"الاجتياح.. الحب والسلاح" مادة للإعلامي العربي محمد أبو عبيد نُشرت في موقع العربية نت يوم 23 سبتمبر... ولأنني أتابع كتابات الأستاذ محمد وأحترم قلمه سواء اتفقت أو اختلفت مع آراءه، فقد شدني ما ذهب إليه في عرضه لمسلسل رمضاني عنوانه "الاجتياح" والذي قال الكثير عن حياة الفلسطيني اليومية بعيدا عن صورته النمطية" في الذهنية العربية هي المواجهة بين جوليات الفلسطيني وداود اليهودي، مع انتقال المقلاع والحجر إلى يد الأول بخلاف الرواية التوراتية. الصورة شابتها إفسادات أخرجتها عن إطارها المعروف: الاقتتال بين جوليات وجوليات وتقسيمهما أرضاً محتلة إلى دويلتيْن تغزوهما إسرائيل أنّى شاءت". ويعرض الجانب الآخر للصورة عن فؤاد الفلسطيني وبابه المفتوح حتى لمن هي يهودية تعلن براءتها من ممارسات دولتها.. وهنا مربط الفرس في المسلسل الذي يتناول علاقة الفلسطيني بالحياة بالرغم من محاولات الاحتلال الإبقاء على صورته النمطية التي يظهر فيها من خلال السلاح والاستشهاد والخ... لخ.. على كل يمكن الاطلاع على مادة الزميل في موقع العربية وعدد من المواقع الأخرى.. إلى جانب جمالية تناول الموضوع وتوظيف أجمل للقلم في اتجاه تقديم مادة للمتلقي العربي لمساعدته على الخروج من تصوره النمطي لواقع الفلسطيني واتجاهاته الإنسانية إلا أننا وللأسف الشديد نكتشف بعد جملته الأخيرة التالية : "... والكشف عن صور أخرى للحياة وسط الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وبالتالي كسر الصورة النمطية لجوليات الذي هو أيضا روميو إلى جانبه جولييت" ضحالة بعض الأفكار النمطية عند بعض المتلقي العربي الذي يظل حبيس ذهنية الأحكام المسبقة عن الشعب الفلسطيني... عملية النقد ربما لم تصل إلى هذا البعض للتعليق على ما يكتبه الكاتب، وعوضا عنها يقوم البعض مرارا وتكرارا، ليس في موقع العربية فقط، بل في معظم المواقع الإخبارية والإعلامية التي تفتح الباب على مصراعيه للتعليق على المواد المنشورة بإلقاء عبثي لما تخبئه مواقفهم المسبقة من كل قضية مطروحة... في كثير من الأحيان تصاب بشعور من "القرف" لتعميم سخيف يأتي عليه البعض بحق شعب كامل أو دولة أو حزب أو حالة من الحالات التي تكون مطروحة للقارئ لإعمال عقله فنجد ذلك القارئ حبيسا لعاطفة الكراهية الشديدة التي تدفعه بعيدا جدا عما هو مطروح ومُقدم له في المواقع العربية.. إنك أمام حالة من التصيد الغريب العجيب ، فمجرد أن احتوى المقال أو الخبر على اسم أو جملة تذكر هؤلاء بمكنون تراكمي يُشعرك بشفقة كبيرة على ضياع العقل في مجاهل الجهل الذي يختاره ذلك البعض المتنقل بين موقع وموقع ليفرض عليك دمامله وقيح أفكاره دون حسيب أو رقيب.. وخصوصا أن هذا البعض غيب عن قصد أو بغير فقصد بعض أهم أخلاقيات المعرفة والتعليق المتهاوي أحيانا إلى استخدام أسماء مستعارة تشير وبوضوح إلى أزمة الانفصام التي تصيب في مقتل.. أحد هؤلاء القراء المعلقين في العربية نت على مادة الزميل محمد أبو عبيد