مفتاح
2025 . الأحد 25 ، أيار
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 


علاقتنا، نحن الذين نقيم في الغرب، بما يسمى حرية التعبير تغيرت في السنوات الاخيرة تغيرا جذريا... ربما في اتجاهات و متناقضات بعضها كارثي ... ولازلت مؤمنا بأن للإنسان حريته في التعبير عما يريده كتابة ورسما وفنا بكل الالوان واللغات، وبالرغم من هذا الايمان الذي فيه الكثير من الفوائد وربما أكثرها وأعظمها يكمن في إعمال العقل وفتح الأفق نحو ما هو أوسع من التلقين وقنبلة العقل بما يعتبره البعض في عصر العولمة "الحقيقة الاوحد" وإحتكار كل مكوناتها.. إلا أنني اشعر بارتياب تجاه هذا المصطلح حين صار يتحول الى مبرر او اداة لا تعكس مضمون وهدف هذه الحرية التي يقدسها البعض حد العبادة وتحويلها الى دين يفوق في غيبياته كل الانتقادات التي خطتها اليد البشرية عند حدود الخزعبلات والشعوذات... وقبل الولوج ببعض تفاصيل ارتيابي الخاص، أتساءل عما إذا كان الاحتفاء بأطول يوم في السنة الميلادية كل23حزيران، والمسمى يوم القديس هانس، لا يمكن أن يكتمل دون تلك الصورة الحاطة من قيمة البشر، وتحديدا الانثى، بإشعال الحرائق الكبيرة والصغيرة في الدانمارك وغيرها معتليا ألسنة اللهب شكلا مصنوعا من القماش والقش لأمرأة كانت في العصور الاوربية المظلمة ملعونة ومهرطقة وساحرة ان هي تدخلت فيما لا يعنيها؟

سؤالي بكل تأكيد ليس بريئا بشكل كامل، لقد شاركت مرة واحدة منذ أكثر من 22 سنة باحتفال كهذا كان الاخير حين اكتشفت كم هو مؤلم أن يتناقض الشعار مع الممارسة... إذ من لواحق المنظر، الرومانسي للبعض والنار موقدة، إحتساء أكثر قدر من الجعة ومنظر أطفال يتدربون على كابوسهم الاول ربما... قد يسألني أحد المتشككين بما هي العلاقة بين حرية التعبير وحرق مجسم الأنثى.. الساحرة.. .. إجابتي هي: لاشيئ .. وربما كل شيئ.. ومن المفارقات أن لا ساحر ولا مهرطق حقيقي يجري حرقه كما يفعلون كل حزيران ..

مثلا تحت تعبير "الحفاظ على القيم الدانماركية" أصبحت مسألة حرية التعبير أكبر قليلا من جسم حزب سياسي يميني متطرف فيه خليط من النازيين الجدد ومأزومي الهوية وله تمثيل برلماني فاق ذات يوم تمثيل يورغن هايدر النمساوي الذي جُر من أذنه ليلقى به خارج اللعبة حين تجاوز المحظور في حرية التعبير.. ما دعاني الى التطرق لمسألة يعتبرها اليوم أكثر قدسية من محتواها والهدف من وراءها قاصدا "حرية التعبير" هو أنها تحولت في السنوات الاخيرة الى شماعة أوحبل غسيل يُعلق عليه مجموعة من الافكار والفنون والتصريحات التي في بعضها تنم عن تخلف ظاهر للعيان وفي بعضها الآخر سطحية استشراقية، حتى لو من أقدم عليها عربيا او بلغة عربية، بمعنى آخر ما علاقة إنشغال رئيس وزراء مملكة الدانمارك بتسمية دبا باسم محمد او بيتر او يسوع؟ الجواب ليس معقدا: إنها السياسة والمصالح وغيرها..

