مفتاح
2025 . الجمعة 23 ، أيار
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 


(1)

لا شك أن تاريخ القضية الفلسطينية قد حفل بعدد هائل من المؤتمرات واللقاءات الإقليمية والدولية التي كانت أهم بكثير من المؤتمر الذي من المحتمل أن يتم عقده في أنابوليس في وقت حتى نهاية العام الحالي 2007. وما يميز هذا المؤتمر هو ذلك الغموض الذي يحيط به من جوانب متعددة بما في ذلك الدول المشاركة ، وجدول الأعمال ، وهل هو من أجل التحرك على المسار التفاوضي الفلسطيني الإسرائيلي نحو إيجاد حل أو تغيير قواعد اللعبة السياسية ، أم من أجل إيجاد الأرضية والمناخ المناسبين للتطبيع العربي الإسرائيلي ، أم هو محاولة لإنقاذ الولايات المتحدة من مأزقها في العراق ، أم لإعطاء الولايات المتحدة الدعم العربي لتنفيذ خطوات متقدمة لمعالجة البرنامج النووي الإيراني ، أم غير ذلك مما تحفل به الساحة السياسية من قضايا تفرض نفسها ويتعين على الولايات المتحدة معالجتها. وما يعنينا في هذا الجانب أن نعلم أن من مصلحة الولايات المتحدة (وحليفتها إسرائيل) عقد هذا المؤتمر لتأمين مصالحها في المستويات المذكورة أعلاه أو غيرها ، وإلا لما كانت دعت لمثل هذا المؤتمر. ومن المعلوم أيضاً أن انعقاد المؤتمر من عدمه إنما يتوقف على ما إذا كانت نتائجه ستحقق تلك المصالح أم لا. فالولايات المتحدة ترى أن إقامة دولة فلسطينية وإيجاد حل قائم على أساس دولتين يعتبر ضرورياً للمستقبل ، ليس فقط للفلسطينيين والإسرائيليين ولكن أيضا بالنسبة للشرق الأوسط ، والمصالح الأمريكية ، كما أشارت رايس في العديد من تصريحاتها ولقاءاتها مع الإسرائيليين ، وهذا ما يجعلنا على ثقة أكبر أنه سيتم عقده بإذن الله.

على أي حال لسنا بصدد تحليل كافة الجوانب المتعلقة بهذا المؤتمر وانعكاساته على المشاكل الإقليمية المختلفة ولكن المقصود من هذه المعالجة ينحصر في مدى تأثير المؤتمر على القضية الفلسطينية ، مما يجعل مهمتنا محدودة. ولنبدأ ببعض الحقائق على الأرض والحلبة السياسية:

1. تضاربت الاجتهادات والبيانات حول ما إذا كان ما تمت الدعوة إليه على أنه مؤتمر أم لقاء أم اجتماع ، وحاول البعض الإشارة إلى أن أصحاب الدعوة قرروا أنه لقاء كون المؤتمر الدولي لا يمكن الدعوة إليه إلا من خلال منظمة دولية. على أي حال فهذا لا يغير من النتيجة شيئاً حيث أن الداعي لهذا المؤتمر" هي الولايات المتحدة وبالتالي فهي التي تشكل مرجعيته. أما مشاركة الرباعية والأمم المتحدة فهي بناء على دعوات شخصية من المضيف ومشاركتهم ستكون بصفتهم ضيوف لتجميل القاعة وكشهود زور ليس إلا.

2. موقف الوسيط النزيه الذي يرعى المؤتمر من الحل النهائي بالرغم من إشارته إلى حل الدولتين إلا أن الحقائق على الأرض وبالذات المستوطنات الكبيرة لا يمكن تجاهلها من وجهة نظره ، وعليه فليس من المنطقي (حسب رسالة بوش لشارون في أبريل 2004) أن تؤدي نتائج المفاوضات النهائية إلى العودة إلى حدود 1967. وللأسف فقد قبل الرئيس عباس بأقل من ذلك عندما قرر أن مساحة الأرض الفلسطينية التي سيتم استرجاعها ستكون 6205 كيلو متر مربع ، بمعنى موافقته على تبادل للأراضي يتيح لنا الاحتفاظ بهذه المساحة فقط.

