ربما السيدة التي تبدو لطيفة ومجاملة دبلوماسيا أرادت من خلال التمسك بسياسة التشدد الإسرائيلية الـمعهودة، رفع رصيدها الداخلي في حزب كاديما من جهة، وقطع الطريق من جهة أخرى على وزير الحرب إيهود باراك الذي يلعب ذات اللعبة، أي التشدد طمعا في كسب أصوات القوى الـمتشددة في الـمجتمع الإسرائيلي التي تنامت خلال السنوات القليلة الـماضية وأصبحت ربما تيارا كاسحا قضى او قلص إلى حد كبير معسكر السلام الإسرائيلي الذي اعتبر في يوم ما حزب العمل وباراك شخصيا واحدا من رموزه، وعولت عليه الآمال لتحقيق التسوية التاريخية في كامب ديفيد في نهاية ولاية الرئيس كلينتون. وما الانتقادات اللاذعة التي وجهها زملاء قدامى لباراك من وزن يوسي بيلين رئيس حزب ميرتس، وكذلك حاييم رامون واتهامه بأنه يضع العراقيل في طريق اللقاء الدولي في أنا بوليس إلا مؤشر على احتدام الصراع والتنافس لدى النخب السياسية الحاكمة على كسب الفئات الـمتطرفة والـمتشددة في الـمجتمع الإسرائيلي ومؤشر أكثر دقة عن الصراع الحزبي والسياسي، الذي قد يستخدم كذريعة لإفشال او تعطيل الجهود الدبلوماسية والسياسة الأميركية لعقد اللقاء الدولي رغم حاجتها الـماسة له، وكذلك عدم قدرتها وتوفر الإرادة السياسية لديها أي الإدارة الأميركية في ممارسة ضغوط جادة وفعالة على إسرائيل لاحترام مرجعيات عملية السلام والانطلاق منها كأساس لاستئناف العملية السياسية الـمعطلة منذ محاولة كامب ديفيد الأخيرة قبل سبع سنوات خلت. قول السيدة ليفني ليس جديدا بمعنى ان نظرية الأمن الإسرائيلية التي تفترض إنها هي التي تحقق السلام لإسرائيل أولا، وليست معنية بالأطراف الأخرى الشريكة في العملية السياسية، إذا كان الأمن الإسرائيلي على حساب أمنهم الوطني حاضرا ومستقبلا، ويلحق الضرر أيضا بأمنهم الاستراتيجي، الـمهم وفقا لنظرية الأمن الإسرائيلي ضمان امن إسرائيل وفقا لأجندة التفوق العسكري، وتوسيع نطاق البعد الجيو سياسي الأمني، وامتداده إلى أفريقيا الوسطى، واسيا الوسطى، والشرق الأدنى أيضا، لذلك نراها تعتبر ان أي تطور عسكري في كل من إيران وباكستان مسّ بأمنها الاستراتيجي. بيد ان اشتراط تحقق الأمن لإسرائيل قبل قيام الدولة الفلسطينية يعني ببساطة ان شروط تحقق الدولة الفلسطينية مرهونة بشروط تحقق الأمن لإسرائيل، ليس فقط من الجانب الفلسطيني فحسب ارتباطا بما تدعيه السيدة ليفني أي تطبيق خطة خارطة الطريق، وإنما بما ذهب إليه منافسها في الـمزايدة التطرفية وزير الحرب باراك، وهو حرية عمل الجيش الإسرائيلي داخل الأراضي الفلسطينية، وبما معناه ان لا دولة فلسطينية حتى بعد الاتفاق والإعلان عنها لأنها في هذه الحالة لن تكون سوى كيان منزوع السيادة والاستقلال. غير ان نظرية الأمن التي تتحدث عنها السيدة ليفني كشرط مسبق لقيام السلام، وهو بالـمناسبة كما قلنا ليس بالجديد، وإنما تكرار لذات السياسة التي بدأت منذ عهد رابين، أي ان الأمن الذي تريده إسرائيل كمقدمة