فمن يعجبه السوق يتسوّق، أو يُقيم بسطته فيه إن أراد، ومن لا يعجبه، يظل خارج الإطار السلطوي. وقلنا وقتها، إن الحديث يتركز علي الجواب انتخابياً، عن سؤال يتعلق بمن يقود الحافلة، بينما نتناسي ضرورة الجواب عن سؤال أهم، وهو الي أين سيتجه السائق بهذه الحافلة؟ الي طريق طبيعي، أم الي شفير هاوية، أم الي منعرجات معاكسة؟ لم يكن تناسي السؤال الأهم، عفوياً، أو بحكم ناموس النسيان. فقد كان التناسي من مقتضيات غرفة العمليات المعقمّة، التي أدخلونا اليها، فدخلناها كالبلُهاء: يريدون حماس أن تكون، وأن تفوز، ليرتسم أحد سيناريوهين، كلاهما يخدمان المخطط المرسوم: إما أن تظل هذه الحركة الإسلاموية، متشددة حيال العملية السياسية، فتتكرس مقولة عدم وجود الشريك (وإن لم تصدقوا إسألوه) فيتوافر الزمن المطلوب للكف عن الكلام، ولتعطل السياسة، ولاستكمال الجدار والاستيطان؛ وإما أن تتحول حماس الي حركة سياسية واقعية، فيتحقق الاختراق للجدار الأيديولوجي العربي، بوضع توقيع دُرة الحلقات الإخوانية العربية، علي وثيقة حق إسرائيل في الوجود. فالتوقيعات الممهورة عربياً، حتي الآن، ليست توقيعات أيديولوجيين، وإنما هي توقيعات عابري سبيل، في السياق التاريخي. ويصعب أن نضع جواباً حاسما لسؤال افتراضي: هل كانت حماس تعلم، أن الأمور لن تكون إلا في إطار هذين السيناريوهين، وبالتالي كان خيارها المُضمر، التشدد حيال العملية السلمية، حتي وإن أضر ذلك بالوضع الفلسطيني علي الأرض. وواضح أنه كان هناك اعتقاد (أحمق في هذه الحال) بأن في الإمكان ممارسة التشدد التام حيال العملية السلمية، وفي الوقت نفسه الاستمرار في إدارة حياة مجتمع، تتقاطع كل تفصيلات أوقاته، مع واقع الاحتلال. ولعل حماس توهمت أن كل مفاصل الواقع الاحتلالي يمكن أن تنثني وأن تتراجع، احتراماً للخيار الانتخابي للرازحين تحت نير المحتلين؟! حركة الجهاد الإسلامي، لم تقبض ممن تناسوا تناسيهم، ووضعت بسطتها خارج الإطار السلطوي، لأنها تعلم يقيناً، بأن الأمور تجري في نطاق سيناريوهين. أما الرئيس محمود عباس، فيبدو أنه راهن علي السيناريو الثاني، وهو أن تجد حماس نفسها في مربع الواقعية، فبالغ في تفسيرات متفائلة لابتسامات قادة حماس ورموزها، ولكلامهم الحميم في الجلسات، وأظهر في اللحظات الأولي، التي أعقبت الانتخابات، حياداً سويسرياً، إزاء الخارطة الفصائلية والحزبية، وأعطي للفائزين الفرصة لتفعيل فوزهم سياسياً، متفائلاً بأن ينطلق هو في العملية السلمية، بالكل الفلسطيني تقريباً، دونما تعهدات في يده، بأن تسير الأمور وفق قوانين السوق واشتراطاتها! قيادة حركة فتح من جهتها، تراخت ـ كدأبها ـ عن كل ما من شأنه تنجير الخوازيق لها ولقاعدتها العريضة. ففي أواخر أيام التشريعي السابق، انحنت أمام رغبة نوابها، في تحديد صلاحيات الرئيس، في القانون الأساسي، لكي لا يستطيع حل التشريعي مثلما تقتضي ضرورات وطنية في كل بلد، في بعض الأحيان. وانحنت كذلك أمام رغبة هؤلاء النواب، في إعادة انتاج مقاعدهم، مستأنسين ببيئاتهم العائلية والاجتماعية، وبالتالي وافقوا بالكاد، علي أن يكون انتخاب نصف المقاعد نسبياً، رافضين فكرة أن يعطي الناخب الفلسطيني صوته، لعنوان سياسي ولبرنامج، وليس لابن المنطقة ولـ عظم الرقبة ! كذلك، ففي الأيام الأخيرة، قبل الانتخابات، وضعت قيادة فتح قائمتها، للنصف النسبي، وللدوائر، بغير معايير تدل علي وجود رغبة حقيقية وطاغية، في التغيير