القضية التي انشغلت من خلالها الاوساط السودانية مع مدرسة بريطانية الجنسية تقيم بين هؤلاء الناس وتدرس اطفالهم والتي قامت بما قامت به من تسمية لعبتها الدب، حتى لا يفهم وكأنها تملك دبا حقيقيا، تلك التسمية دفعت السيد راسموسن وهو رئيس وزراء مملكة الدانمارك وليس المملكة المتحدة الى إدخال نفسه في القضية وحث الناس من خلال وسائل الاعلام على تسمية الالعاب او الحيوانات الأليفة بما يرغبون من أسماء، جاء هذا مجاراة لليمين المتطرف المتحالف معه، ربما... إلى هذا الحد يبدو الأمر منطقيا، لكن الغريب في سطحية "حرية التعبير" ،التي كما قلنا تعتبر خطا أحمرا لدى هؤلاء الذين أطلقوا الشعار عقب قضية الرسوم الكاريكاتورية التي اشتهرت بها الدانمارك، هو الجهل بالشعار نفسه الذي يتملك بعض المشتغلين في السياسة والفكر في عالمنا العربي والغربي .. فعلى سبيل المثال هناك مسلمات وغيبيات تصل حد التناقض وحرية التعبير اياها.. دعوني أعطي مثلا صارخا على القضية الجدلية التي يصل أصحابها الى المحاكم والتجريم وهي التي يُخلط فيها عن قصد التنديد بالممارسات الاسرائيلية والاتهام الذي يتلو ذلك بمعاداة السامية.. بل يقيد الفكر الحر الذي يدعيه اصحاب نظرية حرية التعبير من المسألة الممنوع مناقشتها، وهي على فكرة ليست واحدة، كمناقشة روجيه غارودي للاساطير الصهيونية واستخدام ما اقترفته النازية كمبرر للخروج على القانون الدولي والتسامح الغربي في معظمه مع تلك الخروقات.. حين كنت شخصيا أحتج لدى التلفزيون الدانماركي عن عدم بثه صور المجازر التي يرتكبها الاحتلال كان الجواب دوما "حفاظا على مشاعر المشاهد".. على العكس تماما كان الأمر وما زال يجري لو خُدش صهيونيا لما ترددوا في تغطية اعلامية لكل التفاصيل حتى مدخل طوارئ المشافي و لقدموا سيرة ذاتية عنه او عنها وكم كانت لطيفة رغم انهم مستعمرون لاراضي الغير...

لم تسلم كاتبة دانماركية كتبت كتابا عن العائلة المالكة وحياة ولي العهد التعيسة وابداءه عدم الرغبة بأن يصبح الملك بعد والدته مارغريتا.. في البلد الذي يحشر رئيس وزراءه أنفه حيثما شاء بوش قامت الدنيا ولم تقعد على تلك الكاتبة التي اتهمتها رسائل الكترونية وصلت حتى من كندا بالخيانة والعار.. وتعامل الاعلام معها تعاملا فظا غير مصدق لمصادرها.. كاتب هذه السطور يتحدى من هو مطلع على الحياة الادبية الدانماركية وغيرها أن يخبرنا كيف تم التعامل بداية مع الاديب الدانماركي الابرز هانس كريستيان أندرسن والفيلسوف كيركاغورد وابسن النرويجي الذي هجر بلاده المحافظة بالقدر الكافي للمحافظة الدانماركية كما وصفها لينين حين تسنى له القامة القصيرة قبل الثورة البلشفية في كوبنهاغن بأنها محافظة من النوع الذي يصعب تغييره..

لا يجب أن يُفهم من كلامي أني أدافع عن لا حرية التعبير، بل على العكس من ذلك قام بعض زملائي الدانماركيين في الثمانينات ونحن على مقاعد الدراسة بأن كتبوا في كتيب نهاية الاعوام الثانوية: " يتمنى ناصر لو أزيحت الخطوط البيضاء من العلم الدانماركي وبقي بلون واحد هو الاحمر"! ولحسن حظي لم يذكر اصدقائي الخطوط على أنها ا"الصليب" لكانت اشارة غير طيبة وإن بدا للناظر عن بعد الى حرية التعبير الغربية كمفهوم مطلق بدون حواجز او حدود... وصحيح أيضا أنه هناك من يريد إلغاء الحكم الملكي في المملكة الدانماركية وجعل البلد جمهورية أو مجرد دولة .. لكن ليس معنى قول الموقف من العائلة الحاكمة وامتيازاتها المالية على حساب دافع الضريبة يمكن أن يكون عاديا بدون أن يجد صاحبه نفسه متهما اما بالتطرف الايديولوجي أو ربما اعتباره مختل عقليا..

والحدود تماما هي التي تفصل بين حرية التعبير التي تطلقها السلطات الحاكمة للمواطن بأن يملك تلك الحرية ولكن للتعبير عما تريده هي او تضع خطوطه حسب اجواء المصالح وبين جوهر حرية التعبير المسؤول الذي لا يجيش شعوبا وقبائل في مسار يعاكس الاخر لأنه فقط "الغريب" او المختلف معنا..

