ينعقد اجتماع أنابولس في ولاية ميرلاند الأمريكية، في غمرة مشاعر الريبة بأن يحقق الاجتماع نتائج ملموسة، توقف تغول المحتلين وتحدد نقطة انطلاق لانتهاء الاحتلال القائم منذ أربعة عقود. واللافت أن تصريحات مسؤولين عرب كثر، قد حذرت من انعكاسات فشل الاجتماع، بما دلل على أن سقف التوقعات منخفض. في الوقت ذاته تحدث آخرون من بينهم الرئيس عباس، عن “فرصة تاريخية” يوفرها اللقاء. ومن الواضح أنه حديث أقرب إلى التمنيات منه إلى تشخيص الواقع. وفي نهاية الأمر فالمهم هو إثبات النجاعة على تحويل المرتجى إلى واقع ملموس، وتخير الوسائل الملائمة لذلك داخل أروقة هذا اللقاء كما خارجه. مع ذلك ليس لأحد أن ينكر أهمية انعقاد هذا الاجتماع من حيث المبدأ. فلطالما تمت دعوة واشنطن للبرهنة على جديتها ووقف تعطيلها للمسيرة السياسية. ليس من المنطق تتفيه فكرة اللقاء، لكن الواجب يقتضي منح هذه المناسبة المعنى والقيمة، وتلك ليست مسؤولية واشنطن ابتداء فلديها كل الإمكانات للتلاعب والتملص، بل هي مسؤولية فلسطينية وعربية أساساً. الاستنكاف عن المشاركة كان أحد الخيارات التي تم التلويح بها، من أطراف عدة. الآن مع اختيار المشاركة والاستجابة لدعوة واشنطن، فعلى المشاركين العرب إثبات أن استجابتهم للدعوة تمت تعبيراً عن قناعة بإمكانية تحقيق نتائج جدية، تتعدى التقاط الصور والوقوع في شرك الوعود “الاسرائيلية” المبهمة وترديد المبادئ الفضفاضة، وفي النهاية التفلت من أي التزام محدد، خاصة لجهة الجدول الزمني وآلية التنفيذ والمتابعة. الاستجابة الدولية الواسعة للمشاركة في اللقاء، توفر فرصة للأطراف العربية للضغط على تل أبيب، من منطلق استهتارها المديد بكل الشرعيات والمواثيق التي تدين بها الأسرة الدولية، والتشديد خلال ذلك على واقع شاذ يتمثل في إعفاء هذه الدولة الباغية من أية محاسبة أو تبعة خلافاً لدول وأنظمة أخرى في عالمنا، وهو ما أدى إلى إطالة أمد هذه الظاهرة الاحتلالية، وإلباسها لبوساً دينياً مزعوماً لإخراجها من إطارها السياسي والقانوني. من بؤس النظر والعمل الاكتفاء بإبداء الأسف ومشاعر الخيبة من السلوك “الإسرائيلي”، فليس من المتوقع أو المنتظر أن يتكرم هذا العدو العنصري والمتغطرس، بإعادة الحقوق إلى أصحابها والكف عن نهجه التوسعي والدموي، لمجرد إبداء مناشدات نحوه وإظهار كل هذا القدر من حسن النوايا. خبرة الصراع والتسوية معه على مدى عقود، تفيد بدوام امتلاك هذا العدو لعقيدة صراعية وخيار عسكري، حتى مع سيادة حالة سلمية من الطرف الآخر. وكان موشي دايان قد عبر عن ذلك قبل أكثر من أربعين عاماً، حين أوصى بأن تعزز الدولة العبرية بسلوكها صورتها ك”كلب مسعور يحرص الجميع أن يتجنبوا أذاه”. يجري التقيد بهذه الوصية ولو بتفاوت بين أطراف المؤسسة الصهيونية. مناسبة لقاء أنابولس تستحق أن تحمل رسالة عربية مؤداها، أن السياسة “الاسرائيلية” لم ولن تحقق لأصحابها شيئا، وأن طريق التسوية بأهدافها ومرجعياتها معلومة، وأن التصرف على الأرض وتجاه البشر في مسار يفضي إلى زوال الاحتلال، هو وحده ما يضمن الأمن للجميع والقبول بالدولة الصهيونية كأمر واقع. لا يرغب المرء هنا بإيراد جملة من “الينبغيات”، وجل المراد هو التأشير على طبيعة التحدي القائم والذي لا تتم الاستجابة له بنجاعة كافية حتى الآن.ولقاء أنابولس يوفر فرصة ثمينة لكن هذه الفرصة لا تتحقق من تلقائها، وبمجرد تقدير العالم للنوايا الفلسطينية والعربية السلمية والمسالمة.فإما أن تشكل المناسبة فرصة لإثبات الاستجابة للتحدي، أو يتم هدرها بالرضى بالفتات وإعفاء المحتلين عملياً، من تبعات اقترافهم لجرائمهم الكبرى بما يحفزهم على ارتكاب المزيد منها، حتى لو صدرت بعض المؤاخذات اللفظية من هنا وهناك والتي لا تعني شيئا، لساسة يتميزون بالصفاقة والوحشية ويعتبرون هذه الخصال، طقساً وطنياً وشعائر مقدسة. لن يفاجأ أحد إذا ما خرج لقاء أنابولس بنتائج هزيلة وخاوية، بل إن المفاجأة سوف تكمن في خروجه بحصيلة مقنعة. في الحالة الأولى المتوقعة فليس على الأطراف الفلسطينية والعربية المشاركة لوم أحد على سوء المآل، فقد كان هناك في البدء خيار عدم الاستجابة لمناسبة مبهمة، وكان في متناول اليد بل تم التلويح به غير مرة كما سبقت الإشارة. وفي النهاية تمت المشاركة وقد يصح وصفها بمجازفة، على أنها لم تقترن بأداء ناجع يضع اللقاء بين خيار الفشل مع تحميل المحتل وحليف واشنطن التبعة والمسؤولية، أو الخروج بنتائج جدية تضمن استئناف المسيرة السياسية ضمن أمد زمني محدد وقصير وبآليات واضحة وملزمة للمتابعة والتنفيذ، وذلك على سائر المسارات حتى لو تم البدء بالمسار الفلسطيني لخصوصيته ومركزيته. لقد أتيحت الفرصة خلال الأشهر القليلة الماضية، لوضع خطة محكمة وفعالة للتعامل مع هذا الحدث، رغم التعمية المقصودة التي أشاعتها الجهة الداعية. ويفترض أنه تراكمت للأطراف العربية المعنية خبرة تراكمية في التفاوض وإدارة العملية السياسية.
اقرأ المزيد...
بقلم: ريما كتانة نزال
تاريخ النشر: 2018/7/23
بقلم: جهاد حرب
تاريخ النشر: 2018/5/12
بقلم: وكالة معا الاخبارية
تاريخ النشر: 2018/5/2
|