أطلق على نفسه اسم "حسن فنان" لم يستوعب ولم يدرك ما ذهب إليه الكاتب فوجد ضالته في المادة لمجرد أنها تناولت الشعب الفلسطيني( وهي ليست المرة الأولى التي نقرأ هذا القبح القبيح والهابط من المدعو حسن فنان) ليطلق حكمه في عنوان تعليقه : "الفلسطيني ينفذ مخططات إسرائيل" عنوان تعليق هذا القارئ يعطيك الصورة الأولى لمعنى التعميم الذي يمارسه في جلد الذات العربية التي يختارها وبجدارة هذا المعلق الذي يجد وللأسف الشديد من يصفق له من معلقين آخرين...ولكي يكون القارئ الذي نقدم له هذه المادة على دراية بما نقتبسه فإننا نقدم له حسن فنان كنموذج يتكرر لدى المعلقين الذين يمكن أن تراهم يتصيدون كلما سنحت لهم الفرصة( اختلفنا أو اتفقنا مع سياسة المواقع على نشر التعليقات ومستوياتها الأخلاقية) ليتحفونا بمعرفة ما وصل إليه العقل الذي يدعي عشقه للحرية والتسامح مع الإنسان الذي يختلف عنهم بمن فيه المحتل للأرض العربية وكأن البعض في سقطاته يبحث عن مبرر ومسوغ لإقناع نفسه بأنه يملك ضميرا مرتاح جدا طالما أنه قادر على إقناع نفسه ليس إلا! دعونا نغوص قليلا بما ذهب إليه "حسن فنان" في إثبات عملية الانفصام الكلي عن إدراك ما أتت عليه المادة المذكورة ونقدمه على علاته : "انا مع احترامي للشعب الفلسطيني فان هذا الشعب المظلوم ..لايعرف مصلحته ابدا ..فدائما مواقفه خاطئه وقصيره النظر... ...للاسف هذا هو حال الشعب الفلسطيني ..فالفلسطينيه معروفه عنها بالاخصاب وتنجب مقابل كل اسرائيليه اربعه افراد ..لكن لاليحرر بلاده وانما ليقاتل شعبه وابناء عمومته ......وشكرا .....حسن فنان ...." اخترت هنا الجملة الأولى التي بدأ بها المعلق وما استنتجه أخيرا بعد استنتاجه الأول بالطبع.. يمكنك أن تقرأ أن المعلق يحترم الشعب الفلسطيني.. لكنه وفي الحقيقة غير قادر إلا على إثبات العكس تماما من خلال خوضه في "صفصفة" كلام همه الأول والأخير فيه ازدراء الآخر باعتباره ينحدر من ما هو أرقى وأرفع من الآخر من "إخوته" الفلسطينيين.. ثم يُتحفنا معلق آخر ، يختار لنفسه اسما حركيا "جبران الموصلي"، بمعرفة لم نكن نعيها قبل أن رمانا هذا المكتشف العبقري.. فبجرة قلم يصبح الشعب الفلسطيني " شعب غير واعي ومتخلف سياسيا " ولإقناعنا بهذا "التخلف" يقول بفلتة عبقرية:" نقول ذلك ليس حبا بالاثارة واليكم الدليل".. ربطت حزام دماغي خوفا من قنبلة معرفية وبالدليل القاطع فاكتشفت لماذا عقلنا العربي مصاب بتخمة معرفية، وجبران الموصلي نموذج واقعي للمعلق من بعض القراء العرب كالذي يختار التصيد كلما طُرح موضوع عن فلسطين ناقلا نفسه من جو المادة المطروحة إلى مادة ملتصقة بدماغه وخياله الواسع جدا.. فدليل جبران على "التخلف" و "المراهقة" هاهو نضعه بين أيديكم دون تدخل: " الفلسطينيون مراهقون سياسيا ينحازون للحزب والقبيلة والعائلة وغاب مفهوم الدولة عند الفلسطينيون........