3. قام أولمرت بتجريد رئيس السلطة الفلسطينية من الاستعانة بمجلس تشريعي فلسطيني يمكن له اللجوء إليه للإعراب عن عدم قدرته على الموافقة على أي اتفاق لا يقبل به المجلس التشريعي الفلسطيني ، وهو الطريقة نفسها التي يستخدمها كل رئيس حكومة إسرائيلية لتحقيق أهداف إسرائيل في عدم الانسحاب ، فالبرلمان الفلسطيني معطل ومنقسم.

4. تحول رئيس السلطة الفلسطينية ومن عينه في فريق المفاوضات وفي حكومة فياض إلى صاحب القرار وحده ودون الحاجة إلى الرجوع لأية مؤسسة فلسطينية رسمية منتخبة بشكل ديمقراطي. كما أن رئيس السلطة أصبح يتمتع بصلاحيات تزيد على صلاحيات مفاوضه الإسرائيلي رئيس الحكومة أولمرت مما يجعله عُرضة أكبر للضغوط والتنازل.

5. جميع المشاركين الرئيسيين في هذا المؤتمر يفتقدون القوة الشعبية والمصداقية ، مما يحرمهم القدرة على تحقيق إنجازات يمكن أن تُرضي جماهير كل منهم. فلا يخفى على أحد ورطة الرئيس بوش في العراق وأفغانستان وفشله في وقف البرنامج النووي الإيراني إضافة إلى مغادرته البيت الأبيض قريباً. وكذلك الفضائح التي تلاحق أولمرت وفشله في حرب لبنان واعتماد حكومته على شاس وليبرمان المتعصبين وما تم اعتماده من قِبل 59 عضو كنيست بعدم تخويل رئيس الوزراء صلاحية البت في قضايا الحل النهائي أو حتى مجرد الحديث عن القدس في أي اجتماع ، إضافة إلى انتظار تقرير لجنة فينوجراد الذي قد يوصي باستقالته. أما بالنسبة للرئيس عباس فهو على رأس منظمة تتنازعها الخلافات والرؤى وقد فقد قطاع غزة بالكامل - وهو المنطقة الجغرافية الهامة - لصالح حماس ، إضافة إلى عجزه المتواصل عن تقديم أية اختراقات سياسية ولو بسيطة.

6. من المؤكد أن يتمحور المؤتمر حول نقاط أساسية فيما يتعلق بالقضية العربية وذلك كما يلي:

• الدفع باتجاه ابتزاز الرئيس عباس وذلك لأنه يذهب إلى أنابوليس بدون إجماع وطني وغير متسلح بأوراق قوة ولكن بغصني زيتون إذا كُسر أحدهما رفع الآخر. وابتزاز الرئيس عباس اليوم أمر سهل للغاية وأصبح في متناول اليد حيث أن السلطة وديمومتها في الضفة يعتمد اعتماداً كاملاً على الدعم والتسهيلات والرضا الأمريكي من جهة ، ومن جهة أخرى بتخويف السلطة بأن حماس تنتظر الفرصة للانقضاض على الضفة ، مما يساعد أمريكا وإسرائيل على الاستفادة وتحقيق أكبر قدر ممكن من الابتزاز.

• تقديم التطبيع مع العرب على حل القضية الفلسطينية بمباركة فلسطينية وفي إطار وعود فضفاضة لا تسمن ولا تغني من جوع.

• دعم خطط ومواقف الرئيس بوش في المنطقة العربية والتغطية على فشل سياساته في مناطق العالم المختلفة ، في محاولة لدعم الحزب الجمهوري في الانتخابات القادمة.

• إدخال التعديلات الملائمة والتي تنسجم مع المصالح الأمريكية والإسرائيلية على مبادرة السلام العربية.

