أتيت بهذا التقديم لأشير إلى فساد الأجهزة التي كانت تحكم غزة في حينه – وبالذات الأمنية منها – والتي تخلت عن مسئولياتها وواجباتها ، تماماً كما هو الحال في الضفة الغربية اليوم. لقد أفزعتني الصور التي نقلتها الفضائيات لما عانته نابلس من اجتياح القوات الإسرائيلية للبلدة القديمة فيها وكيف يتصدى الصبية والشباب الصغار لتلك القوات بصدورهم العارية وحجارتهم الصغيرة. وحينها تساءلت عن قوات الأمن الفلسطينية التي كانت تصول وتجول وتعتقل وتعربد في نابلس وبكامل أسلحتها ، فأين تبخرت تلك القوات وأين اختبأت تلك الفتوات المعربدة؟ وما الحاجة إلى السلاح إذا لم يكن لمقاومة المحتل وصد العدوان ومنع التنكيل بأبناء شعبنا؟ هل نصرف مئات الملايين سنوياً لتلك القوات كرواتب وتسليح ومصاريف جارية لكي تقوم أجهزتها بالدفاع عن الإسرائيليين وحمايتهم؟ أليس هذا ما تدعمه حركة فتح في الضفة الغربية وهو جوهر إتفاقاتها مع إسرائيل من أوسلو إلى أنابوليس؟ والله لو أننا نعيش في بلد غير فلسطين لقلت أن المنطق يقضي بأن يرتدي هؤلاء ملابس النساء ، وأن يتنازلوا عن مظاهر رجولتهم ، ولكني لا أقول بذلك لأن نساء فلسطين – وعبر تاريخها – كانوا وما زالوا أشجع وأشرف وأعز من أن يختبئوا في بيوتهم ويتركوا المحتل ليستبيح حرماتهم. وقد كانت صدمتي أشد وأنا أنظر إلى تلفزيون فلسطين وهو ينقل احتفالات حركة فتح بانطلاقتها ، تزامناً مع هذا الاجتياح الغاشم لنابلس التي يلفها الموت والدمار. والأغرب من ذلك أن نستمع إلى المسئولين الأمنيين والسياسيين في سلطة فتح والذين أعربوا عن نيتهم استكمال ما سموه بالعملية الأمنية الفلسطينية في نابلس بعد انتهاء العملية العسكرية الإسرائيلية فيها!!. أليست هذه أخبار ومهازل آخر الزمان التي تريدنا سلطتنا العتيدة أن نتجرعها ، بل وندافع عنها!! وهل يتوافق ذلك مع ما تدعيه فتح من الريادة وأنها أول طلقة وأول حجر وأنها مفجرة الثورة ، أم أن فتح اليوم تستهلك إرثها وتنفق من تاريخها!!. لقد قامت حركة فتح والسلطة في رام الله بحشد التأييد لمؤتمر أنابوليس في الوقت الذي شككت معظم قيادات العمل الوطني والإسلامي بجدواه. ولعل اللقاءات المتكررة للرئيس الفلسطيني مع رئيس الوزراء الإسرائيلي قد أوحت بأن هناك تقدماً ما في العملية السياسية ربما يتم الإفصاح عنه في المؤتمر. وقد شجع هذا الانطباع البعض للمطالبة بإعطاء المؤتمر فرصة خاصة بعد ما أبدوه من تفاؤل بخصوص النجاح المزعوم. ولكن – وكما هي العادة دائماً – لم تكن تلك المراهنة وذلك التفاؤل في محله حيث قامت إسرائيل وبمجرد انتهاء أعمال المؤتمر بالاعلان عن بناء مئات الوحدات الاستيطانية في جبل أبو غنيم وقررت توسيع مستوطنة معلية أدوميم والاستمرار في بناء الجدار!!. وأتساءل: كيف يقرأ المواطن الفلسطيني وبالذلت أبناء الثورة تلك الأحداث والتطورات؟ متى ندرك أن إسرائيل قد استدرجتنا – ولا زالت – لسنوات طويلة بالوعودات الكاذبة والمؤتمرات الجوفاء بينما استمرت في تغيير الوضع على الأرض بالاستيطان وبناء الجدار ومصادرة الأراضي وزرع الحواجز الثابتة والطيارة واعتقال الآلاف ... وغير ذلك؟ ألم تنجح إسرائيل بتوصيف أدوار لسلطة رام الله لا يمكن وصفها إلا بأنها أدوار خيانية لدرجة أن أرفع المسئولين الفلسطينيين يصف يوم مقتل اثنين من جنود الاحتلال بالخليل على أنه يوم حزين ويأمر أجهزته الأمنية بملاحقة واعتقال الفاعلين ، بينما لا نرى هذا الحزن على عشرات الضحايا الفلسطينيين الذين يسقطون يومياً على تراب فلسطين ومخيماتها!!. وهذا يدفعنا لاعادة التساؤل عن الدور المناط بأجهزتنا الأمنية وكيف أن تلك الواجبات والمهام لا زالت تعطي الأولوية لحماية أمن إسرائيل والدفاع عن مصالحها ، وفي نفس الوقت تقوم تلك الأجهزة بتجريد المقاومة من أسلحتها والتنكيل بها!! فهل يمكن فهم ذلك في السياق الوطني خاصة وأنه بلا مقابل كما بينت السنوات الماضية؟ أليس غريباً أن فتح وسلطتها في رام الله لم تستفد من الدرس القاسي والفشل الذي واجهته في غزة لتكرر نفس الأخطاء بتفاصيلها في الضفة؟ كما أرجو أن تتسع الديمقراطية الفلسطينية للتساؤل حول محطات نجاح وفشل البرنامج الذي اعتمدته فتح خلال العقدين الماضيين لنقرر هل بالفعل يمكن لهذا البرنامج أن يستمر في منح الغطاء لفتح بالاستمرار في الصراع على تصدر قيادة المشروع الوطني أم لا؟. ودون الخوض في التفاصيل من الواضح أن المتتبع لتطورات الأمور منذ أوسلو وحتى اليوم يعلم أن تلك السنوات حفلت بمضاعفة الاستيطان مساحة وتعداداً وبالذات في المناطق الاستراتيجية في الضفة الغربية والقدس ، كما وتميزت تلك الحقبة بمصادرة مساحات واسعة من الضفة الغربية بما في ذلك الأراضي التي ابتلعها جدار الفصل العنصري ، كما ازداد عدد المعتقلين وبالذات من أبناء الضفة الغربية ، إضافة إلى ازدياد كبير في عدد الحواجز بين مدن وقرى الضفة وفصل مناطق الضفة بعضها عن بعض ، كما تم اعتقال نواب الشعب الفلسطيني رموز الشرعية الفلسطينية وتم فرض الحصار المشدد على مناطق السلطة ، وغير ذلك. واستباقاً لأي حل ممكن وتكريساً لسياسة الأمر الواقع وشرعنتها فقد تعهد راعي الشرعية الدولية والعملية السلمية بالاستمرار في دعم إسرائيل مع الأخذ بعين الاعتبار الوضع الديمغرافي الجديد وتعهد بإبقاء الكتل الاستيطانية في الضفة والقدس تحت السيطرة الاسرائيلية ، كما تم الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وأغلقت جميع المؤسسات الفلسطينية الرسمية فيها ، وتم اغتيال الرئيس الراحل ياسر عرفات لأنه أصر على عدم التنازل عن حدود 1967. وربما يوازي ذلك أهمية تجريم حركات المقاومة الفلسطينية ووضعها على لائحة المنظمات الارهابية. وأخيراً وليس آخراً تم دعم وترسيخ الفصل السياسي والجغرافي بين الضفة وغزة وذلك من خلال ممارسات وإجراءات وضغوطات تمارسها الولايات المتحدة وإسرائيل على السلطة تجعل من إعادة التوحد أمراً صعباً