للأفضل، ولم تُجرِ الحركة أية سيرورة ديمقراطية لحسم خياراتها، وأرادت أن يلتزم الجميع بما وضعته، ومن لم يلتزم، فإن مشكلته ما تزال قائمة حتي الآن، بل إن من لم يلتزموا، تحملوا وزر الإخفاق، في تبرئة ضمنية، لكل المسؤولين عن الحيثيات التي سبقت العملية الانتخابية. وليس هذا، هو مقام الاستفاضة في الحديث عن مرتكزات وآليات هذا المنطق. كلما بدت جلية، عدمية العملية السلمية، تزداد فرص اقتراب فتح و حماس من الحوار. وهذا أمر طبيعي، فعندما تخصم من الحساب، جزءاً كبيراً، من خارطتك السياسية الداخلية، وتُرجئ حسم مسألة وحدة المجتمع وسلمه الأهلي، والوحدة التمامية للأراضي، لكي تحقق اختراقاً في المسعي السياسي لنيل الحقوق؛ ربما نعتبرك مضطراً، وربما يكون موقفك مفهوماً، سيما وأن أسباب الخصم من الحساب، بدأت أصلاً بالانقلاب الأسود الدامي. أما إن خصمت هذا الجزء الكبير، دونما اختراق سياسي علي طريق التسوية، بل وحصدت نتائج عكسية تُعيد أمورك الي الوراء، بسبب عناد الاحتلال العنصري الفاشي؛ فما عليك إلا التعجيل في وحدة الشعب والأرض، لكي لا نخسر أنفسنا بين شقي المعادلة، أي التشدد العدمي والعملية السلمية العدمية. وعند التعجيل في الحوار، لا بد من مستلزمات لبدئه، ليس من حق أحد الطرفين أن يسميها شروطاً: التراجع الميداني عن نتائج الانقلاب ومظاهره وممارساته، ووضع قائمة بضحايا الصراع، مع ملف لكل إسم، لمحاكمة كل قاتل، بالتدرج الكرونولوجي للأحداث، بحيث يعلم الجميع ـ من بين ما يعلمون ـ من هم المسؤولون عن القتل الإجرامي وعن التعذيب، ومن هم الذين بطشوا ويبطشون بأهل وطنهم، ثم تكون للقضاء كلمته، علي الطرفين معاً، لكي لا تتجه الأمور فيما بعد، الي ثأرات عائلية تمزق نسيج المجتمع، وتعصف بوئامه الاجتماعي، الي عقود مقبلة. فضلاً عن ذلك، ينبغي أن يتحول القبول المعلن، من جانب حماس لدولة في الضفة وغزة وعاصمتها القدس، مع التمسك بحقوق اللاجئين؛ الي مفردات سياسية، معناها الحصري، أن دخول سوق السلطة، يحتم الالتزام بقوانينها، وبالاتفاقات التي نرغب في أن يكون الطرف الاحتلالي وحده، مسؤولاً عن النكوص بها، وهذه حاجة سياسية فلسطينية ملحة. بدون ذلك، لا قيمة ولا نتيجة، لأي حوار، وسنظل عرضة للاختراق، إما من ثقوب عملية سلمية عدميّة، أو ثقوب تشدد عدمي. في الأولي يتعمد المحتل إضعاف فريق العملية السلمية ومسخرته، ويغوص بالسكين في بطننا، وفي الثانية يكون تأجيج التشدد بتغذية أسبابه، لكي يُصار الي التدخل اليومي بالنار، والولوغ في دمنا علي مدار الساعة، فيتفرج من ينجو من الناس في وطننا، علي مشاهد يومية مروعة، أو يشارك في جنازات حاشدة، أو حتي يذهب بنفسه، الي ثلاجات الموتي في المشافي، ليري جثامين الشهداء ممدة في الأدراج، فلا يجد ما يفعله سوي إطلاق صرخة الجريح: حسبي الله ونعم الوكيل علي الصهاينة ومن والاهم . وتكون الترجمة الفورية الضمنية، للمقصودين بتعبير مَن والاهم في آذان السامعين، كل من يتفاوض أو يتحادث سياسياً، أو حتي يقوم بالتنسيق لنقل الجريح الي مستشفي خارج غزة. فالمحتلون هم صانعو هستيريا التشدد، من جهة، وبلاهة التفاؤل، من الجهة الأخري، لكي تظل الأمواج تتقاذف قضيتنا الرصينة العادلة، فتضيع! - القدس العربي 7/1/2008 - اقرأ المزيد...
بقلم: ريما كتانة نزال
تاريخ النشر: 2018/7/23
بقلم: جهاد حرب
تاريخ النشر: 2018/5/12
بقلم: وكالة معا الاخبارية
تاريخ النشر: 2018/5/2
|