7. تُجمع الدراسات والتقارير الصادرة عن المؤسسات السياسية الأمريكية والإسرائيلية الرسمية وشبه الرسمية على أن الفلسطينيين لا يمكنهم الحصول على دولة بما تعنيه هذه الكلمة من معنى. ذلك لأن السلطة فشلت في إقامة مؤسسات ديمقراطية حقيقية كما فشلت في محاربة "الإرهاب" من وجهة نظرهم.

8. بعد أحداث غزة أصبح الحديث عن قيام الدولة الفلسطينية شيئاً من الخيال والترف وربما الوهم. ولذلك يطرح العديد من المفكرين الاستراتيجيين وحتى المؤسسات السياسية الرسمية وشبه الرسمية ضرورة إعادة إحياء الخيار الأردني ليس بعد قيام الدولة الفلسطينية ولكن قبل ذلك ، حيث من المفترض أن تساهم الأردن في إقامة المؤسسات الفلسطينية ومحاربة الإرهاب. وبهذا يمكن أن يحصل الفلسطينيون على دولة (ولو بالاسم) بينما يحصل الإسرائيليون على الأمن والاستقرار.

9. من ناحية أخرى فإن فشل المؤتمر يعني سقوط الرئيس عباس وبرنامجه وتصدع حكم أولمرت وربما سقوطه أيضاً وصعود اليمين برئاسة نتنياهو إلى الحكم مرة أخرى ، كما يعني بالضرورة تحقيق مكاسب للقوى المعارضة للمؤتمر ، وهذا ما لا تريده أمريكا على المدى القريب.

يوسي لبيد - نائب رئيس الوزراء ووزير القضاء الإسرائيلي السابق - صرح بأن اولمرت وأبو مازن يدركان انه لن يكون هناك اتفاق سلام في آخر المطاف ، على الرغم من لقاءاتهما المتكررة. وربما كان هذا الرأي منسجماً تماماً مع ما خلصت به الندوة التي عقدها معهد واشنطن بعد استيلاء حماس على غزة مباشرة والتي أشار فيها إلى عدم إمكانية حل القضية الفلسطينية الإسرائيلية في الوقت الراهن ، لكن المطلوب حسب رأيهم مجرد تسويق الوهم للشعوب بإمكانية ذلك عبر الاتفاق على إطار حل يمكن أن يستغرق تنفيذه سنوات طويلة.

(2)

إسرائيل تريد من مؤتمر الخريف أن يفرز "وثيقة تفاهمات عامة وغير ملزمة" ، لا تجبرها على اتخاذ خطوات محددة ولا تقيد حركتها بجداول زمنية. وهي ترغب بالجلوس مع الأطراف الخليجية تحديداً للتداول في إطار "مؤتمر" مثل ذلك الذي حدث للتغطية على حرب العراق في حينه. ومن المعتقد أن الدعوة إلى هذا التجمع تشبه كثيراً ما حدث في التاريخ القريب. حيث أن الولايات المتحدة (ومعها تأكيداً إسرائيل) عندما تقرر الإقدام على عمل كبير في المنطقة فإنها دائماً تمهد له بمؤتمر يكون مفعوله تخديرياً ومطيباً للخواطر ومصحوباً بآمال كبيرة ومشاريع اقتصادية لا يمكن رفضها. وربما يندرج في نفس السياق الدعوة التي تلقاها القطاع الخاص من رجال أعمال فلسطينيين لحضور المؤتمر وذلك للقاء نظرائهم من إسرائيل ، وهذا ما تم رفضه من قبل القطاع الخاص. كما وأشارت تقارير صحفية إلى محاولات أوساط سياسية فلسطينية الترويج لهكذا لقاء اقتصادي بين الجانبين على هامش المؤتمر.

