مفتاح
2025 . السبت 24 ، أيار
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 

هل السلام الذي هو الوفاق، يمكن تحقيقه بعد، بين حكومتي غزة ورام اللّه، مملكة إسرائيل ومملكة يهوذا، مملكة الشمال ومملكة الجنوب، حيث يعيد تكرار الانقسام دمارهما. "كل بيت ينقسم على نفسه مصيره الدمار". تحدث المسيح.

لعلنا نعرف الآن، أو نتعلم على جلدنا، بأنه ما إن يحدث للمرة الأولى، التي تكون بمثابة المرة الأخيرة، انكسار الوحدة الوطنية، انقسام البيت الواحد، فإن هذا الانكسار يطال بالأساس، القواعد والأعمدة التي يقوم عليها البناء، وإن حدوث هذا الانقسام إنما يعني أن القواسم والثوابت، التي هي القواعد، لم تعد تعمل كقواسم مشتركة، أو جامعة، يمكن أن توحد القافلة في الطريق إلى مكة. القدس في هذه الحالة. كيف تسقط القواسم، أو يتم اختراقها؟ هل في حالتنا في أعقاب التخلص من "الأب القتيل"، عامود الخيمة، وبالتالي يتفرق شمل الأبناء شذر مذر، حين يعجزون كما يعجز بطن الأمة، عن إعادة استنساخ هذا الأب، نصف الإله، مرة أخرى؟ أو هل هذا يحدث حين يترافق مع رحيل الأب القتيل، ولادة لحظة محددة، من تداخل الحقب التاريخية، بحيث يؤدي اصطراع هذه الحقب، عند عنق الزجاجة، إلى هذا الانكسار الحاد الذي لا يمكن تسويته؟

ليس سوى أننا نحاول الفهم. وهكذا، فإنه بقصد هذا الفهم، أو على سبيله، فقد تجدر الملاحظة أننا نقوم بطرح هذا السؤال، على عتبة ذهاب مملكة رام اللّه، إلى مدينة أنابوليس، من أجل عقد السلام مع مملكة إسرائيل المتأخرة، إسرائيل التي أعيد اختراع فكرتها مجدداً، بعد أحقاب طويلة من الاندثار، وفيما تبدو مملكة غزة تعاني وحدها وطأة الحصار والعزلة، أو تركها في مواجهة الطوفان، دونما جبل يكون لها عاصماً من الغرق في بحرها، أو الموت بفعل الحصار. لا، لا تلوموا اليوم إلا أنفسكم، بعد أن حاولنا بشتى السبل هدايتكم، دعوتكم الى الركوب معنا في السفينة، سفينة الاعتراف بشرعية النظام الدولي، وشرعية النظام العربي، وشرعية إسرائيل بالطبع كذلك، ولكنكم لم تستجيبوا لكل نداءاتنا ولم تفعلوا.

هكذا، نحن عند هذه اللحظة المحددة، بل قولوا الحرجة، أو التاريخية، نذهب نحن آخر ما تبقى من سبط عرفات، للحصول على جواز دخولنا نظام الخصم، "الاندماج في نظام الخصم"، الهدف الذي رام إلى تحقيقه جميعهم، عبد الناصر، صدام حسين، البعث، وحتى عرفات نفسه، كما يدعي بذلك، جاك بيرك المستشرق الفرنسي العظيم، الذي قام أيضاً بترجمة القرآن، ولكنهم فشلوا جميعاً في الدخول إلى هذه الحظيرة المقدسة، لنظام الخصم، لأنهم أرادوا هذا الاندماج بشروطهم، أو على طريقتهم، فحق عليهم غضب هذا النظام والقتل. نحن سندخل كشركاء، ولماذا نفتعل العداء كالسابقين، تساءل محمد حسنين هيكل ذات مرة: "لماذا لا نستبدل العداء بالمشاركة؟"، أوليس هذا تبريراً حكيماً، مصطلح "الشراكة"، الأكثر رواجاً، حتى في سجالنا الداخلي، كما في مؤتمر "برشلونة" للشراكة الأوروبية المتوسطية؟

إن الزمن قد تغير أيها السادة، ولينين، هو الذي حذّر من "الجمود العقائدي"، والتحالف اليوم الذي تمثله مملكة رام اللّه، ليس ليبرالياً خالصاً، ولا حتى فتحاوياً خالصاً، وإنما أيضاً، بنكهة يسارية، معتقة، هو خليط من ألوان الطيف، هيا إذاً، وقد استوفينا شروط الدخول، متفوقين على تركيا نفسها، نحقق هذا الاندماج الخلاّق في نظام الخصم، الذي فشل في تحقيقه عرفات. فعرفات الذي وقع بنفسه على نصف دزينة من الاتفاقات مع الخصم، لم يحظ بهذا الشرف. لقد نظروا إليه طوال الوقت بريبة وشك، وعلى غرار المثل الروماني القائل: "احترمه ولكن واصل الشك فيه". ظلوا يشكون فيه، وبالأخير لأنه واصل التجلّد، ولم ينهك، قرروا التخلص منه وقتله.

