كفانا خلافاً على سراب ، وكفانا سباقاً في ميدان الفرقة والإنشطار ، ليس الوقت وقت تقاسم للسلطة ومحاصصة للمناصب ، والسلطة مهدورة ومستباحة ، وكراسي المناصب بدون قوائم أو بأرجل بدون عجلات غارزة بالأرض لا تتحرك إلاّ بأمر الإحتلال أو تجثم على الأرض يزحزحها الإحتلال كما شاء ، ولم يكن الوقت مناسباً للديمقراطية التي سحرتنا وأغوتنا وفرقت صفوفنا ، نبحث عن الديمقراطية والحرية مسلوبة منا ، لم تكن الديمقراطية مطلباً ملحاً وخياراً مفضلاً على الإستقلال والتحرر ، وقفزنا فوق حاجز الإستقلال الى حاجز الديمقراطية ، فلطمنا حاجز الإستقلال وأحدث فينا كسوراً ورضوضاً وتمزقاً في الأنسجة ، فوصلنا حاجز الديمقراطية مشوهين ، لا نقدر على الحراك ، وعاجزين عن إكمال مسيرتنا للأمام نتمنى العودة سالمين الى حاجز الإستقلال ، لنقفز من فوقه بتريث وقوة وعزيمة وحكمة بدون وقوعٍ وسقوط وانكفاء ، وصدقنا أنفسنا بالفوز في سباق الديمقراطية الذي خططه لنا الأعداء ليكون شركاً نسقط فيه ونتلهّى به عن الإستقلال وكنس الإحتلال ، لقد كانت الديمقراطية لنا تماماً بمثابة لهّاية الأطفال التي توضع في أفواههم لتوقفهم عن التعبير عما بدواخلهم من معناة لألم أو جوعٍ أو عطش فلا تدر حليباً وغذاءً ، أمسكنا بها متوهمين بقدوم الفرج ، فإذا بها ذرٌّ للرماد في العيون ، أعمتنا عن حقيقة واقعنا المؤلم والمتشرذم ، وأنستنا الأوطان ومصالح الناس ، وما هو هذا الحال المؤلم الذي كنا نعاني منه وزدنا أنفسنا معاناة أكثر ايلاماً؟؟؟ المقاومة وسيلة لتحقيق هدف ، ولم تكن في يوم من الأيام هدفاً لأي شعب ، وهي رد فعل معاكس في الإتجاه لفعل ضارٍّ بالوطن والشعب ، وإن الإحتلال الذي عانينا منه يختلف عن أي احتلال في العالم على مر التاريخ ، إنه احتلال استيطاني يستهدف وجودنا على أرضنا ، لذلك كانت مقاومتنا أطول مقاومة في التاريخ ، وكانت تضحياتنا باهظة التكاليف ، ولم تكن مشكلتنا محصورة بيننا وبين الإحتلال فقط ، فدخل فيها العنصر الإقليمي والدولي ، وتشابكت حولها المصالح ، وتلاطمت فيها المحاور والأحلاف ، وكانت نتيجة حرب عالمية ومحورية ، وكنا ضحية لهذا الإحتلال البغيض القائم على الجريمة والخداع والتحالف مع القوى الدولية الفاعلة ، فكنا في مواجهة العالم أجمع ، وبتضحياتنا الباهظة وصمودنا الأسطوري انتزعنا اعترافاً بوجودنا على تلك الأرض التي يطمح اليها الإحتلال ، والتي كانت هدفاً لمشروعه المشبوه والقائم على الظلم والغبن واستغلال الضعف الذي كان عالمنا العربي يعاني منه ويقبع تحت السيطرة الأستعمارية ، ويتشرذم بين الأحلاف الدولية ويستظل بالأوهام بحثاً عن نفسه وموقعه على خارطة العالم ، فانعكس تشرذمه وتفتيته على قضيتنا سلباً ، وبدون أن يعلم أصبح يمثل قوة احتكاك أمام جسمنا المتحرك باتجاه الإستقلال والتحرر والخلاص من الإحتلال. ونحن اليوم جعلنا من أنفسنا قوة احتكاك معاكسة بفرقتنا وتشرذمنا ديمغرافياً وجغرافيا إضافة الى قوى الإحتكاك الإقليمية والدولية التي تعاكس اتجاهاتنا في التحرر والإستقلال ودخلنا في لعبة الكبار كأدوات متلاطمة متعاكسة في الإتجاهات عرضة لرياح جافة مغبرة تهب على صحراء معدومة الإلفة والدفء وتثير الغبار في أبصارنا. المقاومة الناجحة والفعالة تسير في خطين متوازيين ، خط المقاومة على الأرض بكل وسائلها المدنية الشعبية والعسكرية السرية الفاعلة التي تقوم على الكر والفر وايقاع الخسائر بالخصم بأقل التكاليف للإحتفاظ بمخزون طاقتها وترشيده ليحتفظ بالزخم الذي يؤدي لأستمراريتها وتصاعدها ونموها في خط بياني متصاعد بين احداثياتها ، بين هبوط وصعود وبمحصلة تدفع به الى الصعود ، وتقييم مستمر للنتائج لكل حقبة ، وحسبة دقيقة للمعادلات الخارجية الدولية والإقليمية والوطنية الداخلية ، وللعوامل المؤثرة ايجاباً وسلباً وطردياً وعكسياً للحصول على نتيجة برقم موجب في الإتجاه الايجابي نحو الهدف ، وتنمية العوامل الطردية والايجابية وتقليص العوامل العكسية والسلبية التي تؤثر في معادلة خط سيرنا والرسم البياني له. الخط الثاني هو الخط السياسي والدبلوماسي والتفاوضي الذي يحسن استثمار نتائج المقاومة ، ولا يضيع الفرص التي تسنح لنا لتحقيق انجازات موازية على الأرض وتنعكس على مصالح الوطن والشعب ، والإستفادة من القوى التي كانت تساندنا والتي تحولت مواقفها لصالحنا ، وهذا الخط يجب أن يدعمه إعلام هادف يستقطب المزيد من القوى الدولية ويظهر معاناة شعبنا ويركز على وحدتنا الوطنية على هدف مشترك بغض النظر عن اختلاف وجهات نظر أطيافنا السياسية التي تتلاشى أمام مصالحنا العليا.، والتي تصب محصلة مجهوداتها في الدفع بمسيرتنا الى الأمام نحو الهدف الواحد. كيف كان لنا أن نصوغ المعادلة بعد الإنتخابات التي جاءت بحماس الى السلطة؟؟؟ فتح جنحت للسلام وسلكت طريق المفاوضات منذ اتفاق اوسلو تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية بعد نفي المقاومين الفلسطينيين الى تونس وانغلاق المحيط العربي وعدم تحمله عبء وجود منظمة التحرير بفصائلها على أراضيها المحيطة باسرائيل ، وانخرطت معها بقية الفصائل في إطار هذا الإتفاق بالرغم من تحفظاتها عليه ، وعندما أدركت فتح وأيقنت الهروب الإسرائيلي من تنفيذ بنود الإتفاق بعد مقتل رابين استعادت جناح المقاومة بكتائب شهداء الأقصى وظلت محتفظة بخيار المفاوضات الى جانب خيار المقاومة ، وتحملت ادارة شئون الناس في الضفة والقطاع في اطار السلطة الوطنية ، وهنا لا بد من الإشارة الى الإنجازات التنموية التي حققتها السلطة في بداياتها ، من تحسين ظروف العيش للشعب الفلسطيني وتحقيق التنمية الإقتصادية من زراعية وتعليمية وصحية وثقافية وبنية تحتية ، وحدثت أخطاء ادارية ، وهذا دائماً ما يحصل في العادة لكل من يعمل فالإنسان ليس معصوماً من الخطأ ، وتم تكبير هذه الأخطاء الإدارية من إشهار للفساد ، ولكن بالمحصلة كانت النتيجة جيدة وايجابية وكانت تستحق الإشادة ، وهذا ما أخاف اسرائيل وحدا بها الى النكوص على الإتفاق والعمل على تدمير منجزات السلطة استشعاراً منها بخطر هذا الكيان الناشيء بجوارها والمنافس لها على الأرض. فتح عملت وأخطأت ولا نبرؤها من الأخطاء وكان علينا ايجاد العذر لها ومساعدتها وتقويم الضلع المعوج فيها بالحكمة والموعظة الحسنة والإحتواءللمحافظة على الأضلاع المستقيمة في مضلعها الثمانيّ ، وعدم الحكم على الأضلاع السبعة الباقية بالإعوجاج. حماس شاركت بالانتخابات بالرغم من عدم دخولها مظلة منظمة التحرير الفلسطينية وبالرغم من رفضها القاعدة التي تمت بموجبها هذه الإنتخابات وهي قاعدة اتفاق اوسلو وفازت بالإنتخابات ، ونظرت بعينيها الإثنتين الى تولي السلطة وادارة شئون الناس وحرفت بنظرها عن شعار المقاومة وجاهرت بعدم اعترافها بمنجزات اوسلو وبنوده التي اعترفت باسرائيل وهي واجهة الوطن أمام الشعب والمجتمع الدولي وهي واقفة من على منبر اوسلو ، فدخلت في صراع مع العالم موسِّعة الجبهة