كل مقتنع بالديمقراطية وكل صاحب رأي موضوعي أدلى بدلوه في الصراع الداخلي الفلسطيني، وصل إلى نتيجة مفادها: أن لجوء حماس للحسم العسكري وفرض سلطتها بالقوة يعتبر انقلاباً على الديمقراطية الفلسطينية. ثلثا الشعب الفلسطيني حسب استطلاعات الرأي اعتبر ما حدث في غزة انقلاباً على الشرعية. هذه النتيجة تبدو منطقية إذا احتكمنا لأبسط قيم الديمقراطية، فأية حركة سياسية تعتمد القوة في حل خلافاتها الداخلية فإن مجمل سلوكها سيصبغ بالإرغام، وبالتالي كان من الـمنطقي أن ترتكب حماس سلسلة من الانتهاكات الكبيرة والصغيرة التي يتكرر حدوثها يومياً والـمرشحة للاستمرار والتصاعد طالـما اعتمدت أسلوب الحسم العسكري. انقلاب حماس العسكري ما زال يطرح سؤالاً في غاية الأهمية، ما هو مدى قناعة الإسلام السياسي الفلسطيني والعربي بالديمقراطية والتعددية؟ هذا ليس موضوع النقاش الآن. الحكم على "لا ديمقراطية" حماس لا يستقيم إلا إذا نظرنا في الـمرآة إلى "ديمقراطيتنا"، فالديمقراطية لا تتجزأ. هل يجوز الرد على انتهاك حماس بانتهاك من فتح أو السلطة والاجهزة الامنية. الرد على الانتهاك بانتهاك يفقد صاحب الرد صفة الديمقراطية ويجعله متساويا مع الـمنتهك الأول في اللا ديمقراطية. إن معالجة كل ما قامت به حماس من انتهاكات في غزة لا تستقيم إلا على قاعدة الالتزام بالنظام والقانون واحترام حقوق الـمواطن، وتقديم نموذج ديمقراطي. هل تلتزم الاجهزة الامنية بهذا الـمبدأ وتتعامل معه كناظم لسلوكها؟ إذا عدنا لتقرير (الهيئة الفلسطينية الـمستقلة لحقوق الـمواطن)، شهر آب الـماضي، سنجد انه يتحدث عن انتهاكات عديدة "مثل إساءة معاملة بعض الـمعتقلين في مراكز التحقيق التابعة للاجهزة، وعدم التزام الجهات الرسمية والاجهزة الامنية بتنفيذ أحكام الـمحاكم". وحول انتهاك الحق بالحياة. يقول التقرير: "رصدت الهيئة مقتل 18 مواطناً ومواطنة 5 في الضفة و13 في غزة وإصابة 60 مواطناً بجروح". ما يهم هنا في موضوع الـمعالجة كيف قتل الخمسة مواطنين؟ ولا تزال صحيفتا "فلسطين" و"الرسالة" متوقفتين عن الصدور والتوزيع في الضفة الغربية. كما تم إغلاق 103 جمعيات خيرية وأهلية بقرار واحد بدعوى مخالفتها للقانون. بعد انقلاب غزة بررت السلطة الانتهاكات بردة فعل أفراد، وتم الاخذ بهذا التبرير. غير ان تقارير الهيئة الـمستقلة الـمتلاحقة تشير الى استمرار الانتهاكات على يد الاجهزة الامنية. وهذا يتطلب وقفة مسؤولة. لأن استمرار الانتهاك وتبريره بانتهاكات حماس يضع ما تبقى من ديمقراطية فلسطينية في مهب الريح. فالافراد الذين ينتهكون وتساهم انتهاكاتهم في تقويض الديمقراطية والـمشروع الوطني، لـماذا لا يحاكمون ولا يتعرضون للـمساءلة ؟ أي بلد يسمح لافراد بانتهاك القانون أو بوضع ذواتهم فوق القانون. ان عدم مساءلتهم يعني الـموافقة على أفعالهم. حماس ايضا لا تحاسب ابطال الانتهاكات بل تدافع عنهم وتبرر افعالهم. ثمة سلوك متشابه يؤدي الى نتيجة واحدة هو وأد الديمقراطية. هناك من يقول لا ينفع مع حماس ديمقراطية، فإذا ما تركناها تعمل بحرية فإنها سرعان ما تسيطر على الوضع وتنهي التعددية وتفرض سلطتها كما حدث في غزة، ومع ذلك نحن نستهدف فقط العناصر الامنية (أنوية القوة التنفيذية) التي تستعد لفرض السيطرة. لا أحد يقلل من خطورة منطق حماس التي اعتادت على التفرد والتنصل من التعددية وإدارة الظهر للشرعية وبناء قيادة وسلطة موازية منذ الانتفاضة الأولى وحتى الآن. تملك حماس أسلحة فعالة، تستقوي بالدين وتحتكر توظيفه، لديها اقتصاد سياسي وبنية مؤسساتية وإعلام موجه وحامل اجتماعي منظم. الخطورة تؤكد ان اسوأ سلاح يمكن استخدامه ضد حماس هو القمع، وأكثر الاسلحة فعالية هو الديمقراطية، لا بكونها وصفة سحرية، بل بوصفها أداة لكسب ثقة الناس، الـمعركة الديمقراطية مع حماس هي معركة من يحظى بثقة الناس، من يشدهم ويكسبهم الى جانبه، من يعطيهم جرعة من الامل بمستقبل حر. كيف جرى تحويل استخدام العديد من الـمساجد في الضفة الغربية من مراكز حزبية تمارس التحريض، ويستخدمها بعض الدعاة للتوتير والكراهية، الى اماكن للعبادة وتعزيز الثقة وتوحيد الناس على قيم التضامن والتسامح وفي مواجهة خطر الاحتلال. لحسن الحظ لـم يتم استبدال الخطاب والسيطرة على الـمساجد بسيطرة وخطاب حزبي بديل. كانت النتيجة ايجابية وناجحة وانعكست إيجاباً على الـمواطنين، كثيرون عبروا عن ارتياحهم لهذه النتيجة. نموذج الـمساجد لـم ينعكس على الإعلام، فلا يجوز منع صحيفتي "الرسالة" و"فلسطين". يقول البعض ان الصحيفتين تنتهكان قانوني الـمطبوعات والنشر والقانون الأساسي ولا تتقيدان بميثاق الشرف الإعلامي لأنهما تخونان وتكفران وتحرضان على الكراهية ... إلخ، لكن الـمنع تم بطريقة غير نظامية وقمعية. حسب القانون يحق للصحيفتين الصدور والتوزيع، بعد ذلك إذا ما خالفتا القانون، يتم رفع دعوى ضدهما ويتم الاحتكام للقانون حول الـمخالفة، ويتم وضعهما أمام خيارات إيجابية من نوع الصدور على قاعدة الالتزام بالقانون أو الامتثال للحكم. وينطبق الحال على فريق فضائية الأقصى، فبدلاً من منع الفريق، يتم التعامل معه من خلال التقارير التي يرسلها. هل هي مخالفة للقانون أم لا. ولا يجوز منع الـمسيرات والتجمعات، لأن القانون لا يتضمن الحصول على اذن رسمي أو موافقة، فقط الـمطلوب توجيه إشعار للشرطة قبل 48 ساعة لاعطائها فرصة تمكنها من تنظيم السير. كان منع وقمع مسيرتي الخليل ورام الله خاطئا. كذلك فإن الاعتقال أو الاستدعاء والاحتجاز يجب ان يقيد بالقانون. ولا يبرر منع الـمسيرات في الضفة بحظر حماس للـمسيرات في غزة، كما ان تغيير اسم دوار يحيى عياش باسم سميح الـمدهون هو الوجه الاخر لتغيير اسم مسجد جمال عبد الناصر بسيد قطب أو جامع البيرة الكبير. إذا وضعنا سلوك حماس الإقصائي نموذجا، إذا اعتمدنا السلب مقياسا، إذا لـم ندافع عن الديمقراطية في مواجهة أي انتهاك بصرف النظر عن مصدره والجهة التي تدبره، فعلى الديمقراطية السلام.
اقرأ المزيد...
بقلم: ريما كتانة نزال
تاريخ النشر: 2018/7/23
بقلم: جهاد حرب
تاريخ النشر: 2018/5/12
بقلم: وكالة معا الاخبارية
تاريخ النشر: 2018/5/2
|