ومن جانب آخر يبدو أن سلطتنا في الضفة لم تجد سبيلاً لمقارعة حماس إلا بالزج بأبناء غزة في أتون معركتها ، فمارست – ولا تزال – التضييق على غزة بما في ذلك حرمان الألوف من موظفي القطاع من رواتبهم ، ونسوا أن تلك الرواتب تعيل عشرات ألوف الأطفال والنساء والشيوخ الذين لا يستطيعون حيلة ولا يجدون سبيلاً إلى العيش الكريم دونها. وشعب غزة أبي وأصيل صقلته المحن وعلمته التجارب وزانته النخوة والشهامة على مدار تاريخه ، ولم تكن تلك المشاكل لتفت في عضده أو تغير من طباعه أو تنتقص من رجولته ، فقد شهد العالم لأطفاله قبل شبابه بالبطولة ، كيف لا وصورة أطفالهم وهم يتحدون الدبابات لا زالت شاخصة أمامنا فهم الذين لم يأبهوا بالموت بل أتوه شامخين. إلا أن التناحر والاختلاف والاقتتال هو ما أثقل كاهلهم وأعياهم. فها هي جموعهم تخرج مرحبة بأبنائها العائدين مع قدوم السلطة في عام 1994. خرجت تلك الجموع لاعتقادها أن عهد الظلم والجبروت والبطش الاحتلالي قد ذهب إلى غير رجعة. ولكن لم تكن سوى أشهر معدودة حتى بدأ ينتشر فساد وظلم وجبروت من نوع آخر فتم احتكار السلع الأساسية والسطو على المال العام وانتشرت المحسوبية وفُرضت الخاوات وأصبح الكثير من "المناضلين" والمشردين الذين كانوا عرايا وجوعى من أصحاب الملايين والقصور والمتاجر والمصانع والسيارات الفارهة ... ولم يجدوا من يسألهم من أين لكم هذا!!. كما صُبغت تلك المرحلة باحتضار العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص ، وكانت بحق مرحلة التعيينات المسيسة والتنظيمية لكل من له واسطة ، مما أفسد السلطة وخرب مؤسساتها وما نعانيه إلى يومنا هذا ما هو إلا انعكاس لتلك المرحلة. ليس هذا فحسب بل تمت ملاحقة المقاومة والمعارضة وانتشرت الاغتيالات السياسية وفرق الموت والقتل على الهوية والشكل ، وتم نشر قصص التعذيب الهمجية التي لا يصدقها عقل. نعم لقد صُدم أبناء غزة بما شاهدوه وعايشوه وربما كان ذلك من أسباب فوز حماس في الانتخابات عام 2006. إلا أن حوادث القتل قد ازدادت بشاعة وقسوة بعد فوز حماس وازداد الاحتقان والتمايز والاتهامات وعدم الثقة بين فتح وحماس مما مهد لأحداث دامية وجولات اقتتال مرعبة كانت نتيجتها توصل الفريقين إلى وثيقتي الوفاق الوطني ومكة المكرمة. ولا شك أن أبناء غزة قد صُدموا مرة أخرى عندما رأوا أن حماس التي جاءوا بها إلى السلطة لتخلصهم وتصلح حالهم وتنقل الشعب من حالة الفوضى والفساد والظلم إلى حالة ربانية طالما رفعتها حماس شعاراً لها ، لم تتمكن من تحقيق وعودها بل زاد الطين بلة في عهدها. وازداد الأمر سوءاً بعد الحسم العسكري في القطاع حيث برزت إلى السطح العديد من القضايا التي أثارت حفيظة المواطنين وعلى رأسها كيفية تعامل حماس مع الاحتجاجات التي تقوم بها فتح ووقوع القتلى والجرحى منهم. هذا بالإضافة إلى الاستفزازات والاعتقالات التي طالت بعض عناصر فتح في غزة والتي طالما رفضتها حماس أبان حكم فتح. ولعل