ما نحن بصدده قضية مقدسة بلاشك( أعني حق التعبير والرأي)، لكنها تعاني من إحتكار فاضح لمصلحة تسييسها وخلق حالة هلامية ووهمية منها... بالمطلق تعتبر الشخصية العربية في صناعة افلام الغرب، وعلى رأسه الأمريكي، هي الشخصية التي تمثل الشر المطلق ولا حاجة لي بالدخول في تفاصيل الاهداف من وراء صناعة تلك الشخصية.. وهو أمر سبق تسعينات والفية المواجهة التي بشر بها كل من فوكوياما حول نهاية التاريخ وهنينغتون حول صراع الحضارات التي كانت دفعة قوية لكل التطرف اليميني والمحافظ الجديد، حاجتي من المقاربة هذه تكمن في المحاججة التي يسوقها المدافعين عن تصوير شعوبا وقوميات بعينها بتلك الصورة إستنادا الى ذات التعبير المتضمن لحرية التعبير...

مجموعة القيم الغربية التي يراد للآخرين من غير الغربيين إعادة اجترارها لا تتم بمعزل عن محاكاة ذات التعبير في التناول الاعلامي الغربي لقضايا العالم "الثالث" فمن أين يأتي بعض الكتاب العرب موجهين كلامهم للغرب بأن غطاء الرأس " يقمع الذكاء والتفكير".. هل جرى بحث علمي حول الأمر لنخلص الى تلك النتيجة.. عداك عن رأئي الشخصي في مسألة الحجاب، لا زالت بعض النسوة في اوربا الشرقية وفي مدينة أودنسة الدانماركية يضعن غطاءا للرأس.. فهل الراهبات أقل ذكاءا من متفذلك ومتسلق ومادح لبوش او أي نظام حكم باسم الثقافة والمعرفة؟ .. في مثل هذه الحالات لا مشكلة في القيم الغربية أن يجير الاعلام ليكون كاذبا في خدمة اهداف السياسي.. والعسكري.. وفي القيم ذاتها ابدا لا مشكلة أن يُختطف رجل عربي لسنوات على الخطوط الجوية للسي أي ايه.. وحين يرى النور يجري تكميم فمه وتكذيبه (أحيلك الى قضية المصري من المانيا من بين الحالات السرية والعلنية الاخرى).. وبشكل أقل بساطة تجد أن واحدة من قضايا حرية التعبير المقدسة والمقبولة حتى بعد افتضاح الشخصية هي الشهادات التي يكون أصحابها من مجتمعات محددة.. الان العربية والاسلامية.. وقبل ذلك كان السوفييتة والكتلة الشرقية... بعض العرب ممن يرعبهم المفهوم تجدهم في المجتمعات الغربية يذهبون إلى الفخ الذي يُعده صناع اعلام حرية التعبير خدمة لحركات واحزاب سياسية معينة، إذ فجأة تغيب الحجة وتبرز العروق في هتافات وشعارات وتهديدات لفظية جوفاء ليصار وبخبث شديد الى الاشارة نحو هؤلاء تحت حجة أنهم لا يقيمون وزنا لحرية التعبير والرأي.. دوما مطلوب من الضحية أن تكون مهذبة وصامتة على أفعال الجلاد.. محتلا كان أم ديكتاتوريا يسير ومصالح الغرب ( السياسي والاقتصادي).. ففي عالم الازدواجية الفاضحة تصبح مسألة التوكيد على حق العراقيين في مقاومة الاحتلال تهمة فظيعة تحت مسمى مكافحة الارهاب "تحريضا على العنف والقتل"( حدث ذلك لمرشحة فلسطينية في الانتخابات البرلمانية الدانماركية لانها اكدت على حق العراقيين بمحاربة المحتل حتى لو كان دانماركيا) دون وازع لما يقوم به قتلة ومرتزقة في العراق المحتل حتى وفق تصنيف الامم المتحدة.. قس على ذلك قتل الجنود الصهاينة لراشيل كوري في رفح لأنها وقفت هي ومجموعة من الغربيين ضد هدم المنازل وتجريف الارض الفلسطينية.. فهؤلاء المسالمون الذين وقفوا بوجه الجرافة والدبابة اعتبرتهم الماكينة المتصهينة "داعمي الارهاب".. بينما أسخف متعامل مع الاحتلالين الصهيوني والاميركي يُدافع عنه كبطل مدافع عن الحرية.. فلو زكمت الانوف من عمالة الجلبي في الغزو و بانت الاكاذيب التي ساقها العملاء فإن شيئا لم يحرك قضائيا ضد هؤلاء الكذبة الذين دمروا بلدهم وشعبهم باسم حرية الرأي والتعبير.. فتخيل طالب لجوء سياسي يقدم رواية عن الرئيس العراقي الراحل صدام حسين على أنها حدثت معه وقس على ذلك آلاف الحالات التي قدمت باسم حرية التعبير شهادات كاذبة استغلتها المخابرات الدولية لاعداد العدة لغزو بلدهم.. فقط للحصول على اللجوء ..