للسلام، هو استسلام الفلسطينيين والعرب ان أمكن ذلك وخاصة دول الجوار العربي للـمنظور الأمني الإسرائيلي وتقديم ضمانات فعلية لهذا الأمن. هذا الـمنطق الـمقلوب لا يتعارض ليس مع أولى بديهيات العقل والـمنطق، فحسب وإنما مع أولويات الـمصالح الـمتبادلة التي ينبغي ان تبنى على أساس من الـمساواة والتكافؤ، أي ان السلام العادل هو الذي يضمن الديمومة، وكذلك الأمن وبدون هذا السلام الـمبني على الحق والعدل وتأمين الـمساواة والتكافؤ لأطرافه، فإنه لن يكون سوى عقد إذعان وليس عقد سلام، وبدلا من تطفئ بؤر التوتر من هذا السلام الـمزعوم والـمزيف والـمفروض بالقوة. وبموازين القوى الـمختلة والسعي الدائم لضمان امتلاك التفوق فيها، فإن الشعور بالغبن وانتهاك الحقوق والـمصالح الوطنية ستظل محركا قويا لتدمير فرص هذا السلام الـمزعوم وبالتالي ينهار هذا "السلام الـمفروض بالقوة" الهادف لضمان الأمن بقوة الأمر الواقع، في حين ان ضمانات الأمن الحقيقي لا يقدمها سوى سلام مبني على أساس التوازن، وضمانات متقابلة ومتوازية يشعر كل طرف انه اخذ وقدم بشكل متوازٍ وبما يحقق مصالحه الوطنية، ويضمن أمنه القومي في آن معا. السيدة ليفني لـم تطلق تصريحاتها جزافا بحضور رئيسة الدبلوماسية الأميركية، وقد تكون هذه التصريحات وباعتبارها رئيس الطاقم الـمفاوض عن الجانب الإسرائيلي والـمقابل للجانب الفلسطيني تريد ان توجه عبرها أكثر من رسالة وفي آن معاً بان الأوهام الـمعقودة على نجاح مؤتمر أنا بوليس وعلى قاعدة وثيقة تفاهم تحدد كافة قضايا الحل النهائي وفي إطار سقف زمني، وجداول زمنية للتطبيق غير واردة في الحسابات السياسية الإسرائيلية، والوارد هو البدء بالـمرحلة الاولى من خطة خارطة الطريق، وهي ليست بحاجة للقاء دولي موسع لإعادة إطلاقها وقد يفي ذلك بما قدمته القيادة الفلسطينية من مقترح بان تكون هناك لجنة رقابة من اللجنة الرباعية للحكم على من نفذ التزاماته ومن لـم ينفذها في إطار هذه الخطة من قبل الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، وبالـمناسبة لن تكون النتيجة في صالح إسرائيل لان جردة حساب بسيطة تبين ان ما قام الفلسطينيون بتطبيقه يفوق الكثير مما لـم تبدأ إسرائيل بتطبيقه، إلا إذا كانت السيدة ليفني تريدنا ان نبدأ العد من جديد في كل مرة، وان لا نخرج من هذه الـمرحلة أبدا وعلى "قاعدة جيد ما قمتم به لكنه غير كاف"، وذلك بدعوى تحقيق الأمن لإسرائيل كشرط مسبق للدولة، أي ان تتحول السلطة الفلسطينية وبشكل دائم والى ما شاء الله إلى شرطي لضمان امن إسرائيل دون ان تقدم إسرائيل أي خطوة في بناء هذه الدولة، وأولها وقف الاستيطان وبناء الجدار، والحصار والإغلاق والعدوان اليومي بما في ذلك طبعا القتل والاعتقال. - الأيام 7/11/2007 - اقرأ المزيد...
بقلم: ريما كتانة نزال
تاريخ النشر: 2018/7/23
بقلم: جهاد حرب
تاريخ النشر: 2018/5/12
بقلم: وكالة معا الاخبارية
تاريخ النشر: 2018/5/2
|