تعتبر المعابر والمنافذ الحدودية من أهم مظاهر السياده التي تمارسها الدولة على أراضيها ، فهي ليست مجرد بوابات للدخول والخروج من وإلى الدولة ، بل هي عنصر من عناصر ألأمن الوطني ، ولذلك تسعى الدول إلى تحديد حدودها مع الدول الأخرى وتنظم الإتفاقات العلاقات الحدودية بين الدول ، وأي إختراق لها تنظر إليه الدول على أنه شكل من أشكال التهديد لأمنها وإستقرارها ، وغالبا ما تكون الإتفاقات المنظمة للعلاقات متوازنه سياديا وتراعي المصالح المشتركه للأطراف المعنية . وهذه هي القاعدة العامة ولا خلاف عليها بين الدول المستقلة والتي لها صلاحيات سيادية على أراضيها ,هذا وتترجم الحدود مبدا التكامل الإقليمي للدولة , والذى لا تهاون فيه ، ولا يخضع إلا للحسابات الأمنية في المقام الأول ، ومع ذلك غالبا ما تثير قضية المعابر بين الدول مشاكل كثيره وخصوصا في المناطق النزاعية والتي قد تضطر سكان بعض المناطق إلى الفرار من حكم مستبد أو عنف محتمل او اوضاع كارثية. وفي حالة الحدود المصرية الفلسطينية عند معبر رفح فألأمر لا يختلف كثيرا ، لكن تحكمه خصوصية في العلاقة بين قطاع غزه ومصر تمتد لسنين طويلة ولإعتبارات تتجاوز الإعتبارات الأمنية لتشمل الأبعاد الإنسانية والإجتماعية والمسؤولية القومية والوطنية التي تحكم علاقة مصر بغزه وهذا ما عبر عنه الرئيس محمد حسني مبارك بان مصر لن تسمح بتجويع السكان في قطاع غزه مما يعني رسالة واضحة بأن مصر لن تتقيد بالحصار المفروض على القطاع . ولفهم أزمة معبر رفح ينبغي تجاوز الحدود الزمنية للأزمة وحتى البعد الإنساني والإقتصادي والبحث في جذور وأصول وماهية هذه الحدود وهل كانت هناك فعلا حدودا بالمعنى الذي يحكم العلاقات بين الدول ، وقبل الشروع في ذلك لابد لنا من إبداء بعض الملاحظات الأساسية التي تحكم هذه الأزمة : أولها أن مصر دولة لها رؤيتها لأمنها القومي وأمن حدودها ، وتربطها مسؤوليات وإتفاقات دولية مع الدول الأخرى وخصوصا إسرائيل كما السودان وليبيا ، والقاعده الأساسية التي تحكم هذه الإتفاقات هو إحترامها طالما لا تمس سيادة الدولة وأمنها وفيما يخص إسرائيل قد تكون هناك بعض الإعتبارات الأمنية التى تحكمها ، ومع ذلك وفي الوقت ذاته هناك خصوصية فى العلاقه مع غزه تحديدا وتحكم العلاقه المصرية الفلسطينية إعتبارات قومية ووطنية تتجاوز البعد ألإنساني فى فتح المعبر ، ويتضح ذلك في الموقف المتوازن الذي إتخذته مصر من الخلافات بين حركتي فتح وحماس ودعوتها الدائمة للحوار بينهما ، وثانيا في الإتصالات المستمرة التي تجريها مصر لرفع الحصار عن الشعب الفلسطينى وخاصة ما يتعلق بمعبر رفح وإعادة فتحه بطريقة منضبطة قانونيا وبشكل منتظم . والأمر الآخر رؤية مصر للمسأله ليس من منظور المعبر فقط بل الدعوة للوحدة الوطنية الفلسطينية إدراكا منها أن الحل يكمن في الحوار والوحدة الفلسطينية. وفي الوقت ذاته ممارسة مصر دورا إتجاه الدفع بعملية التسوية إلى ألأمام وقيام إسرائيل بكل الإستحقاقات التي تفرضها بصفتها دولة إحتلال . وثاني المدركات أنه لا توجد دولة فلسطينية ومن ثم قد يكون من السابق لأوانه الحديث عن مفهوم ومسؤوليات متكاملة فلسطينيا أمنيا فما زالت صفة الإحتلال قائمه حتى على غزة رغم إنسحاب إسرائيل منها لأن الإحتلال لا يجزأ فطالما هناك جزء من الأرض محتلا فمعنى ذلك أن صفة الإحتلال على غزة قائمة ومن ثم على إسرائيل أن تتحمل كل المسؤوليات كدولة إحتلال ومن هنا المطالبة برفع الحصار ليس فقط عن غزة بل عن كل الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية . وعلى الفلسطينيين أن يدركوا المعادله التي تحكم معبر رفح سواء من حيث الوضع القانوني الذي يحكم إدارة المعبر أو من منظور إحترام كل ما يتعلق بالأمن المصري ولذلك بقدر البرهنه على أن غزه لا تشكل مصدرا لعدم الأمن لمصر بقدر قيام مصر بواجباتها القومية والوطنية إزاء سكان قطاع غزة ، والمدرك الثالث ان هناك تحولا وتبدلا فى الواقع الأمني فرض بعد سيطرة حماس على غزه ومسؤوليتها المباشرة وكونها طرفا مباشرا ، لذلك قد تفرض هذه التطورات الحاجة الماسة لمراجعة الإتفاق وتقليص دور إسرائيل إن لم يكن إنتهائه فى مرحلة لاحقه تنتهي بزوال الإحتلال ، والمدرك الرابع والمهم أن جوهر الأزمة ليس فى المعبر وكيفية إدارته بقدر ما هي أزمة بين حركتي فتح وحماس ، فقبل بروز سيطرة حركة حماس على غزة وحسم الأمور عسكريا وما ترتب على ذلك من تداعيات من بينها معبر رفح لم تكن هناك إثارة لهذه الأزمه ، إذن لا بد من النظر إلى جوهر المشكله حتى يمكن تصور الحلول والخيارات الصحيحة والدائمه لحل أزمة المعبر وغيرها من المسائل ، أما إذا بقيت الأمور على ما هي عليه فأعتقد أن المشكله ستظل قائمة بل قد تزداد سوءا وتعقيدا وقد تذهب بنا جميعا نحو حلول غير عقلانيه من قبل جميع الأطراف , ومن المدركات الهامه والتى ترتبت على تداعيات فتح المعبر أن الخريطه الأمنية ستأخذ شكلا آخر على الحدود المصرية الفلسطينية وخصوصا على إمتداد الحدود مع غزة ، فعلى مدار التاريخ لم تكن هناك حدودا واضحه رغم تحديدها ، لكن القصد من ذلك ان الحدود بين رفح المصرية والفلسطينية كانها لم تكن قائمه مجرد حائط أسمنتي لا يتجاوز إرتفاعه مترين سهل إختراقه والتسلل عبره ، أم الآن فأعتقد أن الأمور ستأخذ شكلا آخر . وأخيرا فلقد مرت الحدود المصرية الفلسطينية بمراحل متعددة ـ الأولى التاريخية حيث مفهوم الحدود لم يكن قائما بدليل الترابط العائلي بين السكان فى كلا المنطقتين ، لدرجة أنه فى الأسرة الواحده هناك من يحمل الجنسية المصرية والآخر الجنسية الفلسطينية ،ثم مرحلة الإداره المصرية لقطاع غزة من 56 الى 67 وكانت الحدود أقرب الى الحدود المفتوحة دون قيد ، ثم مرحلة الإحتلال الإسرائيلى وسيطرة اسرائيل الكامله على الحدود والتي استمرت حتى قدوم السلطة الفلسطينية وبداية شكل من أشكال الشراكه الفلسطينية المحدودة . ثم أخيرا المرحلة الحالية والتي جاءت في أعقاب إنسحاب إسرائيل من غزه مما إستلزم إعادة تنظيم إدارة المعبر وهو ما جسدته إتفاقية 2005 بصلاحيات فلسطينية أكبر مع تواجد أوروبي وتحكم إسرائيلي عن بعد ، والجدل الدائر ألأن فلسطينيا أكثر منه مصريا أو حتى إسرائيليا حول من له الحق فى إدارة المعبر حماس بحكومتها المقالة في غزة ام مؤسسة الرئاسه التى تعتبر مسؤولة عن إدارة المعبر وفقا للإتفاق المذكور . وليكن معلوما أن إدارة المعابر في جميع الحالات تعكس وحدانية الإدارة وليس الإزدواجية فهذا مبدأ يتعارض مع مبدا وحدانية السلطة السياسية وشرعيتها . لا شك هناك واقع أمني وسياسي جديد لا بد من مراعاته لتسوية مشكلة المعبر ، لكن في يقيني تبقى المشكلة فلسطينية ، ويبقى الحل فلسطينيا ، وقبل أن نتجه للأخرين علينا أن نتجه إلى أنفسنا وعندها يمكن المطالبه بإدارة مصريه فلسطينية وبسلطات فلسطينية كامله وبدون ذلك سنظل ندور فى دائرة مفرغه نستهلك ونجهض فيها قدراتنا وإمكاناتنا وتضيع معها حقوقنا . صحيفة القدس
اقرأ المزيد...
بقلم: ريما كتانة نزال
تاريخ النشر: 2018/7/23
بقلم: جهاد حرب
تاريخ النشر: 2018/5/12
بقلم: وكالة معا الاخبارية
تاريخ النشر: 2018/5/2
|