ويجزم بعض المحللين السياسيين أن نتائج اللقاء المرتقب لن تترك للسلطة الفلسطينية أي هامش للمناورة مع قيادة حماس. وقد بدا واضحاً أن إسرائيل وأمريكا هم الذين يشجعون على بقاء حالة الانقسام بين الضفة والقطاع ، لأن ذلك يمنحهم حرية أكبر في التصرف بالأراضي المحتلة ، والتعلل بضعف السلطة الفلسطينية ، وعدم قدرتها على تنفيذ أي اتفاق تتوصل له مع الإسرائيليين. وهنا نشير إلى تصريح وزير الدفاع الإسرائيلي باراك بأن رئاسة السلطة الفلسطينية لن تكون قادرة على تنفيذ أي اتفاق يجري التوصل له مع إسرائيل ، وحتى تصريحات دايتون بخصوص عدم قدرة الأجهزة الأمنية للسلطة على تولي المسئوليات الأمنية في المدن الفلسطينية في حال انسحاب إسرائيل منها ، إنما تصب في نفس الاتجاه. وفي وضع ضعيف كهذا يستحيل فيه التفاوض على قضايا مصيرية ، فإن من المتوقع أن تجري محاولة للالتفاف على حقوق الفلسطينيين بما في ذلك عروبة القدس ، وحق العودة. وفي هذا الصدد أشارت وزيرة الخارجية الإسرائيلية إلى أن: "فلسطين سوف تكون وطناً لجميع الفلسطينيين ، وخاصة اللاجئين منهم" أي بنفس مفهوم أن إسرائيل وطن لكل اليهود. وذلك يعني أن الكيان الفلسطيني المزمع إقامته هو وطن كل الفلسطينيين ، بمن فيهم من يتواجدون بالشتات والمخيمات ، مما يعني فعلياً إنهاء قضية اللاجئين ومصادرة حق العودة.

أما الرئيس بوش فيريد من المؤتمر المقبل تحقيق إنجاز سياسي إعلامي لا يغير شيئاً على أرض الواقع (إضافة إلى أجندته الخفية) ويعطي سياسته بعض المصداقية التي خسرها ببراعة. وبنفس الأهمية لا يجب أن يتوهم أحد أن توقيت المؤتمر يأتي صدفة ، فقد برعت السياسة الأمريكية بإخفاء نيتها الحقيقية في معظم الأحوال ، وربما كانت الترتيبات المتعلقة بهذا المؤتمر أكبر وأعظم مما تعلنه أمريكا وتحاول به خداع العالم ، سيما العرب. وتبقى لأمريكا رهاناتها ، وإن كان واضحاً منها أنها تهدف فيما تهدف إلى التنفيس عن إخفاقاتها الكبرى في العراق وأفغانستان وفلسطين ، وكذلك تهيئة الأجواء وترتيب تحالف يتيح لها توجيه ضربة استباقية للمنشآت النووية الإيرانية ، إضافة إلى عوامل داخلية معروفة.

ولا شك أن أمريكا وإسرائيل تعملان على استثمار حالة الانقسام الفلسطيني الراهنة لتحقيق مكتسبات سياسية. ولن يكون مستبعداً أن يتم استدراج العرب إلى تطبيع مجاني مع دولة الاحتلال بغطاء فلسطيني. وسيكون من نتائج هذا المؤتمر أيضاً إضفاء الشرعية على قضم البقية الباقية من استحقاقات الفلسطينيين. أما الرئيس الفلسطيني فيأمل في الحصول على إعلان مبادئ حول أسس الحل النهائي وإطار ذلك الحل. ولكن حتى لو حدث ذلك فمن يضمن تنفيذه؟ ألم تكن في أيدي الفلسطينيين عدة إعلانات سابقة وبمرجعيات دولية ومنها ما هو قرارات أممية معترف بها ، فما الذي سيضيفه إعلان جديد يرعاه أكبر حليف لإسرائيل ، والذي يتبنى مواقفها ولا يُنكر أنه يعمل لحماية أمنها وتفوقها على جيرانها!! ولماذا يجب على الفلسطينيين الثقة في الولايات المتحدة هذه المرة بالرغم من تجاربهم السابقة بهذا الخصوص؟ أم الأولى أن نعترف بالحقيقة المرة أننا –كعرب وفلسطينيين - لا نملك أوراق ضغط وقوة كافية لفرض ما نريد ضمن المعادلة السياسية العالمية التي ترتكز إلى موازين القوى والمصالح المجردة ، دون أخذ ما يسمى بالحقوق والعدالة بعين الاعتبار!! ومن خلال ما تم تقديمه من وقائع وتحليلات وقراءات حول هذا المؤتمر وبالرجوع إلى أساسيات السياسة العالمية وتاريخ السياسة الشرق أوسطية فيما يتعلق بالصراع فإن إسرائيل من الممكن أن تعطي بعض "التنازلات" ولكن بقدر ما يستطيع الفلسطينيون تقديمه من مقابل. فإسرائيل بحاجة الى ما يلي:

