"المؤتمر" يجب أن يُعْقَد؛ فهذا هو ما تقول به، في المقام الأوَّل، مصلحة إقليمية ـ دولية مهمة لإدارة الرئيس بوش، ولو لَمْ يُعْقَد في الموعد الذي توقَّعته تلك الإدارة من قبل، فـ "عَدَم عقده" هو فشل ليس في مقدور إدارة الرئيس بوش هضمه، والتغلُّب على عواقبه. وحتى لا نتوقَّع أمرا تذهب به النتائج، نقول إنَّ لـ "النجاح"، أي لنجاح "مؤتمر الخريف"، معنى واحدا فحسب، هو أن تنجح إدارة الرئيس بوش في أن تُظْهِر هذا المؤتمر، محتوى وشكلا، للعرب على أنَّه تغيير (أو بداية تغيير) نوعي في العلاقة بينهم وبين إسرائيل، فلا يبقى لديهم، بعد ذلك، وبفضل ذلك، من سبب يَحُول بينهم وبين الوقوف إلى جانبها في معاركها الإقليمية المقبلة، فهذه المعارِك، التي للعرب مصلحة حقيقية في أن يَكْفوا أنفسهم شرَّ الانضمام إلى الولايات المتحدة فيها، لن تُخاض على خير وجه، بحسب توقُّع وتصوُّر إدارة الرئيس بوش، إذا لَمْ يُعْقَد "مؤتمر الخريف"، وإذا لَمْ يأتِ عقده بما يساعدها في إقناع العرب بأنَّ نزاعهم مع إسرائيل ما عاد مَصْدَر قَلَقٍ لهم، وينبغي لهم، بالتالي، أن يروا "المخاطِر الأُخْرى" في الحجم الذي تريد لهم الولايات المتحدة أن يروها فيه، وكأنَّها، أي الولايات المتحدة، تقول لهم، أي للعرب، قِفوا معنا في "الحرب العاجلة"، نَقِف معكم في "السلام الآجل"! ليس للولايات المتحدة، في عهد إدارة الرئيس بوش، أو في ما بقي من عهد تلك الإدارة، مصلحة حقيقية في "السلام العاجل"؛ وإنَّما في "الحرب العاجلة"؛ وليس للعرب من مصلحة حقيقية في "الحرب العاجلة"؛ وإنَّما في "السلام العاجل". وفي هذا التضارب بين المصلحتين تكمن أسباب التعثُّر والتعسُّر في المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين والتي نَفَدَ معظم وقتها من غير أن تنتهي إلى ما كان ينبغي لها أن تنتهي إليه، وهو التأسيس لمفاوضات سلام حقيقية تُعْقَد بَعْد "مؤتمر الخريف". "المفاوِض الفلسطيني"، هذه المرَّة، لا يستطيع إلاَّ أن يَسْتَمْسِك بموقف سياسي ـ تفاوضي، يَظْهَر من خلاله على أنَّه قد حفظ عن ظهر قلب دروس وعِبَر تجاربه التفاوضية السابقة، فهو الآن لا يَقْدِر أن يُفَرِّط في ما فَرَّطَ فيه من قبل. إنَّه يريد الآن ثلاثة أشياء هي بالنسبة إليه، وإلى من يُمَثِّل، وإلى ما يُمَثِّل، شرط بقاء، فـ "خطُّ النهاية" يجب أن يكون واضحاً مرئياً له؛ و"الجدول الزمني" للمفاوضات، التي يُمْكِن أن تجرى بَعْدَ "مؤتمر الخريف"، ولتنفيذ الاتِّفاق، الذي يُمْكِن أن تتوصَّل إليه، يجب أن يُتَّفَقَ عليه قبل بدء تلك المفاوضات؛ أمَّا الشيء الثالث فهو "الضمانات"، التي ينبغي لها أن تَمْنَع إسرائيل، هذه المرَّة، من أن تتنصَّل وتتحلَّل من التزاماتها، لجهة تنفيذ "الاتِّفاق"، ولجهة تنفيذه بحسب ما اتُّفِقَ عليه من جداول زمنية للتنفيذ. إسرائيل ومعها الولايات المتحدة ليس لها من مصلحة إلاَّ في أن تنتهي المفاوضات الجارية، والتي أوشكت أن تنتهي، إلى اتِّفاق فيه من قِلَّة "التعيين" و"التحديد" و"التخصيص" ما يَجْعَل "الجدول الزمني" و"الضمانات" مَطْلبا فلسطينيا يفْتَقِر إلى المنطق والواقعية، فتُجْرى المفاوضات، بَعْد "مؤتمر الخريف"، بجدول أعمال يَصْلُح لإثارة كل جدال من قبيل الجدال في جنس