ونظراً لتمكن هذه الأمراض من واقع المجتمع في غزة ونتيجة للاحتقان الكبير بين الأحزاب والتنظيمات السياسية فقد وقعت الحكومة في الكثير من الإشكاليات مع عائلات وتنظيمات متعددة ، مما تسبب في وقوع قتلى وجرحى في معظم الأحيان. فمن جانب لا تستطيع الحكومة – ولا ينبغي لها – السكوت عن الإخلال بالنظام والقانون كون ذلك سيؤدي إلى تحول المجتمع إلى غابة يأكل فيها القوي الضعيف ويعتدي على حقوقه. وعلى الجانب الآخر فإن خيارات العائلات والتنظيمات محدودة فلا هم يستطيعون تسليم المتهمين المسلحين ولا هم يقبلون بانتهاك حرمة البيوت أو إهدار كرامة التنظيم ، وخاصة أنه قد تمت بعض التجاوزات من قبل الشرطة في بعض الأحيان. وبسبب هذه الإشكالية حدثت حروب متعددة في غزة ما كان يجب أن تحدث لو كنا نعيش في مجتمع تحكمه قوانين وأعراف قضائية مقبولة من الجميع. وما يزيد المشكلة تفاقماً توافر السلاح متعدد الأشكال والقدرات وسهولة الحصول عليه بدعوى المقاومة والتحرير ، وبديهي أن المقاومة مشروعة للجميع ولا يستطيع أحد أن يحتكرها. والعجيب أن الحكومة لم تضع الآليات اللازمة والواضحة للتعامل مع مثل هذه المشاكل على الرغم من تكرارها. والأغرب من ذلك أن بعض وسائل الإعلام المحلية تشجع الأطراف على مواصلة الاقتتال إما بدعوى القضاء على الفلتان أو بحجة محاربة "الانقلاب" الذي قامت به حماس في غزة. وفي كلتا الحالتين يسقط القتلى من أبناء الشعب الفلسطيني ، ليس من الفريقين المتقاتلين فقط ولكن من المارة والآمنين في منازلهم وبأعيرة نارية غير مقصودة!!. والأعجب من ذلك أن تصف وسائل الإعلام هؤلاء القتلى بأنهم شهداء تطييباً لخاطر ذويهم وتخفيفاً من هول الكارثة التي ألمت بهم ، وربما تشجيعاً على قبول مبدأ الصراع ما دام القتلى هم من الشهداء. ومن الطبيعي أن السلطة لن تتنازل عن ملاحقة الخارجين عن القانون وذلك كحق من حقوقها وواجب من واجباتها تجاه المجتمع الذي كلفها القيام بهذا الدور. ومن الواضح أن العائلات لا تقف مكتوفة الأيدي وستتصدى للسلطة في كل مرة انتصاراً لأبنائها أو حفاظاً على هيبتها وكرامتها. إذاً ما هو الحل؟ وقد يقول قائل إن المشكلة تتلخص في أن بعض الأفراد من العائلات الكبيرة لا يقبلون بحكم حماس بسبب الانتماء التنظيمي لهؤلاء الأفراد أو لأي سبب آخر ، فهل هذا مبرر أن تقبل حماس بموجبه أن تترك الحكم والتفويض الشعبي تلبية لرغبات هؤلاء؟ ومن هي الجهة التي ستتولى الحكم والسلطة ويرضى عنها عموم أبناء القطاع؟ أم المقصود أن تتخلى حماس عن السلطة لصالح مفتعلي الفلتان وعصابات الإجرام الذين عاثوا في الأرض فساداً فقتلوا وحرقوا ودمروا وأحالوا حياة أبناء القطاع إلى جحيم!!. وبالرغم من أنني مع إعادة النظر في آليات حكم القطاع في ظل غياب التوافق الوطني والحصار الخانق إلا أن ذلك يجب أن يأخذ بعين الاعتبار مصالح المجتمع والحفاظ على أمنه ضمن سلطة وقوانين تحترم حقوق الإنسان وتراعي احتياجاته. وفي نفس الوقت فإنني مقتنع تماماً أن الحل العسكري لإنهاء المشاكل الداخلية لا يمكن له أن ينجح ، فقد فشل ذلك في بلاد تحكمها أنظمة وقوانين راسخة ، فما بالنا بمجتمع غير مستقر