بابلو نيرودا د. فيحاء عبد الهادي في حضرتكَ "بابلو نيرودا"؛ وعلى الكرسي المعدني الذي أعددتَه لمقابلة زوارك في مدخل بيتك/ في فال باراييسو (Valparaiso)/ تشيلي؛ أستحضر ما علق في الذاكرة، من سيرتك الذاتية ومسيرتك الشعرية. وأسمع صوتك الشعري يخاطبني، وقد عرفتَ أني قادمة من فلسطين: "أجل، حالنا لا بأس بها، شكراًً لكم: ما زال لدينا أمل". منذ رحلتَ عن عالمنا، مقهوراً حزيناً، في 23 أيلول 1973م، بعد أيام من إعدام صديقك وصديق أحرار العالم: "سلفادور أليندي"؛ ازدادت شراهة الموت، وعلت قهقهاته ساخراً شامتاً. ما زال الموت، كما كتبتَ، يذرع بلاد العالم من أقصاها إلى أقصاها، باحثاً عن الموتى؛ لكنه لم يعد بحاجة إلى التنكر في زي مكنسة، أو أي زي. كيف "نفختَ في الصخر، في الحديد، في الانضباط الصارم، وواصلتَ الحياة بالحب وحده"، كما عبَّرت، من خلال قصائدك؟ نزفتَ دماً؟! ومع ذلك، بقيتَ ورفاقك "فضة الأرض النقية، معدن الإنسان الحق. مجسّداً حراك البحر الدائب". أنفُضُ ما استقر في الذاكرة من سيرتك؛ لأعيد تشكيل الصورة. أدخل بيتكَ لأكتشف ملامحَك الإنسانية، التي غابت وراء سيرة الشاعر المناضل. ***** أدخُل البيت الذي ابتاعته مؤسسة "بابلو نيرودا"، بعد مرور خمس عشرة سنة على وفاته، وبعد أن أقدمت مجموعة عسكرية، على هدم منزله وحرقه ؛ لتعيد الاعتبار للشاعر والشعر، وتكرِّم المبدعين، من خلال الحفاظ على مقتنياتهم الشخصية، وترميم ما مسَّه الضرر منها، وطباعة أعمالهم الأدبية، وترجمتها إلى لغات العالم. يتبين التنوع والمساحات المتسعة والألوان المتداخلة، من خلال شكل البيت الخارجي والداخلي. يجد الزائر لوحات زيتية لسفن وبواخر، في كل زاوية من زوايا البيت، كما تتشكل بعض نوافذ البيت، على شكل نوافذ غواصة. ويعبِّر الشاعر عن حبه للبحر والسفن بقوله: "أنا بحار مزيف"، مبرراً استحضاره البحر داخل بيته، ومن خلال اللوحات المعبرة: "أفضل النظر إلى البحر من الأرض وليس مبحراً في المحيط". تتناثر ألوان "فال باراييسو"، الزهري، والأصفر، والأخضر، والأزرق، ضمن تناسق هارموني يمتد في أرجاء البيت. ويظهر حب الشاعر للألوان، الذي يشمل كؤوس الشراب وأطباق الطعام، كما يظهر من خلال الزجاج المعشَّق، الموجود أمام سريره وأعلاه، وعلى السلَّم، وفي كل ركن من أركان البيت. وفي غرفة نومه، وأعلى سريره البرونزي، وأسفل الزجاج المعشَّق؛ نجد لوحة عليها سيرة ملكة سبأ، كما نجد خزانة وتسريحة زوجته الثالثة "ماتيلدا"، ونشاهد أسفل الخزانه، بعض الثياب والأحذية، مع صورة لماتيلدا، كما توجد إلى جانب التسريحة لوحة لفتاة تلبس حذاء جميلاً، مع نص شعري باللغة الفرنسية: "غداً سوف يصير عمري خمس عشرة/ غدا سوف أتزوج حبيبي/ أُنظر: أنا أيضاً محبوبة/ عليَّ أن أعدَّ نفسي لهذا اليوم/ لهذا اليوم الذي سأتزوج فيه منه". وفي حجرة المكتب، نجد خارطة لأمريكا عام 1698، مع معلومات صدرت عن أعضاء الأكاديمية الملكية للعلوم في باريس، كتب عليها: "سكان تشيلي ذوي أجسام ضخمة، أقوياء وقساة"، كما نجد آلة طابعة، وكتباً عديدة، ولوحات زيتية. وفي غرفة الطعام، نجد حصاناً خشبياً صغيراً، يقف في حركة شبه دائرية، إلى جانب المدفأة التي صممها الشاعر بنفسه، على شكل نصف دائري، وبجانبها نافذة تتخذ شكلاً نصف دائري. ونقرأ كتابة معبرة إلى جانب الحصان الخشبي: "الطفل الذي لا يلعب ليس طفلاً، كما أن الرجل الذي لا يلعب يفقد الطفل داخله إلى الأبد". أما الباب الذي يؤدي إلى الشرفة، فهو مغطى بصورة الشاعر "والت ويتمان"، والذي اعتبره نيرودا بمقام والده: "إنه أبي في الشعر". ***** "أيها الشعراء الآتون/ أيها الخطباء والمغنون الآتون/ ليس هذا هو اليوم الذي يبررني أو الذي يجيب عما أريد. ولكنكم، أنتم/ النوع الجديد، الوطني، الرياضي، القاريّ/ الأعظم مما عرف قبلاً إنهضوا/ فعليكم أنتم أن تبرروني/ إني لم أكتب سوى كلمة مختارة/ أو كلمتين مختارتين المستقبل. إنني لم أتقدم لحظة، إلاّ مسرعاً إلى العتمة/ إنني الرجل الذي يلقي مندفعاً إلى الأمام دون توقف/ نظرة عجلى عليكم/ ثم يشيح بوجهه/ تاركاً لكم أن تجلوه وتحددوه/ متوقعاً الأشياء كلها منكم". والت ويتمان ***** كما أخلص "بابلو نيرودا" للكادحين والمضطهدين عبر العالم؛ أخلص لذاته الشعرية. كرَّس أعمالاً شعرية كثيرة للحب، وامتزجت ذاته مع الوعي التاريخي للعالم، الناتج عن انتمائه الأيديولوجي، ووعي بالأسطورة، مكتسباً من تراث أمريكا اللاتينية، وثقافة أوروبية، اكتسبها من قراءاته وعمله الديبلوماسي في البلاد الأوروبية؛ الأمر الذي أنتج شعراً مميزاً يعلو على التبشير والمباشرة، وينحو منحى إنسانياً جمالياً نادراً. faihaab@gmail.com - مفتاح 8/10/2007 - اقرأ المزيد...
بقلم: ريما كتانة نزال
تاريخ النشر: 2018/7/23
بقلم: جهاد حرب
تاريخ النشر: 2018/5/12
بقلم: وكالة معا الاخبارية
تاريخ النشر: 2018/5/2
|