إن لم يكن مستحيلاً. ومن الأخطار الجسيمة أيضاً تحويل الشعب الفلسطيني من شعب يناضل من أجل حريته واستقلاله وسيادته على كامل ترابه الوطني إلى شعب جائع يتسول لقمة عيشه من مؤتمرات عربية ودولية آخرها كان مؤتمر باريس. وقد اعتبر مسئولوا السلطة وفتح أن الحصول على مصاريف جارية لصالح الشعب الفلسطيني هو انجاز يُحسب لهم ونسوا أن الشعب لم ولن يموت من الجوع ، وأنه لم يقاتل ويطلق ثورته من أجل المال ولكن طلباً للحرية والاستقلال. فما بالكم إن كان هذا المال ثمناً للدم الفلسطيني واجتثاث المقاومة تطبيقاً للمرحلة الأولى من خارطة الطريق التي لا يخجل مسئولونا من البوح بالحرص على تطبيقها ، بالرغم من عدم تطبيق إسرائيل لالتزاماتها!!. وأتساءل: أليس هذا باختصار هو ملخص تطورات العملية السياسية التي تمت خلال السنوات الماضية وتم سفك الدم الفلسطيني والكرامة الفلسطينية من أجلها؟ ألا تمثل تلك التطورات والأحداث تدهوراً خطيراً في الوضع الفلسطيني وقضيته ، مقابل نمو هائل للمشروع الاستيطاني الإسرائيلي ومكوناته؟ ولعل هذا يقودنا للتساؤل حول ما إذا كانت فتح لا زالت تشكل تلك الاضافة النوعية للنضال الفلسطيني كما كانت عند انطلاقتها. وإذا كانت هذه نتائج تصدُر فتح لقيادة المشروع الوطني فمن الواضح أنها فشلت في تحقيق أي من الأهداف الوطنية التي نص عليها ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية ، بل على العكس من ذلك تماماً حيث تراجع مشروعنا الوطني في سنوات النضال السياسي لدرجة قريبة من حالة الانهيار واللاعودة وتُوج ذلك بإلغاء وتعديل ثلاثين مادة من مواد الميثاق الفلسطيني من أصل 33 مادة. وفي الواقع فإن مشروع التسوية السلمية الذي تتبناه فتح في هذه المرحلة لا يبدو أنه يليق بحركة كبيرة مثل فتح ، إذ أن شروط وآفاق تلك التسوية لا يمكن أن تقود إلى تحقيق طموحات شعبنا كما أظهرت السنوات والأحداث الماضية. وحيث أن فتح تُصر على الاستمرار في قيادة المشروع الوطني الفلسطيني بالرغم مما أحدثه ذلك من تدهور في الحالة الفلسطينية فإن هذا يفرض علامات استفهام كبيرة حول مستقبل القضية الفلسطينية من جهة وشرعية قيادة فتح من جهة أخرى. إنني أرى أن من مصلحة فتح والقضية أن تترك حركة فتح المجال لآخرين في قيادة المشروع الوطني ومؤسسات منظمة التحرير ، وإلا فإنها ستتحمل المسئولية منفردة وتقامر بما تبقى من مقومات صمود هذا الشعب العملاق. إن أفضل ما يمكن أن يحدث قد يتمثل في إعطاء الأولوية لحوار وطني جاد للوصول إلى توافق حول آليات تحقيق مشروعنا الوطني وإصلاح الخلل الذي أصاب مواقفنا ، وبما يضمن لنا الحرية والاستقلال وعودة اللاجئين واستعادة كافة أراضينا وتحرير أسرانا ، إذ لا معنى لدولة فلسطينية دون ذلك. - مفتاح 7/1/2008 - اقرأ المزيد...
بقلم: ريما كتانة نزال
تاريخ النشر: 2018/7/23
بقلم: جهاد حرب
تاريخ النشر: 2018/5/12
بقلم: وكالة معا الاخبارية
تاريخ النشر: 2018/5/2
|