الملائكة، وبلا جداول زمنية وضمانات دولية، فإذا تَحقَّقَ للولايات المتحدة، في صراعها الإقليمي المقبل، ما تريد سَهُلَ عليها، وعلى إسرائيل، جَعْل مفاوضات السلام تجري بما تشتهي سفينتهما، فشلاً أو نجاحاً. ما تحقَّقَ حتى الآن في المفاوضات الجارية بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي تمهيداً لعقد "مؤتمر الخريف" لا يَتْرُك لرئيس السلطة الفلسطينية من خيار سوى أن يفاضِل بين السيئ والأسوأ، فذهاب الطرف الفلسطيني إلى "المؤتمر" وكأنَّه ذاهب إلى مفاوضات، غيضها معلوم وفيضها مجهول، إنَّما هو الخيار الأسوأ بعينه بالنسبة إلى الفلسطينيين، الذين يكفي أن يمعنوا النظر في نتائجه وعواقبه حتى يتأكَّدوا جميعا أن لا شيء لديهم يُمْكِن أن يخسروه إذا هُمْ رفضوا الذهاب إلى هذا المؤتمر الذي فيه من الخريف ما يجعل أوراقهم التفاوضية، أو ما بقي منها، تتساقط جميعاً وسريعاً. وغنيٌّ عن البيان أنَّ رئيس السلطة الفلسطينية، الذي فَوَّضَ الفلسطينيون (ومنهم خصومه في قطاع غزة) إليه أمر التفاوض مع إسرائيل، توصُّلاً إلى اتفاق يُمْكِن أن يَجْتَذِب إليه تأييدا شعبيا فلسطينيا واسعا، لا يُمْكِنه أن يظلَّ "المفاوِض المُفَوَّض" إذا ما جاءهم باتِّفاق غير مُسْتَوْفٍ لهذا الشرط. ولقد ألْمَح إلى أنَّه يُمْكِن أن يمتنع عن الذهاب إلى هذا المؤتمر، الذي يراد له (إسرائيليا في المقام الأوَّل) أن يكون خريفاً للقضية القومية للشعب الفلسطيني، فالفلسطينيون في أزمة داخلية تُشَدِّد لديهم الحاجة إلى تخطِّيها؛ وليس من أهمية تُذْكَر لـ "مؤتمر الخريف" إذا لَمْ يَشُقَّ الطريق إلى حلٍّ للنزاع مع إسرائيل، يَشُقُّ الطريق إلى حلٍّ لتلك الأزمة، فالسياسة الفلسطينية الأسوأ إنَّما هي السياسة التي تفضي إلى جَعْل الفلسطينيين بين مطرقة أزمتهم الداخلية وسندان نزاع مع إسرائيل شُحِنَ بمزيدٍ من أسباب التفاقم. رئيس الوزراء الإسرائيلي جادٌ في رغبته في التوصُّل إلى حلٍّ نهائي للنزاع مع الفلسطينيين قبل مغادرة الرئيس بوش للبيت الأبيض، على أن يأتي هذا الحل مُتَّفِقاً كل الاتِّفاق مع "رسالة الضمانات" التي تسلَّمها شارون من الرئيس بوش. وتَحَسُّباً لاحتمال أن يغادِر الرئيس بوش البيت الأبيض من غير أن يتمكَّن من أن يُهْدي إلى إسرائيل هذا "السلام"، يسعى رئيس الوزراء الإسرائيلي في أن يُضَمِّن الاتِّفاق فقرة تُلْزِم الفلسطينيين ومعهم خليفة الرئيس بوش قبول "رسالة الضمانات" على أنَّها جوهر الحل النهائي للنزاع. وعليه، أحسبُ أنَّ خير "تفعيل" الآن لـ "مبادرة السلام العربية" هو أن تَجْعَل الدول العربية "الشروط الفلسطينية الثلاثة" للذهاب إلى "المؤتمر" شروطاً لذهابها هي أيضا، فإذا عجِزَت عن ذلك قرَّرت أن يذهب الفلسطينيون إليه ضِمْن وفدٍ لجامعة الدول العربية، مهمَّته أن يفاوِض إسرائيل، إذا ما قَبِلَت، توصُّلاً إلى السلام المُسْتَوْفي لشروطه التي تضمَّنتها تلك "المبادرة"، فإذا رفضت إسرائيل والولايات المتحدة ذلك تَحَمَّلَتا معا مسؤولية فشل "المؤتمر"، أي مسؤولية عدم عَقْدِه. - مفتاح 5/11/2007 - اقرأ المزيد...
بقلم: ريما كتانة نزال
تاريخ النشر: 2018/7/23
بقلم: جهاد حرب
تاريخ النشر: 2018/5/12
بقلم: وكالة معا الاخبارية
تاريخ النشر: 2018/5/2
|