ظروف الحصار واجتماع العالم على محاربة حماس والإعلام الموجه بهذا الخصوص وعدم طرح حماس لبدائل منطقية قد ساهم مساهمة فاعلة في إضعاف موقف حماس وتبريراتها. على أي حال فمن المؤكد أن المواطن الغزي لا يرغب بعودة الفلتان والتسلط الذي طالما رعته بعض رجالات السلطة ولم تحاربه فتح ، كما أنه لا يرغب باستمرار المواجهات الدامية والقتل والحصار الذي ازداد بعد الحسم العسكري في غزة. وللأسف لا يبدو أن هناك بديلاً آخر يمكن أن يلجأ إليه أبناء غزة ، فما هو الحل؟ من وجهة نظر فتح والرئاسة الفلسطينية فإن الحل يكمن في عودة القطاع إلى حضن الرئاسة وفتح مع عودة الأجهزة الأمنية لسابق عهدها. إلا أن ذلك يصطدم بالواقع المر والمتمثل بأن ذلك كان جزءاً من المشكلة وليس من المنطق أن تقبل به حماس على علاته ، إذ من المرجح أن يكون ذلك وصفة جاهزة لحرب أهلية طاحنة في غزة. ومن الواضح والبديهي أن تبدأ فتح والأجهزة الأمنية بتعقب حماس وأفرادها ومؤسساتها بمجرد استقرار وضعها في القطاع ، وما يحدث في الضفة الغربية خير شاهد. ومع ذلك فإن حماس لا تمانع في عودة القطاع والأجهزة الأمنية إلى الرئاسة ولكن ضمن اتفاق عام وشامل يعالج جميع الملفات ودون شروط مسبقة. وليس مفهوماً كيف يمكن التوصل إلى اتفاق يمكن تنفيذه على الأرض ويمكنه الصمود ضمن الواقع الموجود وموازين القوى ، مع الأخذ بعين الاعتبار الاتفاقات السابقة بين فتح وحماس. إذاً هل تستمر الأحوال كما هي في انتظار جولات جديدة من المواجهات والقتل والتدمير تحت مسميات ومناسبات مختلفة ومتغيرة؟ وهل من المنطق والوطنية أن تكتفي السلطة في رام الله باستغلال الأحداث الدامية في غزة لصناعة خبر إعلامي وكسب نقاط معنوية ضد حماس؟ وهل المطلوب أن ينشغل الشعب الفلسطيني بما يحدث على الساحة الداخلية وينسى قضيته الوطنية؟ هل يعلم المواطن الفلسطيني أن السلطة اليوم تطالب علناً بسقف أقل بكثير من سقف الثوابت الفلسطينية وحتى أقل من سقف المبادرة العربية؟ والأخطر من ذلك هل يعلم المواطن الفلسطيني أن السلطة اليوم تفاوض خارج حدود الثوابت التي أقرتها منظمة التحرير ووثيقة الوفاق الوطني ودون اعتبار لأية مرجعيات دستورية ووطنية؟ وهل يعلم أبناء الشعب الفلسطيني أن اختلافهم واقتتالهم من أهم أسباب ضعف موقفهم سياسياً وعسكرياً وحتى إعلامياً ودولياً؟ وإذا أخذنا بالاعتبار أن أغلبية الشعب الفلسطيني تؤمن بأن إسرائيل لن تعطيه حقوقه في الأرض والقدس والعودة وربما لن تحرر كافة الأسرى كما يُصرح بذلك قادتهم صباح مساء وكما قرر الكنيست وتعهد بوش (في رسالته الشهيرة لشارون) ، فهل تحاول السلطة تسويق الوهم والسراب لأبناء فلسطين بإقناعهم أن الحل ممكن؟ ألا تؤدي تلك المواقف المحيرة إلى زيادة الانقسام والشرخ وتعميقه أكثر وأكثر وربما تبرير قمع الحريات والمقاومة لأسباب من الصعب تفسيرها بحسن نية؟ وهل نضحي بوحدتنا الوطنية والسلم الداخلي والترابط والأخوة من أجل سراب ووهم تسوية غير ممكنة؟ ومن جهة أخرى فلا شك أن المنطق يقتضي الحوار والنقاش والمفاوضات مع العالم على أسس سليمة ، تعتمد القرارات الدولية 181 و194 و242 و338 وغيرها من القرارات التي تؤكد على حقوقنا. كما أنه يجب علينا أن نُبقي تلك القرارات في الذاكرة الدولية بدلاً من استبدالها بأوسلو وخارطة الطريق وتفاهمات تينت وميتشل وربما بعد قليل بمبادئ أنابوليس ، وهكذا تضيع القضية. كل ذلك مدعاة لنا أن نعيد النظر في فلسفة المفاوضات ومردودها وعلاقة ذلك أولاً وأخيراً بالوحدة الوطنية والانسجام داخل المجتمع الفلسطيني الذي يجب أن يشكل الأولوية التي ننطلق منها. كما أنه من المفيد أن يتصدر المفاوضات شخصيات وطنية مقبولة جماهيرياً وتنظيمياً وليس شخصيات تثار حولها الشكوك ولا تتمتع بالثقة. ولعل المخرج من الأزمة التي نعيشها يمكن أن يتمثل في أخذ القضايا التالية بعين الاعتبار: أولاً: يُقر الجميع بحقوقنا الثابتة كما جاء في ميثاق منظمة التحرير وبما تم التوافق عليه في وثيقة الوفاق الوطني. وعليه فإن المفاوض الفلسطيني مطلق اليدين في مباشرة أية مفاوضات تستند إلى تلك الأسس والمبادئ بينما لا يجوز له طرح المبادرات أو الموافقة عليها – بشكل رسمي أو غير رسمي – دون الحصول على الموافقة من أطراف وثيقة الوفاق الوطني كون تلك الأطراف هي الفاعلة على الساحة الفلسطينية ومن السهل جمعها. ثانياً: على السلطة في الضفة مراعاة حقوق الإنسان والعدالة واحترام المؤسسات والقضاء وإعادة الاعتبار لها وممارسة الحكم بما ينسجم مع وثيقة الوفاق الوطني. ويشمل ذلك إلغاء كافة المراسيم والقرارات والإجراءات التي تم اتخاذها ضد القطاع. ثالثاً: تشكيل حكومة تكنوقراط لإدارة قطاع غزة بكل جوانبه وبوضعه الحالي وذلك إلى حين التوصل إلى اتفاق بين فتح وحماس حول القضايا الخلافية بينهما. ومن المعتقد أن حماس لن تمانع في ذلك ، فلطالما أشار قادتها أنهم ليسوا طلاب مناصب وكراسي وسلطة. ومن المؤكد أن يؤدي ذلك إلى تخفيف التوتر والاحتقان ، وتهيئة الأرضية المناسبة للحوار والتفاهم ، وحل العديد من الإشكاليات التي يعاني منها القطاع. رابعاً: تنفيذ أي توصية من التوصيات أعلاه بناءاً على اتفاق مسبق أو من جانب واحد يعتبر خطوة في الاتجاه السليم لحل المشكلة والأزمة الحالية. وأخيراً فإن من شأن التعامل بشفافية مع تلك القضايا أن يفرز جبهة داخلية متراصة ويعيد الثقة بين الأطراف ، كما يؤمن لكل فريق المضي في تحقيق برنامجه دون إعاقة من الآخرين. أما استمرار الوضع على ما هو عليه فهذا يعني وقت أكبر لكرة الثلج الإسرائيلية لتكبر وتنتفخ ، بينما تتقلص كرة الثلج الفلسطينية وتذوب باستمرار على نار ولهيب الصراعات التي لا تنطفئ بين أخوة الدم والسلاح ...... فهل من مجيب؟ - مفتاح 19/11/2007 - اقرأ المزيد...
بقلم: ريما كتانة نزال
تاريخ النشر: 2018/7/23
بقلم: جهاد حرب
تاريخ النشر: 2018/5/12
بقلم: وكالة معا الاخبارية
تاريخ النشر: 2018/5/2
|