لا أشك ولا لدقيقة واحدة في أن بوش، الذي أضحى واحدا من أكثر الرؤساء الأميركيين الأكثر صبيانية وعنجهية ومزاجية، يندفع مع اقتراب خروجه من البيت الأبيض نحو المزيد من التطرف اللفظي العاجز عن أن يقنعنا بأنه يتمتع بأقل القليل من التزامه العملي بمصالح بلده وحصر المسألة في رؤية اليمين المتصهين الذي بات مرعوبا من خروج بوش دون تحقيق الأهداف المرجوة في منطقتنا التي تتعامل فيها السياسات العربية الرسمية في بعض أوجهها تعامل ممالك الطوائف المشتتة الأهداف والمواقف باستثناء التحريض والتحالف مع بوش وغيره من الذين عادوا ويعادون بشكل عملي المصالح العربية الجماعية والفردية لكل نظام بطريقة تذكرني بمسلسل دريد لحام «الدغري» الذي يملك ملفات جاهزة يستخرجها من مكتبه في حملاته الدعائية متى أراد لتلك الممالك أن تسير وفق أهوائه.. من جهة ثانية لا يمكن لتعبير بوش عن «نفاد صبره» تجاه سياسات معينة في عالمنا العربي، وإن كان نصيب سورية من هذا التعبير هو الأكثر افتضاحا في سياسة النفاق والازدواجية، أن يكون منعزلا عن حالة الإحباط العامة التي أصيبت بها السياسة الخارجية الأميركية في المنطقة باستثناء المضي في دعم السياسات الصهيونية التي أفقدت وتُفقد السياسات الأميركية أي مصداقية لدى الرأي العام العربي مهما كانت خطاباتها اللفظية إيجابية وهو ما يزيد من حالة الإحباط والانجرار نحو تصريحات لا تختلف كثيراً عن عنتريات بعض النظم الرسمية العربية.. زعماء ممالك الطوائف العرب ظلوا ولسنوات طويلة يخادعون أنفسهم بشأن تلك السياسات الأميركية المستهترة تماما بكل حق عربي مهما بدا هذا الحق واضحاً لدول غربية أخرى مضطرة لمسايرة بوش أحياناً ومنصاعة في أحيان أخرى لكذبة «النزاهة والحيادية» التي تتعامل بها واشنطن مع العرب أنفسهم والرأي العام الغربي المتفهم لهذا الحق.. وهؤلاء الذين يخدعون أنفسهم ويقبلون بإهانة العقل العربي لم يعد لصبرهم حدود إلا مع المواطن السائل عن المغزى من هذا الصمت الممارس تجاه كل الدمار والقتل الذي تدعمه واشنطن في الأراضي العربية المحتلة.. بل الأنكى من ذلك صمت السياسات الرسمية عن تهويد القدس وجلها سياسات تدعي حرصها على القدس بل الساهرة على استمرار عروبتها بذات الوقت الذي لا يجرؤ فيه هؤلاء على استثمار واحد لإنقاذ عروبة القدس وكأنهم سلموا بما أرادت لهم واشنطن أن يسلموا به.. هذا الموقف لا علاقة للعاطفة به ولا اللاعقلانية ولا حتى انعدام الواقعية.. فكل تلك التهم التي بات زعماء ممالك الطوائف العرب يرمون بها كل من يعارض سياسات الانحناء أمام سياسة واشنطن وعنجهيتها باعتبارهم متطرفين ومتشددين وهو قبول مبطن للتصنيف الأميركي لمسميات الاعتدال من عدمه.. تهم ممجوجة لا تحمل مصداقية واحدة عند وضعها على المحك.. وكأن الإنسان العربي المتهم بالتطرف صار في سياسة هؤلاء عبارة عن خلطة عجيبة من متطرفين إسلاميين وقوميين.. والتهمتان سخيفتان إلى أبعد الحدود حينما تصير تهمة الانتماء إلى العروبة تقود أصحابها عنوة إلى موقف من التناقض الهامشي مع مرددي تلك التهم بشكل ببغاوي خلف جوقة اليمين المتطرف في الإدارة الأميركية.. بمعنى أصح، انتفاء حدود الصبر العربي يخلق كل هذا الاستخفاف الأميركي الكاذب والمرعوب من الشعب العربي وإلا لما رأينا كل هذا التركيز لخلق عقل عربي لا يحمل طعماً ولا لوناً ولا موقفاً.. بعض من غضب بوش المأزوم في العراق وتوقف مشاريع اليمين الصهيوني- الأميركي والعربي، المسمي نفسه ليبرالياً ويا للمفارقة في تحالف هذا العربي المدعي الليبرالية مع بوش الغارق في رذائل أهمها الكذب والاختلافات الفارغة للعدوان على سيادة الدول وشعوبها والمنتقد بشدة من مثقفي الغرب المدركين لأهداف هذا اليمين، تدفعه عصبيته وأزمته تارة تجاه دولة مثل سورية وتارة ضد شعوب المنطقة على يد حفنة من رجال الدعاية من أساتذة جامعات ومروجين لفكر هذا اليمين المتطرف.. يخيل للمتابع لمواقف بوش بأن لبنان صار ولاية من ولايات البيت الأبيض وهو لا يتردد في الطلب من سفارته ومندوبي الخارجية في التدخل في كل شأن صغير وكبير في هذا البلد لإنتاج سياسة معينة ومحددة لإثبات بعض النجاح في صورة الإخفاقات التي لوثت صورة أميركا في المنطقة عموما.. ومن منا لا يذكر الخطاب الرسمي المكرر حول حيادية الموقف الأميركي وتأييده حل المشاكل والصراعات بين الأطراف؟ ذلك الموقف لا ينطبق إلا على حالة دعم الدولة الصهيونية كسياسة تعجيزية للطرف الفلسطيني والعربي المطالب باستعادة حقوقه المغتصبة.. وهو موقف لا ينطبق أبدا على عدم التدخل في سيادة الدول العربية ولا في احترام الرأي العربي ولا في الموقف من خروقات تتم في وضح النهار للقانون والقرارات الدولية في ممارسة الدولة الصهيونية. بكل بساطة بوش وغيره من الذين يورثون العالم، الذي يودع عاماً جديداً من أعوام الفشل الذريع في العراق لتحويله كما أرادوا نموذجاً لمفهوم «التحرير والحرية»، المزيد من الأزمات للتغطية على الإخفاقات يصرون أمام المشهد العربي المسطح لمشاكله وإفرازاتها الإقليمية والداخلية على سياسات الهروب نحو الأمام والمزيد من الغباء والاستغباء بإطلاق مثل تلك التصريحات العنترية التي أقلع الكثير من العرب عنها بعد أن بانت الوجهة والمعسكر الذي يتخندقون فيه.. يستطيع سيد البيت الأبيض الآتي إلينا في كانون الثاني إطلاق ما يريده من تلك التصريحات العنترية من جهة وبث خطاب متفائل كاذب بشأن الحقوق العربية وتحديدا خطابه المتكرر عن «رؤيته» السحرية لحل «الدولتين» وضخ المال الأمني لخداع الشعب الفلسطيني وتأليب الحالة العربية على بعضها.. وإلا فليخبرنا بعض «الليبراليين» العاملين في معسكر بوش التبشيري الدعائي عن معنى الانتقائية في سياسة البيت الأبيض.. وما علاقة بوش القادم إلى المنطقة بانعقاد القمة العربية وبنتائجها ومقدماتها التي يسوقها نيابة عنا جميعاً مع نظرة دونية إلى الكل العربي وكأن هذا الكل لا يزال يحبو ويعيش في ظل «انتدابات» لا تختلف عن العقلية الاستعمارية إلا في الأدوات... العلاقة باختصار شديد، وأنا أتحمل شخصيا مسؤولية استنتاجي هذا، أن الوضع العربي وبكل صراحة يُصنع على خلفية مشهد ممالك الطوائف الأندلسية بالاحتماء بالمواقف الغربية ضد الذات العربية التي أصبحت عند أدعياء العروبة تهمة أن تكون عربيا في زمن الإسفاف الذي يسمح بانتهاك صارخ لسيادة وقرار البعض العربي بحجج ما عادت تنطلي على أحد بعد أن بانت ووضحت أهداف بوش ومعسكره المتصهين.. فلو كان هناك احترام بسيط لعقل الإنسان العربي، بما فيه المصنف «اعتدالا» فليثبت لنا هؤلاء ولو بالسماح بتظاهرة واحدة ترحب ببوش كما تفعل كل شعوب أميركا الجنوبية واللاتينية والكورية والأوروبية.. ببساطة شديدة لن يجد هؤلاء الجرأة على السماح للشعوب للخروج بوجه بوش لتقول له اقل مما تقوله شعوب أوروبية تحمل صورته المكتوب تحتها «مطلوب للعدالة.. مجرم حرب».. استثناء ربما يُقابل بوش كما قوبل وزير الخارجية الأسبق في رام الله.. لكنني غير متأكد مما إذا كانت عقلية السلطة مستعدة هذه المرة لإطلاق النار واستخدام الركل بوجه الرافضين لبوش من شعبهم إكراما له.. وسنرى قبل أن يأتينا بوش بالمزيد من المواقف المنافقة التي ستجعل من زيارة هذا العاري إلى المنطقة زيارة الفاتحين.. في حين هو يرسل لهم اقل موظف حكومي ليستقبلهم في مطار ناء... هذه هي الصورة النمطية التي يعمل ويُعد البعض لتعميقها وتعزيزها. - مفتاح 7/1/2008 - اقرأ المزيد...
بقلم: ريما كتانة نزال
تاريخ النشر: 2018/7/23
بقلم: جهاد حرب
تاريخ النشر: 2018/5/12
بقلم: وكالة معا الاخبارية
تاريخ النشر: 2018/5/2
|