت بعد اغتيال جبران تويني وتوظيف ذلك الاغتيال في الاتجاه التقليدي المعروف بأنه ليس من الصواب استبعاد الأصابع الصهيونية القادرة على اختيار الوقت المناسب الذي يخلط الأوراق.. دعونا نسوق معلومة ربما يعرفها البعض في أوربة، الموساد الإسرائيلي يجد تربة خصبة في العمل على الساحة الأوربية ( تجنيدا وتحركا) وتحت مسميات عديدة قد تكون براقة بالنسبة للبعض وجذابة للأخر.. فما هو الضير من وضع كل الاحتمالات على الطاولة وعدم حصرها في خطاب تقليدي ممل ومنفر لكثرة ما يحتويه من روتينية تعطي أحيانا للمتلقي انطباعا بأن الجرائم تُرتكب في خدمة الخطاب والاتهام... في فرنسا، حيث اللوبيات اليهودية صاحبة نفوذ كبير حيث لم يتردد الموساد باغتيال عاطف بسيسو(شخصية أمنية في منظمة التحرير) في بداية تسعينات القرن الماضي، ليس من السهل أن يجري تسليح العشرات بجوازات سفر فرنسية إذا ما علمنا أن قضية تغيير الاسم ليست بالأمر الغريب في أوربة مقابل رسوم مادية تمكن الشخص من استعادة اسمه الحقيقي متى دفع تلك الرسوم ثانية... تلك حقيقة يعرفها أغلبية العرب الذين يعيشون في الغرب.. هذا إذا أردنا استبعاد شبهة تورط أجهزة الاستخبارات الفرنسية بالتعاون مع الموساد تحت حجج كثيرة وكبيرة يسيل لها اللعاب قد تبدأ بعاهرة وتمر بعالم آثار أو لغويات أو صحفي مؤيد ومتفهم للقضايا العربية ولا تنتهي بمستشرق يعرف من الأمثال والمأكولات الشعبية العربية ما لا يعرفه العربي نفسه.. لفت انتباهي أن شارون زار بيروت 11 مرة في أقل من سنتين... أتحدى أجهزة الأمن في بيروت أن تترك شخصا عربيا يزور بيروت عدد تلك المرات دون أن تثار حوله الشبهات من المرة الثالثة أو الرابعة حتى لو كان أهله من سكان أحد مخيمات لبنان... وهم يعرفون ما نقصده حين نقول ذلك، ولا داعي للدخول في تفاصيل التعامل مع هؤلاء الذين يزورون بيروت من أوربة... أليس غريبا أن يقوم 'ألمانيا' يتحدث العربية بزيارة بيروت والإقامة فيها 11 مرة على مدى اقل من عامين قبل أن يُكتشف أمره بالصدفة، حسب الرواية الرسمية،لا بالمتابعة؟ بكل تأكيد الأجوبة تقول أن الرجل 'يعشق لبنان'.. لكن من أين لشخص عادي أن يمول رحلاته وإقامته في لبنان الذي يدخر المغترب منه طيلة عام كامل من العمل( وربما كل عامين أو ثلاثة) لزيارة 3 إلى 4 أسابيع مع معرفتنا للراتب الذي يمكن لألماني يعمل أو يتلقى مساعدة اجتماعية أن يتلقاه شهريا ! هذا عدا عن الفترة المسموح له أن يقيمها خارج أراضي الدولة الألمانية والمحددة بفترة معينة قبل قطع المرتب عنه... هذه الحيثيات التي تشير إلى أن شارون الذي نُقل عنه أنه تمكن من اللغة العربية في أحد دول الخليج لا يمكن أن تقنع من يعرف النيات الإسرائيلية بأنه قادر على تمويل نفسه هكذا وبكل بساطة... من المثير حقا ما جاء على لسان هذا الإسرائيلي بأنه تعلم اللغة العربية