في مقال نشرته صحيفة “معاريف” 4/2/2008 بعنوان “يغشوننا”، والمقصود قادة الكيان الصهيوني كتب كوبي نيف يقول: “قبل فك الارتباط مع غزة شرحوا لنا أن بقاءنا في غزة هو الذي يمنع نار القسام عن سديروت. بعد ذلك قالوا لنا العكس تماماً، وهو أن الخروج من غزة هو الذي سيمنع نار القسام. الآن يقولون لنا عكس العكس، أي فقط الدخول إلى غزة هو الذي سيمنع النار”. الحقيقة ليس قادة الكيان الصهيوني وحدهم يغشون “جماعتهم”، بل من الواضح أن قادة كل الأطراف المعنية بما يسمى “السلام في الشرق الأوسط” يغشون كل جماعته، ولتنجلي لنا هذه الحقيقة دعونا نلقي نظرة على “الموضوع” من نقطة عند معبر رفح. لقد ضاق الحصار على أهل غزة وسدت دونهم كل السبل من أجل لقمة خبز وحبة دواء حتى لا نزيد على ذلك ولم يعد أمامهم، إلا أن يقتحموا المعبر إلى حيث توجد حاجتهم، فما الذي جرى بعد ذلك؟ تركت الحدود مفتوحة اثني عشر يوماً، ثم بدأت الأمور تعود إلى ما كانت عليه قبل اقتحام المعبر، لكن حصيلة ذلك لم تكن مجرد مراوحة في المكان، بل كانت تصعيداً في تعقيد الوضع، وكأن أحداً لا يريد أن يفهم مما حدث شيئاً. “الإسرائيليون” فرحون، اليوم، لأنهم كما يعتقدون تمكنوا من “توريط مصر في المستنقع الغزي”، وهم، بعد اقتراح من وزيرة الخارجية تسيبي ليفني، سائرون للموافقة على مضاعفة عدد قوات الشرطة المصرية على الحدود مع غزة لتصبح 1500 عنصر، وهو ما يعتبره بعض أوساط الجيش “الإسرائيلي” تعديلاً ثانياً لاتفاق “كامب ديفيد” ولا يريده لأنه “يمكن” أن يشكل خطراً على “أمن “إسرائيل””، مع أن الاقتراح بزيادة عدد الشرطة المصرية يهدف أصلاً إلى تمكينها من “ضبط الحدود ومنع التهريب وتسلل الفلسطينيين الذين يهددون هذا الأمن”. المصريون أعادوا إغلاق المعبر، ويطالبون بالعودة إلى تفاهم المعابر للعام ،2005 أي أنهم استبعدوا دوراً تصر عليه “حماس”، وهم على لسان وزير الخارجية أحمد أبو الغيط، يحذرون الغزيين من “نفاد صبرهم”، ويحذرون “حماس” من الوقوع في “فخ” تنصبه “إسرائيل” لهم للإيقاع بين الفلسطينيين والمصريين، لا شك أن الفخاخ “الإسرائيلية” منصوبة دائماً ليس فقط للفلسطينيين أو “حماس”، بل وللمصريين ولكل الأطراف العربية المعنية، وتبقى القضية كيف يمكن لهذه الأطراف أن تفلت من تلك الفخاخ “الإسرائيلية”. دائماً كانت هناك طريقتان: إما المواجهة أو الاستسلام والتجاوب مع المطالب “الإسرائيلية” المدعومة بقوة الولايات المتحدة الأمريكية. ودائماً كان الاستسلام يبدو أقل كلفة لدى البعض. ولهذا يظهر لأي مدقق أن سير الأمور لم يكن، خلال ما يزيد على ثلاثة عقود، سوى دوران حول المشكلة. الآن، ليس ما يضمن ألا تقتحم جماهير غزة، التي أعيدت للحصار، الحدود مرة أخرى إذا سدت أمامهم سبل الحل من جديد، وليس في الأفق ما يشير إلى أن “حماس” ستتنازل عن دور تراه حقاً لها، وبالطبع حكومة إيهود أولمرت لن يكون بمقدورها أن تظهر أضعف مما هي عليه في أعقاب تقرير لجنة فينوغراد ووصول الاستشهاديين الفلسطينيين إلى ديمونا وليس فقط وصول الصواريخ إلى سديروت. في هذه الظروف، ماذا سيكون عليه الموقف عند معبر رفح، وماذا سيكون عليه الموقف المصري إذا ما تحركت جماهير غزة لاقتحامه؟ هذا الوضع “المفخخ” في غزة، وفي معبر رفح تحديداً، يؤكد أن المشكلة لم تكن يوماً في معابر غزة أو حتى في حصار غزة، ولا في صواريخ القسام التي تتعرض لها سديروت أو غيرها، ولا في العمليات الاستشهادية، بل في ما يسمى “عملية السلام في الشرق الأوسط”. فالواضح أن “الإسرائيليين” لا يزالون يعتبرون فلسطين التاريخية كلها “جزءاً من أرض إسرائيل”، وهم لا يريدون التنازل عن شيء منها إلا ما يتصورون أنهم لا يرغبون به، وإزاء ذلك يصرون على عدم الاعتراف بأي حق للشعب الفلسطيني، ويدوسون كل يوم ما يسمى “القانون الدولي والشرعية الدولية وحقوق الانسان”، باختصار إنهم يتجاهلون واقعة احتلالهم لأرض ليست لهم، والسيطرة على شعب يرفض الخضوع لقوتهم العسكرية وأساطيرهم العنصرية التوراتية، وبهذا المعنى هم يدورون حول المشكلة لأنهم لا يعترفون بها، فقط يتعاملون مع نتائجها وآثارها في أوضاعهم. أما الفلسطينيون الذين يتمسكون بما يسمى “عملية السلام” فهم يعلمون ما يفكر ويعمل له “الإسرائيليون”، وتمسكهم بالمفاوضات هو استسلام للأطماع والقوة “الإسرائيلية”. ولذلك عندما ينتقدون سياسة الاستيطان هنا، أو يدينون مجزرة “إسرائيلية” هناك، إنما يدورون بدورهم حول المشكلة، لأنهم لا يريدون المواجهة وليس لأنهم يصدقون أن الحكومات “الإسرائيلية” تريد أو تسعى للوصول إلى حل لمشكلة الاحتلال. وأما العرب المتورطون في القضية رغماً عنهم، فهم يتعاملون معها “بالقطعة” درءاً لما يخشون منه إذا غضبت عليهم “إسرائيل”، أو غضبت منهم الولايات المتحدة. وليس من حاجة إلى الحديث عن تبعية ما يسمى “المجتمع الدولي” لما تراه واشنطن وتل أبيب. المشكلة هي في الاحتلال “الإسرائيلي”، والحل موجود منذ عقود في قرارات الشرعية الدولية، والمطلوب مواجهة “إسرائيل” لإجبارها على تنفيذ تلك القرارات، فإما أن يواجهها “المجتمع الدولي”، وإما لا مفر من أن تقع المواجهة على قوى الشعب الفلسطيني بكل أشكال المقاومة. والمؤكد أن الدوران حول المشكلة لن يوصل إلى حل.
اقرأ المزيد...
بقلم: ريما كتانة نزال
تاريخ النشر: 2018/7/23
بقلم: جهاد حرب
تاريخ النشر: 2018/5/12
بقلم: وكالة معا الاخبارية
تاريخ النشر: 2018/5/2
|