لقد كانت شاشة تلفزيون فلسطين جديرة باسمها, حينما كانت تمثل حالة إجماع وطني واحدة وشرعية موحدة, في عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات, فتعرض مبناها للقصف والتدمير, لأنها بدت منبرا للمقاومة الفلسطينية والممانعة العرفاتية إن صح القول. وحينما كان البث التلفزيوني من غزة قبل انقلاب حزيران الغبي, كانت الشاشة وإلى حد ما؛ معقولة, كونها تسمي الأشياء بأسمائها ما دام التقابل مع العدو, وتقفز عن كل ما من شأنه أن يثير الفتنة أو يعمق الخلافات, فكانت قناة وطنية رغم كل ما سوقه ضدها حينذاك, مراهقو فضائية الأقصى الانقلابية. ولكن الأيام التي تلت الانقلاب, أثبتت أن تلفزيون فلسطين لا يمثل إلا إدارته الفصيحة فقط في المنطقة الخضراء برام الله. وهنا لا ننتقد دور التعرية الذي يقوم به تلفزيون "المقاطعة" لسلوكيات ميليشيات الانقلاب الدموي الأحمق في غزة, ما دام يأتي في سياق المحاججة, بقدر ما ننتقد تقديم خبر سلوكيات ميلشيات البلادة السياسية في القطاع وانتهاكاتها بحق المواطنين, على أخبار القتل والتدمير والقصف المروحي الإسرائيلي بحق سكان قطاع غزة وفصائل العمل المقاوم. ليبدو وكأن النشامى في رام الله قد انزلقوا منزلق خطير في ترتيب منازل الاستعداء, بين عدو أجنبي حقيقي متربص وكامن في كل مكان؛ برا وبحرا وجوا, وآخر يستعدي نأمل جميعا أن يرتد إلى صوابه, ويستفيق من غيبوبة جنونه المؤذي, ما دام من ذوي القربى. نفهم جميعا أن يفتح تلفزيون فلسطين خطوط هواتفه, في موجات مفتوحة تستمر لأكثر من عشر ساعات, للاستماع لآراء المواطنين المنددين بعمليات القتل البشعة في غزة, برصاص ميليشيات الاستعراض الدموي المسلح, ونفهم أيضا أن يتم إعلان الحداد الرسمي على أرواح أبرياء سقطوا دون ذنب, سوى أنهم خرجوا في مسيرات تشييع أو حضروا مهرجان تأبين. ولكننا لا نفهم بأي حال من الأحوال, أن يتغاضى تلفزيون فلسطين, عن فتح موجة مفتوحة لثلاثة عشر شهيدا سقطوا بنيران الاحتلال في غزة, ثاني أيام العيد, ولا نفهم استعصاء القيادة السياسية عن إعلان الحداد الرسمي لثلاثة دقائق, وليس لثلاثة أيام, على أرواح من يقضون نحبهم شهداء في عدوان آليات دولة الاحتلال. وكأن غزة يراد لها أن تكون حقل فئران, للتجارب الدموية السياسية دون أن يبكي عليها أحد, إلا في إطار المتاجرة السياسية. لن نتحدث عن الحصار المفروض على غزة, لأن الحصار ولمن لا يعلم؛ مفروض على كل مواطن غزي في الخارج. ولكننا نتحدث عن القفز عن الالتفات بجدية إعلامية رسمية, للدماء النازفة على يد الاحتلال في القطاع, ليتأكد أن المعركة مع الاحتلال قد صارت ثانوية, وضحاياها باتوا حطبا في نار لا علاقة لأحد بها, من الذين يسبحون بحمد الشرعية آناء الليل وأطراف النهار. ففي غمرة العدوان الإسرائيلي على غزة, وتحول العيد الذي عاد أهلنا هذا العام أصلا, متجردا من ثياب الفرحة والسكينة إلى مأتم, نجد تلفزيون إسراطين يبث برامجه وكأنه قد تحقق الوعد السنغافوري الصادق, بالسلام والرخاء والطمأنينة. بل أني أؤكد أن التلفزيون التركي أو القبرصي على سبيل المثال, قد أعطى للعدوان الإسرائيلي على غزة, مساحة أكبر من تلك التي تفضل بها السيد باسم أبو سمية على شاشة تلفازه المبجل. لم يفكروا بإلغاء مظاهر العيد الكاذبة, على شاشة تلفزيون فلسطين, مع أنها ولدت ملغاة وميتة, بحكم الأمر الواقع الذي يعيشه أهلنا في القطاع. يبثون نوعية من الأغاني غير اللائقة, التي يشعر الشاب الخشن بفقدان جزء من رجولته أثناء مشاهدتها, يغنون للحنطور وغزة تنحب حالها بفعل تخاذلهم منذ البداية, يستمرئون التغابي وما هم بأغبياء, لأنهم يعرفون ما ينبغي فعله, ويتغاضون. بعض مذيعيهم لا يفقه شيئا في الإعلام ولا يعرف كيف يجلس أمام الضيف, وهناك مذيعات لا يحظين بالقليل من اللغة أو العلم أو الحصافة الصحفية. الشريط الإخباري صارا حكرا لبعض المعارف ومحبي الظهور والتعليق, لذلك ترى الله يجازيهم بأن يكون كاتب الشريط لا يجيد الكتابة الإملائية الصحيحة, ليبدو الخبر مصاغا بلغة أهل السفلس. حدثني أحد العاملين فيه, أن تلفزيون فلسطين مليء بالعاهات, فيا لحظ مشاهدي شاشةٍ, انعدمت فيها الكفاءة, وماتت فيها روح المسؤولية, وصارت فيها الوطنية في خبر كان. عظم الله أجرنا في تلفاز كنا نظنه حلقة وصل بين جميع أبناء الوطن, ورحم الله ياسر عرفات, الذي صارت كوفيته كعصا موسى التي لا تظهر إلا في الأزمات. *الكاتب فلسطيني في قبرص. - مفتاح 26/12/2007 - اقرأ المزيد...
بقلم: ريما كتانة نزال
تاريخ النشر: 2018/7/23
بقلم: جهاد حرب
تاريخ النشر: 2018/5/12
بقلم: وكالة معا الاخبارية
تاريخ النشر: 2018/5/2
|