1. المزيد من الأرض الفلسطينية التي يمكن أن يتخلى عنها الفلسطينيون (وبالذات الإستراتيجية منها) حتى توافق على أن تمنحهم حكم جزء آخر (في صحراء قاحلة) بنفس المساحة.

2. القدس عاصمة أبدية لإسرائيل لا يمكن تقسيمها ويجب عدم مطالبة الفلسطينيين بحصتهم فيها. ولا مانع لإسرائيل من الاتفاق على ترتيبات شكلية بخصوص الأماكن المقدسة.

3. النزع الكامل لسلاح المقاومة والسيطرة على المنظمات المسلحة ومحاربتها وحظرها قانوناً وتجفيف مصادر تمويلها.

4. عدم المطالبة بعودة اللاجئين إلى ديارهم والاكتفاء بالمطالبة بحل عادل لمشكلتهم بما يعني التوطين – ولا مانع أن يكون على الأرض الفلسطينية ضمن اتفاق وجداول زمنية طويلة الأجل – وكذلك التعويض الذي سيقوم العرب بتمويله.

5. دولة منزوعة السلاح ، ونقاط مراقبة إسرائيلية في أماكن استراتيجية ، وتحديد البناء في المناطق المتاخمة للحدود مما يقضم المزيد من الأرض الفلسطينية ، والسيطرة على الأجواء والمياه الاقليمية الفلسطينية ، وارتباط اقتصادي بإسرائيل ، وما إلى ذلك.

والسؤال المطروح هو: هل يمكن للجانب الفلسطيني التعاطي بإيجابية مع هذه النقاط؟ وإذا كانت لدى سلطة الرئيس عباس أو غيره النية الصادقة للتعاطي بإيجابية مع هذه القضايا فهل هي قادرة بالفعل؟ وبالذات بعد أن وصلت مطالب الفلسطينيين اليوم إلى الحد الأدنى والخط الأحمر الذي لا يمكنهم تجاوزه!!

من الواضح أن الفلسطينيين لا يمكنهم دفع الفاتورة المقررة هذه المرة ، وعليه فإن أي حل ناجح لا يمكن تحقيقه في هذه المرحلة ضمن موازين القوى ، مما يرجح الإسراع نحو الخيار الأردني الذي يختزل العديد من المشاكل ، والذي أثبتت التجربة نجاحه في بناء علاقات جيدة مع إسرائيل في كافة المجالات وعلى رأسها الأمن ، ويعتقد معظم المحللين أن الجانب الإسرائيلي يثق بنوايا النظام الأردني وقدراته. أما عن مصلحة الأردن بمثل هذا السيناريو فتتلخص في استبعاد حماس عن السيطرة على الضفة وإبعادها عن حدودها وتهديد أمنها. أي أن مثل هذا الخيار له من الوجاهة ما يحث جميع الأطراف على العمل لإنجاحه. ففي تحليل كتبه شموئيل روزنير المراسل الإسرائيلي لصحيفة هآرتس في الولايات المتحدة يقول: «لكن هذا الخيار الأردني لن يعود بصيغته القديمة نفسها التي تعتبر «الأردن فلسطين» بل بصيغة سيجري إعدادها بشكل أكثر دقة ، تقوم على تقديم الأردن يد المساعدة للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة وتوفير إمكانية إنشاء «كونفدرالية» بين الجانبين وتنظيم العلاقات بشكل جديد». ويؤكد روزنير أن هذا المشروع ليس مجرد رأي يتداوله اليمين المحافظ المتطرف أو المحافظون الجدد الذين لم يبدوا في السابق موافقتهم على إنشاء دولة فلسطينية بل هو موقف تتخذه الآن محافل رسمية ومركزية ، إلى جانب عدد من المسئولين في السلطة الفلسطينية من حركة فتح الذين يئسوا من إمكانية التوصل إلى حل عن طريق اتفاقات أوسلو وبدأوا يبحثون عن «منفذ آخر». وقال مستشار سياسي لأحد المرشحين للرئاسة الأمريكية المقبلة لهآرتس: «أننا جميعاً ندرك أن احتمال نجاحنا في تقوية أبو مازن ضئيل جداً. ولذلك ينبغي البحث بهدوء وصمت عن بدائل». وهذا ما قد يخلص إليه الداعون إلى المؤتمر سواء عُقد أم لم يُعقد. من أجل ذلك وبناء على كل ما تقدم وبالنظر إلى حالة الضعف والشقاق التي يمر بها العرب والفلسطينيون على وجه الخصوص ، فربما كان الأفضل أن يُطلق على هذا المؤتمر اسم "مؤتمر خريف القضية الفلسطينية" ، بمعنى "القضية الفلسطينية في آخر عمرها".