لا أتحدث هنا عن مثالية غربية كافح لتثبيتها مفكرون وفلاسفة بعد أن كانت للكنسية والبابا سلطة مطلقة كالحكم على امرأة بالحرق بحجة الهرطقة.. أبدا.. ما أناقشه هو الاستغلال البشع والجشع لمفهوم حرية التعبير الذي يستخدمه السياسي والاعلامي الغربي سلاحا من أسلحة إخضاع تتعدد وجوهها واهدافها.. فمن حرية التعبير في الغرب أن يقال كذبا وتزويرا بأن التغير المناخي والتلوث الذي أصاب الكرة الارضية سببه "العالم الثالث".. بينما كل الحقائق والدراسات العلمية تشير الى عكس ذلك كمساهمة الولايات المتحدة وحدها بمجموع ما ينتج عن ثاني اوكسيد الكربون في صناعات العالم النامي.. ربما ان هذه الخدعة لم تعد تنطلي على الكثيرين حتى بمن فيهم الغربيون.. لكن أن تهيج المشاعر العنصرية والفوقية الاستعلائية ضد المهاجرين وتخصيص مراكز رصد الحالات الجنائية عند ابناء هؤلاء دونا عن بقية المجتمع فإن حرية التعبير هنا تصبح من الامور العسيرة على الفهم عند هؤلاء الذين تصيبهم بالذعر التصريحات والتشديدات التي يقوم بها المجتمع الاوربي ( دول الاتحاد) ضد الاقليات كاطلاق التحذيرات بأن بضعة عشرات من الالاف يشكلون خطرا على القيم الغربية أو السماح لأحزاب التطرف اليميني أن تنشر دعاية قذرة مدفوعة الاجر في كبريات الصحف لتضخيم ذلك الخطر المتخيل تحت بند حرية التعبير.. وغيرها من الامور التي لا مجال لذكر كل تفاصيلها تجعلنا ننظر بعين ناقدة لذلك المفهوم الذي لا قيد اخلاقي او قانوني عليه.. من الجدير التذكير بما خرج علينا به مركز اسلامي في الغرب حيث شبه حالة المهاجرين اليوم بحالة اليهود قبل عصر النازية.. فهل لعب دور الضحية كاف في حالة وُلد فيها أجيال من أصول مهاجرة لتعميم السلبية والاستسلام لقدر التطرف والجهل والمتقصد خلق هذه الحالة؟

من العجيب أن "المحلل والخبير" الغربي وتحت يافطة حرية التعبير عن الرأي يقدم تشويها لحقيقة ختان الاناث على أنها اسلامية بينما بقي الاثنوغرافيين العرب والغربيين صامتين لسنوات طويلة قبل أن يوضحوا المسألة التي ما تزال محل التباس لأن الانطباع الاول يأخذ مكان الاخير..

إلى جانب أن ذلك "المحلل والخبير الاستراتيجي" الغربي يقوم بتقديم شخبطات وخزعبلات عن أوضاع البلاد العربية والدخول باسم "الخبرة" في تفاصيل تسطيحية استشراقية للواقع العربي والمهاجر، فإننا لا نجد من الخبراء العرب من يتداخل لا شفويا ولا كتابة عن حق أهل الباسك مثلا في حق تقرير المصير ولا غيرها من الشعوب الاصلية في أوربا الغربية.. من غرينلاند حتى كورسيكا.. بينما ينشغل هؤلاء بنبش وبحث تحت الحجارة عما يشرعن تقسيم المنطقة العربية تقسيمات ارتدادية الى القبلية والمذهبية..

