تبلغ ميزانية الولايات المتحدة العسكرية مجموع الميزانيات العسكرية لبقية دول العالم مجتمعة، وخمسة اضعاف مجموع ميزانيات أعدائها المحتملين. (بموجب مقال رتشارد بيتس مدير معهد زالتسمان لدراسات الحرب والسلم في جامعة كولومبيا، شيكاغو صن تايمز 28 اكتوبر/ تشرين الأول). وإذا شكك مرتاب في المقارنة أعلاه مدعياً أن ميزانية عام 2008 تشمل تكاليف استثنائية لحرب دائرة في العراق وأفغانستان نقول: أولاً، حالة العراق وأفغانستان ليست حالة استثنائية. وكل من بلغ الثمانين في الولايات المتحدة لا يذكر بلده من دون حالة حرب أو استعداد لحرب. فخلافاً للمائة وخمسين عاماً الأولى على قيام الولايات المتحدة، تتميز الثمانون عام الأخيرة بالانتقال من صراع وتدخل عسكري إلى آخر، في عملية يمكن وصفها كنشوء الامبراطورية الأمريكية التي نعرفها اليوم. وثانيا، أن ميزانية الحرب في العراق وأفغانستان تبلغ 142 مليار دولار، وهي تحسب بالإضافة لميزانية الدفاع لزمن السلم. وهذا يعني أن الصرف على الأمن سوف يبلغ في الواقع 650 مليار دولار. وهو رقم يتجاوز ب25% في قيمته ميزانية هذا البلد العسكرية للعام ،1968 في زمن وجود الاتحاد السوفييتي وسباق التسلح، يضاف إليه أعنف حرب خاضتها الولايات المتحدة في تاريخها، أي حرب فيتنام. ولا شك في أنه إضافة لحاجات الجيش والحروب الجارية، تفعل في الميزانية حوافز ودوافع أخرى مثل التطور العلمي التقني عبر الاستثمار بالبحث العلمي المنتقل من التكنولوجيا العسكرية إلى الصناعات المدنية، وحاجات الشركات الكبرى لعطاءات دولة لا تنجو من دونها في صراع البقاء. وبغض النظر عن التهديدات ونوعها، فالمجمع الاقتصادي العسكري والمجمع الانتاجي والبحثي التكنولوجي هو قطاع رئيسي في اقتصاد الامبراطورية. وهو يصب في النهاية في عملية توفير أماكن عمل واستيعاب قوى عاملة وباحثين وغيره، وفي تطوير الصناعات المدنية، وفي مد مجمع اقتصادي كامل بأسباب الحياة. وهذه في النهاية مساهمة الدولة في التطور الصناعي والبحث العلمي والتكنولوجي، التي يدعي أرباب السوق الحر أنه يتطور من دون تدخل الدولة. تقف الدولة بقوة وراء البنى التحتية للبحث والاكتشاف العلمي. وهي من عوامل منح أفضلية للولايات المتحدة في مجالات عديدة. ولا تشمل الميزانية العسكرية تمويل ابحاث لإيجاد وسائل للتصدي لسلاح الصواريخ، ولا أبحاثاً سيكولوجية للطب والصدمات النفسية فقط، ناهيك عن الدعاية والإعلام والإسلام، بل أيضاً أبحاث “سبرنيتكس” متطورة جداً، فمع قيام سلاح الحاسوب بقيادة مركزية ((cyber command تتلقى علوم الحاسوب أهم تعزيز واكبر استثمار فيها في العقود الأخيرة. وتتبارى مدن الولايات المتحدة على استقبال مراكز أبحاثه ومقراته، التي سوف تتخصص بحماية شبكات المعلومات والحواسيب الخاصة بمرافق قومية أمريكية من الوزارات ومؤسسات الطاقة والبنوك، وحتى البنتاغون نفسها، من اختراقات، وغارات فيورسية يتم الترويج أنها السلاح المقبل “للإرهاب العالمي ضد الغرب”. وسوف يجري بالطبع تطوير أسلحة “سبرنيتيكية” مضادة هجومية. ولا شك في أن الأجيال القادمة سوف تستفيد وتتضرر من هذا الاستثمار كشأن كل قفزة تكنولوجية كبرى. ما يهمنا هنا هو أنه قد يكون لهذه الآلية الاقتصادية دورها، إن