(3)

يشكل مؤتمر الخريف فرصة جديدة لقياس التغيرات التي طرأت على الفكر السياسي للحركات الفلسطينية المختلفة ، ومدى انسجام ذلك الفكر مع الأساس النظري والفلسفي لفوائد استخدام الدبلوماسية والسياسة كأدوات في الصراع الدائر بين الفلسطينيين وإسرائيل. وباستقراء مواقف الأطراف الفاعلة على الساحة الفلسطينية نجد أن حركة فتح – بالرغم من خسارتها للانتخابات التشريعية الأخيرة – وممثلة بالسلطة الفلسطينية لا زالت تتزعم وتقود الحراك السياسي. وهي بذلك تحافظ على وجودها ومكانتها كعنصر أساسي ومركزي في اللعبة السياسية ، بما في ذلك دورها في مؤتمر أنابوليس وبما ينسجم تماماً مع توجهاتها خلال العقود الماضية. وهذا بحد ذاته يبدو غريباً إذا أخذنا بعين الاعتبار ضعف الحركة وفقدها لأوراق متعددة كان آخرها انحسار وزوال نفوذها بالكامل عن قطاع غزة ، إضافة الى ضعف مردود المشاركة في العملية السياسية وفقدان تلك العملية لمبرر وجودها. إلا أنه من المعتقد أن تفردها في السيطرة والتحكم بالقرار في منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها قد يكون السبالرئيس وراء تلك القوة التي تتمتع بها الحركة. أما الحركات الاسلامية (وعلى رأسها حماس) فهي على الجانب المقابل ترفض كل أشكال العمليات السياسية التي قادتها وتقودها السلطة (ممثلة بفتح) وتعتبرها عبثية ولا ترى أي أفق أو فائدة ترتجى منها. وقد برعت حماس دائماً بتنظيم الندوات والمسيرات والمهرجانات المنددة بكل اتفاق أو محاولة اتفاق سياسي ، وحشدت الرأي العام لمناهضة تلك الاتفاقات ، ولم يكن مؤتمر الخريف ليشذ عن هذه القاعدة. والغريب أيضاً أن شعارات الخصومة للعملية السياسية عموماً لا زالت ترتكز الى نفس المفاهيم والمضامين التي تحذر من تصفية القضية والتنازل عن الثوابت. ويبدو هذا الفكر أقل انسجاماً مع ما توصلت إليه القوى الفلسطينية من وثيقة الاتفاق الوطني التي قبل الجميع فيها بحدود عام 1967. إلا أن البعض يعتقد أن التنافس السياسي بين حماس وفتح وانعدام الثقة بينهما يساهم في تأجيج الخصومة ، وبالتالي الاختلاف حول كل شيء. لكن السؤال المحير هو كيف يمكن الوصول الى حدود 67 – التي تم تقريرها بناء على مرجعيات ومؤتمرات سياسية – بدون عملية سياسية وبدون مفاوضات بغض النظر عن طبيعتها. وهل من الحكمة الاصرار على أنماط معينة (مثل مبدأ الهدنة) رفضتها إسرائيل ، بل رفضت ما هو أقل منها بكثير والمتمثل بالمبادرة العربية ، مما ترك المجال مفتوحاً لبناء المستوطنات والجدار والتضييق على السكان حتى يضطروا الى ترك وطنهم!!