إذا كانت مأخذ أحزاب التطرف اليميني على المهاجرين ودولهم التي هاجروا منها تذهب أبعد من مجرد نقد لسلبيات لا يمكن انكارها فإننا وبلا شك أمام حالة تعميمية وعنصرية بامتياز تحت طائل حرية التعبير... والوجه الخطير أن بعض الحكومات الغربية ولأجل كسب أصوات اليمين تذهب إلى محاكاة شعاراتهم بوعود تشديدية بالقوانين التي تخص فقط فئة من المواطنيين من اثنيات اخرى.. وفي هذا الاتجاه دعوني أقدم مثلين على ازدواجية المعايير بشأن حرية التعبير: مما لا شك فيه أن أية صورة تعبر عن غضب- بالمفهوم الغربي عنف- أو أي كاريكاتور ينتقد اسرائيل او اميركا منشور في صحف عربية يتحول فجأة من حرية تعبير إلى تحريض على العنف.. وليس عندي أوهام أن صحافتنا المكتوبة والمرئية تحت المجهر او الرقيب الغربي غير الرقيب المحلي.. في المثل الاخر على نفاق التعبير عن الرأي قيام بعض دول الاتحاد الاوربي بانتقاد دولة الاحتلال الصهيونية على تشديدها العنصري لزواج فلسطيني من فلسطينية يقيم أحدهما داخل الخط الاخضر.. كذا الأمر بالنسبة لعدم السماح بالزيارات بين الاهالي.. وللعلم فقط، حين يريد شاب أو شابة من بلاد العرب القيام بزيارة بعض الاقارب في الغرب، ولنأخذ الدانمارك مثلا على ذلك، فلن تجد اختلافا بين ممارسات اسرائيل التي ينتقدوها وممارساتهم هم في منح تأشيرة زيارة.. وقد يستغرب بعض شباب العرب كيف أن السائح الغربي الشاب يدخل ويحصل على التأشيرة في المطار العربي.. وما رأيكم بقانون صاغه اليمين المتطرف في الدانمارك وتبنته الحكومة يتطلب من الذي يريد الزواج من بلد خارج الاتحاد الاوربي أن يكون عمره أو عمرها 24 عاما وأن يضع كفالة 9 الاف دولار في البنك وأن يقدم الشخص اثباتات على انه قادر على اعالة الزوج!

نعم الفكرة جاءت من "حرية التعبير" ضد تصرفات جاهلة قام بها بعض الافراد واشدد على بعض.. بارغام ابنائهم على الزواج من أشخاص معينيين.. فنصب اليمين المتطرف بحجة التعبير عن الرأي نفسه وصيا على الشابات والشباب فاستصدر لهم التشريع المذكور... بينما حقيقة الأمر أن هذا اليمين الذي يجيد استخدام حرية التعبير لا يريد ولا مهاجرا واحدا في بلده.. تماما على طريقة الدولة الصهيونية التي ترغب ان تكون يهودية نقية تستورد مواطنيين من أين ما كان حفاظا على مستقبلها القائم على نفي وجود شعب فلسطيني والتضييق عليه ليرحل عن ارضه وبث كذبة بيع الفلسطينيين لارضهم والتي يرددها جهلة ومتخلفون عرب دون أن نفهم كيف لمن باع ارضه وحصل على المال أن يعيش تحت الواح الزينكو بدل الفيلات الفخمة والتعتير والاذلال على الحدود العربية؟.. فهؤلاء الذين يرددون الكلام الصهيوني الاجوف يتصرفون وفق تصرف العاهرات اللاتي يرغبن أن تكون كل النسوة مثلهن.. فمن يسهل عليه بلده ووطنه يعتقد أن الكل مثله.. بل ولشدة العجز والافلاس امام مقاومة 60 عاما لاحتلال احلالي يردد البعض تلك الاسطوانة على طريقة" يستحقون.. ويهتفون في الواقع لكل المجازر الصهيونية" ربما لاختلاف احدهم مع فلسطيني اختلافا شخصيا ينطلق منه للتعميم الذي يقع في مطباته أكثر العرب... القضية ليست محصورة في قول رأي خاطئ بل في سماح وسائل اعلام في الزمن الاميركي بترديد اساطير الكذب دون وازع اخلاقي او ديني..

اخيرا دعوني أعقب على المسألة: لا يعني لأي عاقل أن لا يقف مع حرية البشر مهما كان لون بشرتهم او عرقهم او دينهم أو قوميتهم ... وإذا كان البعض يأخذ علي أنني لم أكتب كثيرا عن الحالة العربية، على الاقل بعضها، في ممارسة ابشع الممارسات المقيدة للحريات بما فيها التعبير والرأي وممارسة الحقوق في مواطنة منقوصة والانتقال البيني العربي والنظرة المتشككة للانسان العربي الراغب في زيارة هذا البلد العربي او ذاك فهو لا يعني تبرير تلك الممارسات بقدر تركيزي على بعض الحالة الغربية والامثلة العربية والشرقية التي تنفذ اصلا من نوافذ مصائبنا...

وعن الحالة العربية لابد أن لكلامنا بقية أوسع لكن ليست على طريقة جلد الذات التي يمارسها هؤلاء الكتبة الذين يفهمون شيئا واحدا من حرية التعبير... البصق بوجه ذاتهم كأقصر الطرق نحو شهرة قصيرة ومخجلة! - مفتاح 26/12/2007 -

 
 
اقرأ المزيد...
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required