اسرائيل دولة تمايزات عرقية وقومية ولاكنها استطاعت ان تجعل كل الوان الطيف السياسي اليهودي تعبر عن نفسها بصورة ديموقراطية بينما الفلسطينيون يتقاتلون للسيطرة على الاراضي المحتلة لا ليحرروها بل ليقدموها علة طبق ارجواني لبني صهيون بسبب تذابحهم الوطني الملعون .... اعترفوا يا شعب التين والزيتون انكم فشلتم في صهر العصبيات العشائرية والعائلية في بوتقة وطنية ...... شعار الفلسطينيون اليوم هو ((( هيا بنا نتفرق لتسود اسرائيل ) !!!!!!!!!!! " على فكرة، إشارات التعجب وهي عشرة علامات من اختيار السيد جبران للدلالة ربما على الحجم الهائل لقيمة ما اكتشفه! لا تتوقف المسألة عند حد التعليق على تلك المادة التي نشرها الأستاذ محمد أبو عبيد، بل تتجاوزه إلى التعليق على الأخبار! نعم على خبر يتعلق بفلسطين ... " باراك يهدد بعملية واسعة على غزة...." ( العربية، 6 سبتمبر 2007)... فلم يجد "قارئ معلق" من الخبر وإمكانية إجتياح غزة وباستخدام اسم حركي " رنا ابو علكة" يبارك المعلق كلام باراك قائلا " شوية عيال فلسطينيه عاملين حالهم مقاومة".. معلق آخر يذهب في ذات إتجاه "ابو علكة" مستخدما اسم " سوسو" ليوضح لنا الصورة بطلبه من باراك: " خلصونا منهم وليعطوها للعراقيين حتى نخلص من القرف مره وحده".... قارئ آخر يسمي نفسه "سيف" لا يجد مشكلة في الطلب من الإسرائيلي أن يقضي على حماس، وكأن حماس عمارة أو متجر أو شجرة " يجب على اسرائيل القضاء على حماس وقادة حماس لانها مسؤوليتها واسرائيل قادرة على تنفيذ هذه المهمة بسهولة بالغة" .. معلق يسمي نفسه "فله" يقول " الله يعينك يا اسرائيل على البلاوى اللي حوليكي كلها".. نضيف إلى تحفة الاعجاب بقوة اسرائيل وتحقير الذات تعليق "حسام" وبدون تدخل من طرفنا والقائل:" شعب بشع حاقد عميل متخلف ارهابي حسوووود و منافق و ناركم تاكل حطبكم".. وفي ذات الاتجاه يعتبر معلق"باسل" من تلك النماذج أن الشعب الفلسطيني " شعب متخلف.. اللذين انتخبوا حماس يحبون التخلف والتخريب والارهاب .. اسود على معارضيهم وارانب على اليهود ويا براك عليهم".. ولنأخذ تعليق "معتصم" المعنون بـ"تربية وأخلاق" : الفلسطينية بحاجة الى تربية من اليهود مشان يعرفوا الادب والاخلاق ويبتعدوا عن الارهاب وقتل الابرياء من الناس في اسرائيل ولبنان والاردن بحجة الجهاد اللاشرعي ( عمليات انتحارية محرمة شرعا ومسموح بها حمساويا )... ربما يقول البعض أن حق التعليق مكفول وهو جزء من الديمقراطية، وأنا لا أعترض أبدا على حرية التعبير التي يُطلقها ربما البعض الذي يعيش في كنف الغرب الذي لا يسمح بكل التأكيد في قوانينه بمثل تلك التفوهات العنصرية الساقطة عن مستوى الأخلاق والاحترام..