مفتاح
2025 . الأحد 25 ، أيار
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 

كتبتُ مادةً بعنوان "الحكيم رمز ومدرسة" لصحيفة "صوت النساء" تعرّضت فيها إلى مواقف إنسانية وفكرية في تجربة الراحل الكبير. صبيحة اليوم التالي تساءل زميلي الـمختص بالقصة الصحافية بسام الكعبي، بعد قراءته الـمادة: لـماذا اخترت الكتابة التقليدية؟. قلت: ما يهم في الكتابة هو الـملامسة العميقة وطرح الأسئلة الإشكالية؟. رد علي: كثيرون سيتحدثون عن فكر ومواقف الفقيد، لـماذا لا تأخذ بعداً آخر وخاصة في لحظة الفقد. اقتنعت بالفكرة التي تعزّزت عندما قالت لي زميلة أخرى: لـماذا لـم تكتب عن قصص عايشتها مع الحكيم؟ اندفعت بعد هذه الـملاحظات لتجاوز الشكل التقليدي ومحاولة التعبير بأسلوب آخر. بدأت أقدح ذاكرتي مفتشاً عن الجانب الإنساني في التجربة عبر قصص حدثت وكنت شاهداً عليها.

"الجاكيت الجلدي الأسود الذي ترتديه جميلٌ جداً يا رفيق" قال الـمقاتل للحكيم أثناء زيارته إحدى القواعد. نظر الحكيم مبتسماً وقال: "بعرف، لا يوجد عندي غيره وهذه الـمرة مش راح أهديه لأحد". في مرات سابقة عندما كان الرفيق أو الرفيقة يبدي إعجابه بجاكيت الحكيم الجلدي، كان يخلعه على الفور ويقدمه كهدية. حدث ذلك ثلاث مرات، وبعد أن انتشرت الأخبار زاد عدد الـمعجبين بجاكيت الحكيم في مواسم الشتاء، ولـم يعد في الإمكان مادياً وعملياً تكرار الهدية! احتفظ الحكيم بجاكيته هذه الـمرة وعقّب مازحاً: نريد زيادة العضوية على أساس البرنامج والفكر وليس على أساس آخر!!.

كان مخيم تل الزعتر تحت الحصار الـمحكم من كل الجهات ويتعرض لقصف تدميري، خرج الحكيم في جولة تفقدية لـمواقع الـمقاتلين في الجبل، سمع آراء من رغبوا بالحديث، كان يعرفهم ويسميهم بأسمائهم، وحاول تشجيع من لـم يتحدثوا ولا يعرفهم، لفت نظره وجود رفيقة لـم يشاهدها من قبل وفوجئ بأنها زوجة رفيق لـم يمض على زواجهما أسبوعان، اندهش، وسأل: من الذي أتى بكما في شهر العسل؟ سارع الرفيق إلى القول: جئنا ندافع عن الـمخيم. بدأ يتحدث للـمجموعات الـمقاتلة التي تحاول دخول الـمخيم وإدخال ما تيسّر من مواد طبية وتموينية. الـمجموعة التي تسللت في الليلة الـماضية لـم تعد حتى اللحظة، قال مسؤول الـموقع، وقد انعكس ذلك على عمل مجموعات الحماية التي تقصف أجزاءً من محيط الـمخيم لتعيق تقدم القوات الـمهاجمة. تحدث طويلاً حول أهمية إنقاذ أبناء الـمخيم الأبرياء، وأضاف: كل واحد فينا يتخيل أنه داخل مخيم يتعرض للدمار كل واحد فينا مسؤول عن حياتهم. تحدث الـمقاتلون بحمية وطالبوا بوضع خطة للاقتحام وإنقاذ الـمخيم. رد عليهم بالقول: لا نريد الـمزيد من الخسائر في صفوفكم وصفوفهم، نريد إنقاذهم وحمايتهم، لا بد من دراسة رد مشترك مع رفاقنا وإخواننا في القوات الـمشتركة اللبنانية الفلسطينية. أنهى اللقاء متوقفاً عند العروسين الرفيقين، شد على يديهما متمنياً لهما السلامة لقضاء شهر عسل آخر.

