مفتاح
2025 . الأربعاء 28 ، أيار
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 

تهدئة قلقة للأزمة. هذا أقصى ما أمكن إنجازه في المحادثات التي أجرتها مصر مع وفد حركة »حماس« على مدى ثلاثة أيام كاملة بعد تدفق مئات الآلاف من سكان قطاع غزة على شمال سيناء. غير أن تهدئة الأزمة لا تعني بالضرورة أنها في طريقها إلى الحل بالرغم من أن الموقف أصبح شديد الحساسية بعد عملية ديمونا الاثنين الماضي، فالعوامل التي خلقت الأزمة مازالت قائمة، وهي لا تقتصر على الحصار الإسرائيلي الخانق لقطاع غزة والذي وصل إلى ممارسة عقاب جماعي شل الحياة تقريبا في منطقة لم يعد أهلها يتحملون مزيدا من الحصار.

فما كان لهذا الحصار مهما بلغ أن يخلق تهديدا للأمن القومي المصري على النحو الذي حدث إلا لأن حركة »حماس« هي التي تسيطر الآن على قطاع غزة. ولم يكن في إمكان هذه الحركة أن تحسم صراعها مع حركة »فتح« والسلطة الفلسطينية بالقوة على نحو ما حدث في حزيران الماضي إلا لأن المنطقة تتغير بمعادلاتها وأزماتها وقضاياها وأطراف الصراعات الساخنة فيها والعلاقات في ما بينها.

ولذلك فالمعضلة التي يفترض أن تشغل مصر اليوم هي أكبر وأوسع نطاقا من أزمة حدودها مع قطاع غزة الواقع منذ منتصف حزيران الماضي تحت سيطرة حركة »حماس« التي تعتبر امتدادا لجماعة (الإخوان المسلمين). وبالرغم من خطر هذه الأزمة فهي ليست أكثر من جزء في معضلة أكبر تعود إلى أن المنطقة حول مصر تتغير بمعدلات أسرع من قدرة حكومتها وأجهزتها الرسمية على أن تلاحقها.

لقد أدارت الأجهزة المصرية المعنية أزمة الحدود مع قطاع غزة بقدر معقول من الكفاءة، غير أنه ليس في أدائها وطريقة تصرفها ما يفيد إدراكها علاقة هذه الأزمة بالتحولات التي تحدث في المنطقة وما تنطوي عليه من مغزى. فالأزمة التي أدارتها مصر وأحسنت التعامل معها في الأيام الماضية ليست عابرة، ولا هي مجرد نتيجة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي أو الصراع بين حركتي »حماس« و«فتح« أو كليهما.

كما أنها أبعد من نوايا المسيطرين على قطاع غزة، وسواء كان اقتحام الفلسطينيين الحدود رد فعل عفوياً على عقاب جماعي تجاوز كل حد أو فعلا منظما أقدمت عليه حركة »حماس« لكي تهرب إلى الأمام، أو مزيجاً منهما، فالأزمة تبدو تعبيرا جديدا، لكنه على حدود مصر مباشرة هذه المرة، عن اضطراب يجتاح منطقة تفور وكأنها ترقد على بركان ظل خامدا لعدة عقود، ويبدو هذا البركان الآن كما لو أنه يستعد لإطلاق حممه، وما حدث على حدود مصر مع غزة إنذار قوي لمن يريد أن يعي.

ومع ذلك فوجئت مصر الرسمية بما كان ينبغي توقعه منذ أن أحكمت حركة »حماس« سيطرتها على قطاع غزة في منتصف حزيران الماضي، وليست هذه هي المرة الأولى التي تفاجأ فيها مصر بما لا يصح أن يكون مفاجأة لها، فوجئت قبل عام ونصف العام بعملية »الوعد الصادق« التي نفذها حزب الله وخطف خلالها جنديين إسرائيليين بالرغم من أن السياق العام للصراع الأميركي الإيراني على الشرق الأوسط كان يدفع إلى توقع تحرك ما من أحد حلفاء طهران سعيا إلى تغيير بعض المعادلات الإقليمية وخلط بعض الأوراق.