أما الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين فيبقى موقفها متأرجحاً فهي لا تندفع نحو تأييد عقد مؤتمر أنابوليس لثقتها أنه لن يأتي بحلول منطقية للقضية الفلسطينية ، وفي نفس الوقت تحاول المحافظة على موقعها على مسافة كافية من توجهات وفعاليات حماس والجهاد الاسلامي. فقد اتخذ المكتب السياسي للجبهة الشعبية قراراً بحضور مؤتمر دمشق المزمع عقده بالتزامن مع مؤتمر الخريف والذي تتخوف القوى الفلسطينية من نتائجه المجحفة بحق شعبنا ، ولا يعكس ذلك بالضرورة موقفاً مضاداً للجبهة ضد فتح والرئيس عباس. وربما كان هذا الموقف أيضاً مشابهاً لموقف الجبهة من اتفاق أوسلو الذي رفضته في حينه ، لكن ذلك الرفض لم يمنعها من الاستمرار في مؤسسات منظمة التحرير ولم يمنع عناصرها من تبوء المناصب بشتى أنواعها في السلطة التي انبثقت عن أوسلو. إلا أن موقف الجبهة بحضور مؤتمر دمشق ربما شكل سابقة وبالذات في غياب جميع فصائل منظمة التحرير عنه ، وفي ظل حالة الانقسام الحادة في الساحة الفلسطينية. وما يزيد الأمر غموضاً – أو قُل إرباكاً - أن عضو المكتب السياسي للجبهة مريم أبو دقة صرحت أن تنظيمها "لن يشارك في المؤتمر المزمع عقده في غزة لمناهضة مؤتمر الخريف المقبل". وأضافت أبو دقة أن الجبهة ستقوم بالعديد من الفعاليات بمشاركة قوى عديدة في قطاع غزة لتوعية الجمهور الفلسطيني حول مخاطر مؤتمر أنابوليس ، والتأكيد على وحدة الصف الداخلي وضرورة عودة الحوار الفلسطيني الشامل!!.

أما الجبهة الديمقراطية فقد كانت دائماً مع المسار التفاوضي ووافقت على أوسلو وهي ترغب بأن يتم إدراج كافة القضايا العربية على جدول أعمال المؤتمر الذي تعتقد الجبهة أنه يمكن أن يشكل فاتحة لاستئناف العملية السياسية على كافة المسارات ، ولكن على قاعدة أن يكون برعاية الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن والأمم المتحدة وبسقف زمني لانتهاء المفاوضات حتى لا يقع الفلسطينينون في الفخ مرة أخرى كما حصل بالمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية منذ أوسلو ، حيث لم يتحقق أي حل إيجابي. كما يعتقد الرفاق في الجبهة أن أية مؤتمرات لا تحظى بإجماع فصائل المنظمة لن يكون في صالح القضية الفلسطينية ، وذلك بالاشارة إلى مؤتمر دمشق والذي أعلنت الجبهة عدم رغبتها بالمشاركة فيه. وهنا يبرز تناقض هام جداً حيث تعارض بعض فصائل منظمة التحرير عقد مؤتمر دمشق بحجة غياب التوافق الوطني على عقده ، بينما لا تعارض مؤتمر أنابوليس بالرغم من افتقاده الاجماع المطلوب. ليس هذا فحسب بل إنهم يعتبرون الدعوة الى انعقاد مؤتمر دمشق ترسيخاً للانقسام ويُعفون مؤتمر أنابوليس من ذلك. كما يعتبرون أن مواجهة مؤتمر أنابوليس تكون بموقف وطني تتخذه الفصائل الوطنية في داخل الإطار الفلسطيني ، وفي نفس الوقت تدعو إلى دعم تصريحات الرئيس أبو مازن الذي أعرب في العديد من المناسبات عن رفضه الذهاب إلي مؤتمر الخريف إلا ضمن ثوابت واضحة وراسخه ، ويعتبرون هذه فرصة مناسبة يمكن أن تستغلها الفصائل الوطنية الرافضة للمؤتمر للضغط على الرئيس الفلسطيني.

