مفتاح
2025 . السبت 24 ، أيار
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 


العنصر الجوهري في إعلان منتدى فلسطين هو دخول أصحاب رأس المال على الخط، كيف لا وعنوان المنتدى والشخصية المركزية فيه هو الاقتصادي ورجل الاعمال منيب المصري. منذ النكبة، هذه هي المرة الاولى التي يبحث فيها أصحاب رأسمال فلسطيني عن صيغة تنظيمية مستقلة. فبعد ان أنهى التطهير العرقي الاسرائيلي وجود المجتمع الفلسطيني كتشكيلة اجتماعية اقتصادية موحدة، استأنف كبار الملاك وشرائح برجوازية نشاطهم الاقتصادي خارج الوطن بالاندماج في تشكيلات أخرى وفي إطار الطبقات الحاكمة ونظامها السياسي. وشيئاً فشيئاً كونت تلك الشرائح رأسمالها من خلال نشاطها في الخدمات والتجارة والاستثمارات العقارية والمالية.

هذا النوع من النمو فصل البرجوازية الجديدة عن مجتمعها الاصلي، وعزلها عن المشاركة في الاحزاب والتنظيمات الفلسطينية الا في حدود رمزية وهامشية ولفترات انتقالية. وفي مرحلة صعود الحركة الوطنية، اتكأت بعض الشرائح البرجوازية على حركة فتح ومنظمة التحرير واوجدت صيغة ما للتمثيل السياسي وخاصة داخل فلسطين، غير انها لم تندمج في الحياة السياسية باستثناء بعض الحالات. في كل الاحوال قدمت الشرائح المختلفة من البرجوازية نفسها بلا مشروع وطني ديمقراطي وثقافي فلسطيني، بدت وكأنها غير مبالية بوجود او عدم وجود ذلك المشروع، وغير معنية بالتحولات التي يشهدها المجتمع، ولهذا السبب غابت بصماتها من الحياة السياسية والثقافية الفلسطينية.

هل الاعلان عن منتدى فلسطين بمبادرة رأسماليين يعني دخول البرجوازية الى الحلبة السياسية بعد غياب طويل جدا؟ وما هي طبيعة الدخول واهدافه، هل ستدخل من اجل المشاركة في السلطة ام الاستحواذ عليها؟ والاهم هل ستساهم في تطوير المجتمع وتحديثه وفي عمليات انتشاله من الازمات الطاحنة، وفي تطوير وتحديث السلطة؟

يقول جورج طرابيشي في كتابه (هرطقات) عن الديمقراطية والحداثة والعلمانية: الديمقراطية من اختراع الحداثة ومن اختراع الطبقة الصانعة للحداثة (البرجوازية)، وبدون هذه البرجوازية كثيرة العيوب بدءاً من التردد وصولاً الى التبعية، بدون التحديث البرجوازي للمجتمع لن يكون هناك ديمقراطية، وسيكون البديل هو المد الاصولي والشعبوي.

اصاب طرابيشي الهدف بدقة عندما أناط الدور التحديثي برأس المال وأصحابه المتنورين، الدور المفتقد والمطلوب فلسطينيا. المجتمع الفلسطيني بحاجة الى قاعدة اقتصادية مستقلة بحد أدنى تساعده في الافلات من موقع الرهينة والابتزاز، ومن هو اقدر على بناء تلك القاعدة من الرأسمال الفلسطيني الخاص!

المجتمع الفلسطيني بحاجة الى فكر تنويري عقلاني حداثي يستنهضه ويربطه بكل ما هو متقدم في تراثه وحضارته وبكل ما هو متقدم في الحضارة الانسانية. البرجوازية تستطيع إقامة بنية ثقافية تنشر ذلك الفكر وتؤصله، وتستطيع إعادة الاعتبار للمدينة التي غابت ومع غيابها انحسر الفكر والادب والفن وغاب النشاط الثقافي، وساد ضيق الافق الفكري والتزمت وغلبة التفكير المحلي. قد لا نختلف حول حاجات المجتمع الاساسية، لكن التحدي هو كيف نحقق تلك الحاجات، كل من موقعه؟ الجديد هو دخول أصحاب رأسمال على الخط من خلال صيغة تنظيمية جديدة هي منتدى فلسطين، والاعلان عن استعدادهم لتحقيق تلك الحاجات. مسألة مثيرة للاهتمام دعونا نرى.