وبعضها إن دل على شيء إنما يدل على حالة رثة لعقل وصل بت البؤس إلى حد التشفي بالضحية والتلطي بقوة الاحتلال الإسرائيلي للتعبير ربما عن عقد النقص والانفصام المعبر عنها تعبيرا واضحا من جانب بعض التعليقات التي يذهب بعضها إلى تنصيب بارك شرطيا وحكما بدعوته إلى " إعتقال جميع قادة حماس الارهابية وتقديمهم إلى المحكمة الدولية في لاهاي بتهمة ارتكاب جرائم حرب بحق الانسانية" كما جاء حرفيا في "نداء عاجل" لباراك بلسان شخص يطلق على نفسه اسم "خانجي".. وليتأمل القارئ من هو مجرم الحرب بحق الإنسانية والتطهير العرقي واستخدام طائرات الإف 18 الأمريكية لقصف المنازل في غزة والضفة واحتجاز 700 الف معتقل مرورا على السجون الإسرائيلية خلال فترة الاحتلال منذ 1967 إلى يومنا هذا.. و11 ألف يقبعون في المعتقلات الإسرائيلية بمؤبدات لمجرد أن التهمة جاهزة كما في حالة مروان البرغوثي وأعضاء المجلس التشريعي والوزراء الذين تم اختطافهم تحت سمع وبصر العالم الذي ينشغل بجندي مثل شاليط أكثر من انشغاله بآلاف الشباب والنساء في السجون الإسرائيلية والذي ينشغل بالمدنيين الإسرائيليين بينما يعتبر قتل الفلسطينيين المدنيين مسألة "دفاع عن النفس " ليس إلا وغيرها من الحقائق التي يمارسها الاحتلال يوميا من سجن الفلسطينيين وراء جدران الفصل العنصري والحيلولة بينهم وبين أراضيهم الزراعية ومدارسهم ومنعهم من حرية التعبد في القدس بقرارات اعتباطية يتخذها إذلالا هذا الاحتلال الذي يتبارك بعض المعلقين العرب بـ"رحمته وقوته" وهؤلاء المستهزئين بالفلسطيني و بزيتونه و زيته وزعتره وتينه.. في مقابل تلك التعليقات، كلما تعلق الأمر بخبر أو مقالة عن فلسطين، يشحذ قراء آخرون هممهم للرد عليها والدخول في صراع لفظي يصل حد الشتائم بين العرب ..وهو ما يضيع الفكرة الأساسية من الموضوع المطروح وما يدخل القراء للأسف الشديد إلى حالة من التهجم على البلدان العربية التي يدعي بعض المعلقين انتماؤهم إليها... لا أريد الآن نقل كل التعليقات بقدر أخذي لتلك النماذج للدلالة على ما يدور في بعض عقول أبناء الأمة العربية ولأزمة حقيقية في العقل العربي الذي يحتاج ربما إلى بعض الاهتمام من قبل النخبة المثقفة المنشغلة ربما بما هو خارج النص أكثر من انشغالها بالعقل العربي التائه بين مطرقة التردد وسندان قنبلة هذا العقل بخيارات بائسة ومتلاعبة... إذا كنت اليوم قد تعاملت مع بعض التعليقات المتعلقة بفلسطين فإنني وبلا شك سأتعامل مع تعليقات أخرى متعلقة بقضايا عربية أخرى ليكتشف من لا يتابعها مدى اتساع أزمة هذا العقل الذي يحتاج لمزيد من الاهتمام... لست أحمل العربية نت ولا أي موقع إعلامي وإخباري مسؤولية ما يأتي من تعليقات معطاة تحت سقف الحرية، ولست أحمل حتى بعض هؤلاء المعلقين مسؤولية ضحالة المعلومة والعقل المتصيد المحصور في أحكام مسبقة... إن احتلال فلسطين والأراضي العربية لم يقتصر على الأرض فحسب بل فيما يبدو أنه بات يخترق العقل العربي أو بعضه لنقل في صورة لم تنكفئ تذكرنا مرارا وتكرارا بقصة المسلوب الذي يحتمي بالقوي مهما كانت خلفية القوة.. إنها باختصار شديد قصة استلاب العقل المستمر تحت عناوين ولافتات عديدة ومختلفة...
اقرأ المزيد...
بقلم: ريما كتانة نزال
تاريخ النشر: 2018/7/23
بقلم: جهاد حرب
تاريخ النشر: 2018/5/12
بقلم: وكالة معا الاخبارية
تاريخ النشر: 2018/5/2
|