وباختصار فالوضع الفلسطيني – كما هي العادة – بين نقيضين أحدهما يتهم التيار المؤيد لمؤتمر الخريف بالتفريط والتنازل والهرولة نحو سراب حل سياسي إسرائيل وأمريكا غير مستعدتان له في هذه المرحلة ، بينما على الجانب الآخر يتم اتهام من يعمل ضد مؤتمر الخريف على أنه يرسخ الشرخ والانقسام بين قوى الشعب الفلسطيني وينفذ سياسات إقليمية لا تتقاطع مع المصلحة الوطنية!!. والغريب أن الطرفين يدعيان التمسك بالثوابت ويحتكران الحق في تمثيل الشعب والشرعية ، وضمن هذا التراشق يبقى العدو هو المستفيد الوحيد ، والخاسر دائماً هو قضيتنا الوطنية وشعبنا الفلسطيني.

وأتساءل: بعد كل هذه السنين والتجارب ألم تتعلم قيادة السلطة وفتح أن أي اتفاق – حتى لو بدا مبهراً – محكوم عليه بالفشل إذا لم يكن بالتوافق مع القوى الفلسطينية وبالذات حماس؟ ألم تدرك قيادة السلطة وفتح أنها لن تتمكن من تحقيق أية مكاسب حقيقية للشعب الفلسطيني في غياب التوافق الفصائلي الذي يمنحها القوة التفاوضية اللازمة؟ حتى متى نستمر في تجريب المجرب واجترار الماضي بالرغم مما أصبح لدينا من خبرات وتجارب وما وقعنا فيه من الاختلاف والقتل والتناحر؟

ويعلم الجميع أن لحماس منهج فكري ومنطلقات تختلف عن نهج الرئيس عباس ، ولكن ألا تعترف حماس بشرعية الرئيس؟ ألا يمكن لحماس – وهي تعترف بشرعية ووطنية الرئيس – أن تمنحه أوراق قوة وتعلن دعمها له في المفاوضات ضمن التمسك بالثوابت الفلسطينية؟ وما هي الخسارة الفعلية التي قد تقع على الشعب الفلسطيني من حضور مؤتمر يعلن فيه أنه شعب مظلوم يتعرض للحصار ، وتنتزع منه أرضه يومياً ، وأن يدعو العالم أجمع إلى نصرته والوقوف معه حتى يسترجع حقوقه؟ ألم نصل إلى النتيجة التي تقول إن اختلافنا مصلحة لعدونا وعليه فالعدو يدعم أية إجراءات تحت عنوان "فرق تسُد". وفي نهاية المطاف أتساءل: هل حماس ومعها قوى المعارضة مقتنعة أن إسرائيل يمكن أن تعطي ما يمكن للفلسطينيين القبول به؟؟ وإذا كانت الاجابة بالنفي الصريح فلماذا كل هذه المناكفات ولماذا يُضعف بعضنا بعضاً ويتهم كل منا الآخر بأبشع الاتهامات؟

ألم يحن الوقت بعد لمن يرفض العملية السياسية أن يقتنع أن العيش في هذا العالم يتطلب قدراً من السياسة والحوار – وبالذات في ظل الاختلال الكبير في موازين القوى - وهذا لا يعني بأي حال من الأحوال التنازل عن الحقوق. أما القناعة بحقوقنا دون المطالبة بها في كافة المحافل واستخدام جميع الآليات المتاحة للوصول اليها فهذا لن يُقربنا منها بل على العكس تماماً.

الحزب الديمقراطي للعدالة والتنمية http://www.dpjd-pal.org

 
 
اقرأ المزيد...
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required