العنصر الاساسي في اضطلاع المنتدى بمهمة تغيير ديمقراطي حقيقي هو ايجاد قاعدة اقتصادية واجتماعية، تماما كما فعل الاسلام السياسي، والبرجوازيون المتنورون في مواقع عديدة واليسار الجديد في أميركا اللاتينية. هذه العملية لا تتحقق بخبطة واحدة وانما تبدأ بالاستثمار المنتج وبالمراكز الثقافية والفنية وبمشاريع اعلام باعادة الاعتبار للمدينة. لماذا لا تفتح مراكز ثقافية ودور للسينما ومراكز تدريب وعمل تطوعي في المدن التي فرغت من فعالياتها وأصبحت خاوية، وبخوض معارك جماهيرية جادة ضد الجدار والحواجز والحصار والعقوبات الجماعية وفصل الضفة عن القطاع وتهويد القدس، وخوض معركة مقاطعة السلع الاسرائيلية، وتنظيم نضال ديمقراطي ضد الانقلاب والمس بالحريات العامة وإقامة إمارة حماسستان. وتنظيم حملات ضد الفساد الاداري والمالي ومراكز القوى وشخصنة المؤسسات. معركة صغيرة هنا ومعركة أكبر هناك بمشاركة نخب ثقافية وشبيبة ومرأة وبمشاركة قوى سياسية.

لقد طرأ اختلاف نوعي في اسلوب بناء وولادة حركات التغيير الاجتماعي والسياسي، لكن منتدى فلسطين أعاد الاسلوب القديم بحذافيره، انطلق من الحاجة للتغيير واعتبرها كافية للاقلاع بدون مقومات ملموسة وكافية، بدون تراكم خارج اطار صالون الاجتماع، وقدم وثيقة مواقف ولائحة، وأعلن عن الهيئة القيادية التي تمثل الجسم التنظيمي (عودة للانابة والتمثيل)، كما جرى تقديم الزعيم الذي يمثل الجميع، ورش الوعود الجميلة او الاقوال التي لا أحد يعرف كيف تتحول الى افعال.

ما هو وجه الاختلاف مع الوثائق التي قدمتها الاحزاب والتجمعات الاخرى؟ لا يوجد اختلاف جوهري بل ان وثائق القوى اليسارية اكثر وضوحاً وجذرية في القضايا الاجتماعية وفي نقد التجربة. ان تبني المنتدى لوثيقة الاستقلال جاء شكلياً لانه لم يعَرّف القضايا المطروحة في الوثيقة ولم يقل لماذا يتبنى الوثيقة. فالقوى التي صَنَعت الوثيقة وتبنتها وما زالت تتبناها أدارت الظهر لها وعملت على الضد منها عمليا، ثم ان مياهاً غزيرة جرت منذ اعلان الوثيقة وحتى الآن. قضايا الفكر لا تحل بوثيقة، والمطلوب هو مواقف وأفكار وأسئلة وإجابات بصورة متواصلة وهذا يطرح تواصل السجال وانتاج المعارف والافكار بآلية مغايرة لمنطق الوثيقة التي تقزم التفكير وتحيله الى جهة امتياز.

ما كان مطلوباً هو إطلاق حوار هدفه تأصيل أفكار ومعارف وبلورة مهام من جهة، وخوض معارك ديمقراطية ووطنية صغيرة وكبيرة على الارض من جهة اخرى، وتحقيق مكاسب للناس وخلق مصالح لاعداد متزايدة من الشباب، وبناء مراكز تنشر الفكر التنويري، وفي معمعان هذه العملية تنبثق الاشكال التنظيمية من تحت الى فوق وليس عبر هندسة البناء من فوق الى تحت كما فعل المنتدى. المنتدى حيد العنصر الاهم وهو الدور الاقتصادي المنشود الذي يعول عليه الناس من أصحاب رأس المال، ليس في مجال المنافع الفردية بل في مجال التنمية وتحديث المجتمع. ولم ينتقد المنتدى المظاهر السلبية أو الفساد أو التهرب الضريبي في صفوف القطاع الخاص، ولا أولويات الاستثمار الربحي في مجتمع مطحون ومدمر. أين الشفافية التي وعد بها؟ المنتدى أعفى هؤلاء من دورهم الخاص، وسلحهم بصيغة تنظيمية بيروقراطية قد تفيدهم بدون ان يخسروا شيئاً.

Mohanned_t @yahoo.com - مفتاح 20/11/2007 -

 
 
اقرأ المزيد...
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required