في أحد دول الخليج العربية... فهل كنا مخطئين حين كنا نسأل عن السبب الذي يدعو بعض الدول العربية إلى فتح مكاتب إسرائيلية ومنح هؤلاء حرية الحركة بحجة أنهم رجال أعمال وإعلام وما شابه من خزعبلات إسرائيلية انطلت على البعض بمن فيهم هؤلاء الذين يبحثون عن التعاقد مع 'بلاك ووتر' التي تعج بالاستخبارات الإسرائيلية.. فليسمح لنا أصحاب ' السيادة والاستقلال' بالسؤال عما يعنيه هذا الاكتشاف 'الصدفة' لإسرائيلي يخبئ جواز سفره الأصلي معه في بيروت؟ وعن علاقاته الشاذة مع أجهزة 'الأمن' التي استطاع نسجها خلال 11 زيارة؟ ... إن الجرأة على حمل جواز سفره الأصلي لا تعطي سوى إشارة واضحة على أنه يعمل في ظروف مريحة ومؤمنة تماما.. وأستطيع القفز إلى استنتاج لابد أن نقوله وهو أن الرجل ليس وحده بل هو جزء من شبكة عمل مسكوت عنها بشكل أو آخر... أما ما لذي يعمله في بيروت فإننا لا نشك أبدا بأنه لا يتردد على لبنان لجمال طبيعته فحسب بل ولا حتى لإرضاء زبائنه الذين يمتدون حسب اعترافه من الدولة الخليجية التي كان يتردد عليها إلى زبائن على شاكلته في بيروت! هل لنا أن نسأل أصحاب 'المنظومة الأمنية المستقلة' عن وظيفتهم الحقيقية في بلد 'خردقته' ونخرت في عظامه عملية الاسترجال بعوكر وفيلتمان الحاكم المدني لبيروت والذي صار يتدخل في أدق تفاصيل الحياة اليومية لشعب وساسة لبنان؟ في لبنان 'الحرية والاستقلال' يجري وبكل حرية واستقلال عن لبنان تعاد تجديد بناء الامارات الميليشياوية وتسليح تقول عنه زلات اللسان بأن لبنان لم يشهد له مثيلا منذ 1990 وهذا لا يدل على شيء سوى أن عمليات التدريب التي تتم في إمارات لوردات الحرب يشترك فيها مرتزقة تحت ستار من السرية وغطاء استخباراتي-سياسي تساهم فيه أجهزة مخابرات ملحقة بسفارتها وأخرى غير ملحقة.. لماذا يستمر المال السياسي في التغطية والتعمية على فضائح الخردقة الواضحة التي يتم تبرئة الإسرائيلي والأمريكي من كل عمليات قذرة تستهدف لبنان فيما الاتهام معدا سلفا وجاهزا باتجاه واحد واعتبار هذين الطرفين غير مستفيدين من التصيد في الماء الآسنة التي خلقتها سياسات التعمية على 'الحقيقة' التي يستخدمها أصحابها؟ لا نشك أيضا بأن شارون حالة واحدة في لبنان وغيره... بل شارونات تصول وتجول بأسماء وهمية وحقيقية مستغلة انشغال الاشاوس بالمواطنين وتصيدهم بتهم جاهزة أو ملفقة... ثم دعونا أن نضيف إلى شارون راقصات وفتيات ليل وطالبات وصحفيات يقمن بالمهمة المطلوبة على أكمل وجه فيما يعتبر 'خدمة وطنية' وهم وهن واثقات بأن الأبواب في كثير من بلاد العرب لم تعد موصدة بوجوههم.. فهل يجرؤ أصحاب 'السيادة' أن يخبرونا عن ' الحقيقة'؟
اقرأ المزيد...
بقلم: ريما كتانة نزال
تاريخ النشر: 2018/7/23
بقلم: جهاد حرب
تاريخ النشر: 2018/5/12
بقلم: وكالة معا الاخبارية
تاريخ النشر: 2018/5/2
|