قال قائد سيارة الحماية: يوجد قنص في الطريق ( إلى الـموقع القريب من البقاع الذي يود الحكيم زيارته) الدبابات اقتربت من الـموقع والحركة محفوفة بالخطر، هذا ما أبلغنا به الرفاق في الـموقع عبر الجهاز، وهذا ما قاله السائقون الذين توقفوا عن الذهاب. استشعر الـمرافقون الخطر فأرسلوا سيارة للاستطلاع سرعان ما عادت بعد تعرضها للقنص. رغم ذلك قرر الحكيم الذهاب للـموقع وقال مازحاً "أكيد مش راح يصيبونا"!! عند وصول السيارة الأولى تعرضت لإطلاق النار وفي هذه اللحظة تولى مسؤول الحراسة الشأن فأصدر أوامره بالضد من رغبة الحكيم أو هكذا بدا الـموقف، وأقفل الـموكب عائداً لتسود لحظات من الصمت قبل أن يبددها رهان الحكيم الساخر القائل بأن "الجنود لا يصيبون الهدف"!!.

أنهت مجموعات من الطلبة الآتين من دول عربية وأوروبية ومن الأميركيتين معسكراً تدريبياً، وكان الختام لقاء مفتوح مع الحكيم. تحدث الحكيم وبعد ذلك أخذ يستمع للآراء خلافاً لتقليده الـمتبع مع الـمقاتلين. بعض الأسئلة كان نقدياً فوق العادة، وبعضها كان جارحاً، والبعض الآخر عبر عن فخره واعتزازه بمواقف الجبهة الشعبية. بدأ الحكيم الإجابة بالقول: أولاً، أشكر الذين نقدوا رغم أنهم مدوا الأمور إلى نهاياتها، وأضاف، صحيح أن النقد يستفز لكنه يفرض علينا مراجعة الـمواقف ومعرفة أين أخطأنا وأين أصبنا. أريد أن أكون صريحاً معكم، (قالها بنبرة واثقة لا تخلو من عتب): من كان يعتقد بأنه في تنظيم لا يخطئ فهو مخطئ، ومن يرغب في الانتماء إلى تنظيم منزّه عن الخطأ فليسمح لنا بالقول: لانستطيع تلبية رغبتك لأننا تنظيم يخطئ. وتساءل: أتعرفون لـماذا نخطئ؟ثم أجاب بعد هنيهة صمت: لأنكم لا تشاركوننا العمل في مختلف الـمجالات بصفتكم فئة مثقفة متعلـمة، أنتم تنتقدون من بعيد، من خارج العملية وهذا حقكم، ولكن إذا أردنا الاستجابة للنقد فنحن نحتاج لجهود إضافية وربما نوعية. لـماذا لا ينخرط البعض في العملية التنظيمية والنضالية؟، ولـماذا لا تقدمون أفكاركم بصيغة مقترحات وبرامج حتى لو كان ذلك من بعيد؟ ... كم واحد منكم بادر إلى ذلك. انتقل الطلبة الى مواقع الدفاع وشرعوا بنقد أحوالهم.

ما هي علاقتكم بالقوى الثورية في البلد الذي تعملون به؟ السؤال الأول الذي كان يطرحه بنوع من الاهتمام الـمركز لـمسؤولي الساحات والـمواقع. كان يربط نهوض القوى الديمقراطية والثورية في هذا البلد أو ذاك بتطور الـمقاومة وأشكال العمل الجماهيري الفلسطيني. ولا يكتفي بالسؤال بل كان حريصاً على إقامة علاقات تحالف مع تلك القوى، ولـم يتوان عن تقديم الدعم الـمطلوب. في لقائه مع قوى ثورية مصرية قبل اتفاقية كامب ديفيد، انصب اهتمامه على الجانب الفكري والنظري وأكد حاجة الجبهة للتطوّر بمساعدة حلفائها الـمتقدمين فكرياً والذين حققوا تطوراً على هذا الصعيد، وقال: إنه سيعرض على الـمكتب السياسي مشروع دعم طباعة مجلات وكتب ــ صدر قرار بالدعم لاحقاً ــ ولقاءات لنقاش القضايا الشائكة وتبادل الأفكار والـمقترحات.

القضية الثانية التي طرحها بصيغة سؤال: لـماذا لـم تمارسوا مقاومة مسلحة ضد الاحتلال الإسرائيلي في سيناء؟حتى وإن كان ذلك بصورة رمزية ودعائية.

وفي لقائه مع قوى سورية ثورية طرح القضايا نفسها إلى حد كبير وشدد على سؤال: لـماذا لا تفكرون بالـمقاومة في الجولان الـمحتل؟ ونحن مستعدون لدعمكم.

- الايام

 
 
اقرأ المزيد...
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required