لم يكن في توريط الولايات المتحدة في صراعات عبر “لوبيات” هذا المجمع الاقتصادي الكبير، فعلى الأقل في تضخيمها وتضخيم التهديدات والاستفادة منها. وكما يفعل المجمع السياسي والإعلامي الصهيوني وأتباعه، يقوم المجمع الاقتصادي العسكري بالمهمة عبر نوابه وكتابه وصحافييه ومؤسساته وموظفيه في واشنطن. ونحن نفضل الجزم بأنه يستفيد من تضخيم قوة العدو أو إخراجها عن أي نسبة وتناسب على المجازفة بالتقدير أن هذا المجمع يقف وراء تأجيج صراعات كبرى من هذا النوع كأنها نتاج مؤامرة. ولا شك في أنه استفاد في سعيه لإقرار الميزانية من تصريحات بوش المتعلقة بقدرة إيران الصاروخية على إصابة أهداف في الولايات المتحدة بعد حين، ومن إمكانية تفجر حرب عالمية ثالثة في حالة امتلاك إيران للسلاح النووي، ومن أقوال رايس إن إيران تشكل حالياً الخطر الرئيسي على الأمن القومي الأمريكي. هنا ننتقل إلى عالم آخر، هو الوجه الآخر للتقدم كما يبدو: يتم التصعيد لأسباب دعونا نفترض أنها “عقلانية” بالمفهوم الذرائعي للعقلانية، مثل الاستفادة من الميزانية العسكرية، وربما من أجل السيطرة على مصادر النفط، وربما من أجل خدمة أهداف “إسرائيل”. ولكنها تسخر في خدمتها دوافع وأفكار نمطية غير عقلانية. وهي لا تخلق هذه الأفكار النمطية القائمة عن الآخر العدو، بل تروجها وتضخمها وتحولها إلى ثقافة سائدة عبر الصحافة والسياسة التنافسية الشعبوية وهوليوود وغيرها، وهذا ما نرجحه. الشعبوية التعبوية اللاعقلانية هي الوجه الآخر لهذا الدافع للتقدم التكنولوجي. ولكن الملفت هو وجود هذا الكم الهائل من مرددي الأكاذيب المقصودة أو الخرافات المعتنقة غير المقصودة في البلدان المستهدفة بمثل هذه الحملات. تروج الخرافات والأكاذيب التي تروى لتبرير استخدام القوة، أو الاعتقادات الخرافية التي تدفع باتجاه الصراع، خاصة عندما يتعلق الأمر ببلدان متمردة على الهيمنة الامبراطورية وتتصرف كدول إقليمية على تخومها. وبغض النظر عن رأينا بهذه البلدان، فإن عملية تكرار الادعاءات الأمريكية هنا هي مسخ لما تجتره آلة الدعاية وإنتاج الصور الأمريكية. فكيف يمكن لشخص في العالم الثالث أن يقبل أن ينطلق اصلاً من أن الولايات المتحدة هي الطرف الذي يحدد من يسمح له بحيازة الطاقة النووية ومن يحتمل ان يشكل امتلاكه لها خطراً؟ والولايات المتحدة هي: 1- الدولة الوحيدة في التاريخ التي استخدمت السلاح النووي منذ اكتشافه، و2- كان ذلك ضد مدن مأهولة. و3- حصل هذا عندما احتكرتها ولم يملكها غيرها. غول الحقيقة الواقعة المثلث الرؤوس هذا ليس تفصيلاً. لقد كانت هذه هي المرة الوحيدة في التاريخ التي استخدم فيها السلاح النووي، لم تقم بذلك دولة اشتراكية، ولا حتى عشية انهيار نظامها، ولا دولة إسلامية، ولا الهند، ولا السند، بل قامت بذلك الولايات المتحدة. وبدلاً من استهوال تجرئها على الاستفراد بالقرار الدولي بشأن نشر الأسلحة النووية، وبدلاً من استفظاع احتكار “إسرائيل” لامتلاك، ليس الطاقة النووية فحسب، بل السلاح النووي ايضاً، تنشر السخرية من محاولة البرادعي “الساذج” إبقاء القرار بأيدي وكالة دولية تشمل امريكا كطرف أساسي. البرادعي الذي تلقى للتو جائزة نوبل وكاد يعتبر بطلاً في الغرب، يصر على أن