كالمجتمع الفلسطيني!! وفي نفس السياق فإنني على يقين أن عائلات القطاع – كما الحكومة تماماً - حريصة على الحقوق والعدالة وقد تعايشت عبر تاريخها الطويل بمحبة وتعاون وقاد أبناؤها النضال ضد المحتل والظلم والبغي ، والمشكلة إنما تنحصر في غياب التواصل الفعال معهم لما فيه مصلحة البلد الذي كان وسيبقى بإذن الله مرتع أبنائهم وستستمر في زراعته حُباً وخيراً. ومن هذا المنطلق فإنني أعتقد أن الحل يكمن في مراعاة عدة أمور منها: 1. احترام القانون والتأكيد على حماية الأرواح والممتلكات والكرامة والهيبة وذلك بتطبيقه على الجميع دون استثناء. 2. احترام العائلات وخصوصيتها وتكبير كبرائها وتقديم التفاهم والحوار معهم على أي تصرف آخر. 3. الإقرار بالواقع الأليم الذي أفرزه الاحتلال والتعصب الحزبي الذي أدى إلى فقدان العائلة السيطرة على أبنائها ووضع الآليات اللازمة لإعادة الأمور إلى نصابها. 4. التواصل المستمر مع وجهاء العائلات ووضعهم في صورة الأوضاع السياسية والأمنية والمعيشية وهموم البلد ومشاكله وجهود الحكومة. 5. العمل على إنجاز ميثاق شرف يحكم العلاقة بين العائلات بعضها مع بعض وبين العائلات والحكومة. 6. تشكيل مجلس من العائلات يتدخل كوسيط في حالة بروز أي احتقان أو تفجر أية مشاكل داخلية. 7. الإسراع في التوصل إلى إتفاق وطني شامل على جميع القضايا موضع الخلاف ، بما في ذلك مفهوم السلطة وآليات العمل السياسي والمقاوم. وأخيراً فإن لدى المراقبين والعارفين بالأوضاع الداخلية ثقة تامة أن معظم تلك المشاكل ما كانت لتؤدي الى كوارث كالتي عايشناها لولا الغطاء التنظيمي الذي توفره "حركاتنا المقاوِمة" لأفرادها أو استغلال تلك الحركات لمثل هذه المشاكل لتحقيق مكاسب حزبية. وبالرغم من ذلك تبقى القاعدة الشرعية التي تعلمنا أن درء المفاسد أولى من جلب المنافع ولهدم الكعبة حجراً حجراً أهون عند الله من سفك دم امرئ مسلم. وإذا كان اعتقال شخص أو نزع سلاحه أو استرجاع عهدة بحوزته من الممكن أن يؤدي إلى مفسدة أكبر فربما كان الأولى تأجيل ذلك أو عمله بصورة أخرى. ومن المؤكد أن الأمر سينجح بشكل أفضل في حال تفهم العائلات والتنظيمات وتعاونها. أما تبادل إطلاق النار من أسلحة أوتوماتيكية وقذائف هاون ومضادات دروع تقصف بها البيوت الآمنة - بمن فيها من نساء وأطفال لا يستطيعون حيلة ولا تعنيهم تلك الحروب من قريب أو بعيد - فهذا مما لا يمكن تبريره أو قبوله تحت أي ذريعة. ولا ننسى أن السلطة هي الحضن الدافئ الذي يلجأ له كل مظلوم ، وفي نفس الوقت فإن الشعب بكل فئاته وعائلاته يجب أن يشكل الحضن الدافئ للسلطة فهو الذي يمدها بفلذات أكباده ليأتمروا بأمرها. ومن هنا أؤكد على أن السلطة والشعب ليسا نقيضين على الإطلاق بل هما مكملين لبعضهما فلا سلطة بدون شعب يحتضنها ولا شعب بلا سلطة تحافظ على أمنه ومصالحه وعلى جميع الأطراف فهم هذه المعادلة والعمل بمقتضاها. * الحزب الديمقراطي للعدالة والتنمية http://www.dpjd-pal.org اقرأ المزيد...
بقلم: ريما كتانة نزال
تاريخ النشر: 2018/7/23
بقلم: جهاد حرب
تاريخ النشر: 2018/5/12
بقلم: وكالة معا الاخبارية
تاريخ النشر: 2018/5/2
|