الفلسطينية بإضافة أعباء عليها تفوق طاقة الشعب ومقدراته الحياتية ، واسرائيل تتحكم في امدادات المياه والكهرباء والغذاء للناس وتتحكم بالمعابر دخولاً وخروجاً ، وتعلم حماس جيداً أن موارد الشعب الفلسطيني تعتمد على معونات الدول المانحة والمؤيدة لاتفاق اوسلو وعلى الضرائب التي تحولها اسرائيل للسلطة وكانت ايراداتها من المتبرعين لها لا تكفي منسوبيها فتركت الشعب في العراء يواجه وحوش الجوع والفقر والعطش وانعدام الأمن وسلاح العدو الفتاك، وهذا تناقض واضح واسقاط لحقائق الوضع القائم أدى الى الحصار الإقتصادي والعزل السياسي للسلطة الوطنية وتقييد حركتها الدبلوماسية وقطع المعونات وعدم تحويل عائدات الضرائب من اسرائيل ، وتعثر الحركة التنموية والتعليمية وأدى الى معاناة الشعب من المجاعة والفقر وانهاكه وانقطاع ارزاقه وبالتالي ضعف طاقاته وأدائه على كل الصّعد الحياتية والواجبات المقاوماتية للإحتلال وتعطيل عجلة قاطرة الحياة الإعتيادية للناس. ووقعت الفتنة وحصل الإقتتال وانتهى بالفصل الجغرافي بين جناحي الوطن وانعكس سلباً على النسيج الاجتماعي للشعب الفلسطيني وتكريس التشرذم حتى بين الناس وانقسامهم بين فتح وحماس. كان يجب توزيع الأدوار لتغطي كل الواجبات الوطنية تجاه الوطن والناس ، كان يجب على حماس أن تختار الواجبات الخدمية للناس لتحارب ما كان يدعى بالفساد ، وتترك للسياسيين الذين بدأوا معركة المفاوضات استكمال خوضها ، وتعترف بالمبادرة العربية كحل للقضية وتحتفظ بخطها المقاوم للحفاظ على مقومات الحياة للشعب للإحتفاظ بمقدرته على الإستمرار في المقاومة بالوسائل التي تناسب المرحلة والتي تقلل الكلفة. حماس اختارت أن تحمل بطيختين بيد واحدة ، بطيخة المقاومة وبطيخة السلطة ، فسقط من يدها البطيختان ، وللأسف تبين الآن أن البطيختين كانتا قرعتين بعد انشطارهما عند السقوط. فلا مقاومة ولا سلطة ، وكان خطأ حماس هنا كبيراً ومسماراً دُقّ في نعش الوحدة الوطنية. ولا جناح من الإعتراف بالخطأ ، فالإعتراف بالخطأ فضيلة وجرأة وثقة بالنفس ، وتقويم الإعوجاج من شيم المسلم الحق ، فقد قوّمت امرأة من اعوجاج الخليفة العادل عمر بن الخطاب واعترف بهذا علناً. فما بالك فينا نحن البشر العاديون الخطاؤون ونعيش على بعد 1500 سنة من الخلفاء الراشدين أعمدة هذا البنيان الإسلامي الشامخ منذ ذاك التاريخ الى يومنا هذا. كان بالإمكان الإحتفاظ بالخيارات المتاحة للشعب الفلسطيني بالحكمة والزهد في السلطة من كلا الطرفين ، بدلاً من وضعه أمام خيار واحد وهو المفاوضات واسقاط خيار المقاومة من كلا الطرفين ، ووضعه في مأزق أمام منعطف خطر مشتت القرار والجهد ومهدور الطاقة البناءة ، منقسم على نفسه ، حائر وتائه في مسيرته. أخيراً كفانا مكابرة وعناداً للنفس كالمراهق الذي يعاند النصح والإرشاد من أهله إثباتاً لإستقلاله وتحرره الجامح في غياب للعقل وانتقاص للحكمة وعدم الرشد والنضج ، بينما هو تابع وقابع تحت مظلة أهله لا يملك مقومات الإستقلال في بيت مستقل ليفرض سلطته عليه ، يدمره طموحه الجامح ، وتعطيل المكابح في مسيرته المتهورة نحو المصير المجهول تتقاذفه الرياح العاتية والعواصف المدمرة ويحلم أحلام العصافير التي بقوتها المتواضعة لا تستطيع تحقيقها. - مفتاح 15/12/2007 - اقرأ المزيد...
بقلم: ريما كتانة نزال
تاريخ النشر: 2018/7/23
بقلم: جهاد حرب
تاريخ النشر: 2018/5/12
بقلم: وكالة معا الاخبارية
تاريخ النشر: 2018/5/2
|