حينما يمتدحني عدوي، يجب أن أشك في نفسي، في سلامة معتقدي، هذه هي المسألة أيضاً، فالوضع الطبيعي أن السلام يقوم بين خصوم وأعداء حقيقيين، وهذا هو السلام الذي يمكن وصفه بالسلام المشرّف. فهل هذا السلام يمكن تحقيقه في مؤتمر أنابوليس، على قاعدة امتداح إسرائيل للشريك الفلسطيني؟ أم ان هذا السلام الذي لا ينطوي على الشك، وإنما على اليقين، هو سلام يقوم على الخداع؟

في الواقع، ليس ثمة في هذا الاندماج، سوى إعادة تمثيل هذا الفصل الأخير من الخداع، لكي يمكن استبدال السلم الأهلي الحقيقي، بالسلام الوهمي مع إسرائيل، وإذ نمضي في هذه الطريق، دونما تردد، فإن المحصلة سوف تكون استبدال السلام الحقيقي والمشرّف مع إسرائيل، بالحرب الحقيقية مع هذه الأخيرة، لأربعين سنة أخرى. هل لاحظ هذه النبوءة المتشائمة رجل السلام الإسرائيلي، يوسي بيلين، الذي قال: إن ما يحدث هو الخداع لأن حكومة إسرائيل الحالية ليست حكومة سلام؟ والسؤال اليوم، هو: ماذا سيحدث، في اليوم الثاني، لانتهاء مؤتمر انابوليس لتحقيق السلام؟ والجواب: إن المقدمات تحكي بنفسها عن المستقبل، فيما يحدث خلال الأيام الأخيرة قبل انعقاد المؤتمر.

هاكم مثلاً، لبنان: لن يكون هناك رئيس جديد توافقي في بلاد الأرز، ستكون هناك حكومة رام اللّه وحكومة غزة. وهنا لن يكون هناك اجتياح واسع لغزة، وإنما بداية التحول في التكتيكات العسكرية على الحدود مع غزة، بانتقال المحاصرين، للهجوم داخل هذه الحدود، وربما تحطيم الجدار الذي يفصل غزة عن مصر لفك الحصار بالقوة في نقطته الأضعف، والأقوى على حد سواء، لئلا يموت الناس في الخزان. ومن لبنان ربما ستندلع الإشارة القادمة للحرب الإقليمية أو من سورية أو من إيران، أو من غزة. لكن، ألا تلاحظون بالأخير، أن هذا التنوع المدهش في "البؤر الإنتانية"، التي يمكن أن تشعل الحرب الإقليمية، لم يسبق له مثيل؟

في جميع مشكلات الجسد، واعتلال العين أو الرأس، ابحثوا عن "البؤر الإنتانية"، في اللّثة، أو القدمين، وستجدون أن صراخ الجسد، تخليه عن حركته الصامتة، أي إعلان الحرب إنما يصدر عن هذه "البؤر الإنتانية". وهذا هو الوضع الراهن اليوم، فيما يتعلق بالموقف العام. فحفل لصنع السلام في قلب الشرق الأوسط، ماذا يعني، مع اشتداد التهاب البؤرة الباكستانية، والأفغانية، والعراقية، والإيرانية، والسورية واللبنانية، والفلسطينية الغزية؟

لإميل حبيبي، الأديب الفلسطيني الراحل، كلمة جميلة، كان يحب استعمالها، يقول فيها: "أما حكي". وقد يمكنكم النظر إلى مقاربتنا هذه بصورة الوضع، على أنها أيضاً، "أما حكي"؟! ولكن في الواقع، قد يكون الحكي الأكثر قرباً من محاكاة الواقع. إذا كان الأمر لا يتعلق بالنهاية، سوى التوصل إلى بيان عن المؤتمر لا يعدو كونه "حكي في حكي"، لا يساوي الجهد الذي بذل في تنميقه. للإسرائيليين مثل يقول: "خسارة على الوقت"، وللشيخ رائد صلاح هو الآخر كلمة محببة يقول فيها: "إن واجب الوقت يملي عليّ أن أصارح نفسي وأصارحكم". وواجب الوقت يقتضي هذه المصارحة الآن مع النفس:

أولاً: إننا نذهب في التوقيت الخاطئ إلى المفاوضات، لأننا منقسمون على أنفسنا، ولأن عدونا هو الذي يحتاج لشراء الوقت أكثر منا. ثانياً: إن الاطار النظري للمفاوضات قد بلغ نقطته القصوى في مفاوضات طابا، وبالتالي فإن إعادة التفاوض من نقطة الصفر، هو تراجع عن الاختراقات التي تم إنجازها إبان عهد عرفات.

ثالثاً: والواقع، ان هذا الاطار نفسه، وما يمكن تحقيقه ثبت بالبرهان والتجربة أن لا قيمة له، طالما أنه لا صدقية لتنفيذه. رابعاً: يبقى أن الجدوى الحقيقية من أي وضع تفاوضي، هي ما يمكن أخذه على الأرض، وهذه هي النقطة العملانية الوحيدة التي ينبغي التركيز عليها، لفحص نوايا الطرف الإسرائيلي والأميركي.

فهل إسرائيل على استعداد من أجل شراء السلام، لإزالة الاستيطان، وإطلاق جميع الأسرى، وإزالة الجدار وفك الحصار عن غزة والضفة، ووقف الاجتياحات. وإذا كان الجواب إنها لن تفعل؟ فكم يساوي إهدار الوقت في مفاوضات نشتري في نهايتها، ورقة لا يمكن صرفها، ولا رصيد لها؟ ولكن أسوأ نقطة في الوضع التفاوضي الذي نذهب فيه اليوم، إلى أنابوليس، هو أن الاستراتيجية الفلسطينية تخلّت مسبقاً قبل هذا التفاوض عن بدائلها الأخرى، وهذا هو قوام الخطأ الاستراتيجي باستبدال التوصل إلى وقف شامل لإطلاق النار، كبديل كان يصرّ عليه عرفات، من تعريض الوضع الداخلي لحرب أهلية، عن طريق نزع سلاح المقاومة.

الايام 24-11-2007

 
 
اقرأ المزيد...
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required