لوكالة الطاقة النووية أن تقرر كيفية إدارة مراقبة التكنولوجيا النووية في حالة الاتفاق مع إيران ولإدارة الصراع والعقوبات في حالة الاختلاف. ولكن انقياد المعلقين السياسيين وانسياق لغة الإعلام الفوري وراء الاعتباطية والعشوائية الأمريكية الناجمة عن غطرسة القوة، باتا أمراً صاعقاً للغاية، خاصة وأنه يتم تبني اللغة السياسية الأمريكية من دون نقد. وهي لغة سياسية، وهذا يعني غير محايدة وتقود إلى استنتاجات مرغوبة أمريكياً. فمن يقبل سابقة تعريف مؤسسة رسمية في دولة كتنظيم إرهابي من دون مؤسسة أية دولة أخرى، بما فيها دولة ذات مؤسسات بتاريخ وممارسة إرهابية مثل “إسرائيل”، إنما يقبل تقسيماً أمريكياً لا يقوم على أحكام عقلانية، بل على أحكام معيارية ومواقف تبريرية للسلوك السياسي الأمريكي المراد القيام به. والمحاججات هنا لا تقنع أحداً. فلدى أمريكا السطوة والهيمنة لكي تعرِّف وتفرض التعريف. وهي التي كادت تتورط عسكرياً في دارفور بعد أن عرفت صراعاً دموياً بين قبائل الرعاة والمزارعين واستغلته حكومات السودان المتعاقبة مغيرة تحالفاتها بشكل عدمي، عرَّفته ك “جينوسايد عربي ضد أفارقة” متبنية لغة اللوبي الصهيوني. ولا تكمن قدرة الخصم في إقناع الولايات المتحدة بخطأ تعريفاتها هذه، بل بأنها لن تكون قادرة على فرضه من دون التضحية بمصالح أخرى. هذا صراع وليس مؤتمراً أكاديمياً حول الإرهاب وتعريفاته. والحجج التي تساق من هنا ومن هناك هي جزء من الحرب النفسية والتعبئة والمواجهة. وهنالك فرق بين موقف ضد الحرب والعدوان على إيران، ينتقد ويعارض السياسة الإيرانية من دون التنازل عن موقف مبدئي ضد العدوان، وبين موقف يدعي انه ضد الحرب ولكنه يتهم احمدي نجاد بأنه يمنح أمريكا المبررات لشن الحرب. هذا الأخير هو موقف مؤيد للحرب بأناقة. وهو في الواقع متماهٍ مع الموقف الأمريكي، الذي لا يدفع لحرب من دون شروط، بل يطالب بقبول شروط معينة لكي يتجنبت البلد المعني الحرب، وإلا فإن البلد يتحمل مسؤولية شن الحرب عليه. هذا هو الموقف الأمريكي، فقلما شنت دولة، بما فيها “إسرائيل”، عدواناً من دون مبررات تسوقها. الفرق أن البعض بات يكرر هذه المبررات، أي يبرر الحرب. والحجة سريعة الاستدارة في تبرير الحرب، إذ تنقلب بسرعة إلى ادعاء أن أمريكا بلد مجنون وأن رئيسها مصاب بلوثة، ومن الأفضل لأي بلد أن يستجيب لطلباته وإلا فسوف تتحمل قيادة البلد المعرض للعدوان وزر المسؤولية عن الحرب. فجأة تصبح كل دول العالم المتهمة باللاعقلانية مطالبة بأن تكون أكثر عقلانية من الدولة العظمى الوحيدة ومن يقف على رأسها. إذا كانت أمريكا تدير سياساتها بهذه الدرجة من اللاعقلانية، فليس ذلك سبباً لدعم الموقف الأمريكي، بل للوقوف ضد السياسة الأمريكية الخارجية داخل الولايات المتحدة وخارجها. وما هذه الحجة في الواقع إلا ترويج للابتزاز في العلاقات الدولية. ليست المرحلة مرحلة محاججات، بل مرحلة بناء جبهة أو حركة سلامية ضد الحرب. وهي قائمة عالمياً، ولكنها غير قائمة إقليمياً في المرحلة الراهنة. - الخليج 1/11/2007 - اقرأ المزيد...
بقلم: ريما كتانة نزال
تاريخ النشر: 2018/7/23
بقلم: جهاد حرب
تاريخ النشر: 2018/5/12
بقلم: وكالة معا الاخبارية
تاريخ النشر: 2018/5/2
|