ولما كان زعيم حزب الله هدد مرات، وليست مرة واحدة، بخطف جنود إسرائيليين فقد كان مفترضا أن تتوقع مصر سيناريو حرب ما تنطوي في أحد أهم جوانبها على مواجهة غير مباشرة أو بالوكالة عن إيران وأميركا.

إن ما حدث على حدود مصر اقتحاما وتدفقا واشتباكا لهو جزء من تحولات واسعة تشهدها المنطقة منذ غزو العراق في إطار مشروع الشرق الأوسط الكبير وحتى تنامي نفوذ إيران الإقليمي نتيجة الأخطاء الفادحة التي ارتكبتها إدارة بوش. فالهجمة التي بدأت مقدماتها في أفغانستان أزاحت أهم عدوين لإيران وهما نظاما طالبان وصدام حسين وفتحت العراق أمام تغلغل أجهزتها المدربة جيدا من الحرس الثوري إلى المخابرات. والتهديد الذي خلقه المشروع الأميركي دفع سورية وحركات راديكالية لبنانية وفلسطينية إلى توثيق صلاتها بإيران التي أصبحت في موقع القيادة الفعلية للقوى التي ترفع شعار »الممانعة« أو التصدي للهيمنة الأميركية- الإسرائيلية بما في ذلك حركة »حماس«. وأدى ذلك إلى معادلات إقليمية جديدة في ظل صراع على هوية الشرق الأوسط ينعكس بدرجات مختلفة على أزماته الأكثر تفجرا من أزمة البرنامج النووي الإيراني والأزمة العراقية إلى الأزمتين اللبنانية والفلسطينية.

وهكذا تجد مصر نفسها في خضم صراع على المنطقة لم تعد طرفا رئيسيا فيه للمرة الأولى منذ أكثر من نصف قرن، وأغرى ذلك أميركا لمحاولة بناء ما أسمته محور المعتدلين العرب في مواجهة »محور الشر« الذي تقوده إيران. ولم يكن في إمكان مصر أن تلحق بهذا المحور لأن انتصار المشروع الأميركي يضر مصالحها ويقلق نظام الحكم فيها مثله مثل انتصار المشروع الإيراني، وبالرغم من أنها تمكنت من الاحتفاظ بمسافة تجاه المشروعين الأميركي والإيراني في آن معا، ظل عجزها عن تطوير مشروع عربي لمستقبل المنطقة نقطة ضعف ومصدر تهديد لها.

فما زالت القاهرة تتصور أن في إمكانها الحفاظ على الوضع القائم في المنطقة منذ عقود مع تغيير ثانوي هنا وهناك، ولكن هذا لم يعد ممكنا بعد أن أخذ البركان يفور.

وهذا هو مصدر التهديد الاستراتيجي لمصر الآن، والذي تعد أزمة الحدود مع غزة تعبيرا جزئيا عنه على المستوى التكتيكي. ويرتبط هذا التهديد الاستراتيجي بضيق نطاق الحركة أمام السياسة الخارجية المصرية نتيجة الجمود الداخلي الذي يحول دون طرح مشروع للمستقبل في مواجهة المشروع الأميركي لشرق أوسط كبير والمشروع الإيراني لشرق أوسط إسلامي.

فأحد أهم أوجه مأزق السياسة الخارجية المصرية تجاه المشروعين المتصارعين ان كلا من إيران وأميركا يجمع أوراقا لتغيير المنطقة فيما لا تستطيع مصر أن تدخل هذه المباراة لأنها لا تمتلك مشروعا يحدد نوع الأوراق التي تريدها والاتجاه الذي تتحرك فيه من أجل تجميعها.

وفي غياب مشروع لمصر لا يبقى أمامها إلا محاولة الحفاظ على وضع إقليمي بات الإبقاء عليه مستحيلا والسعي إلى نزع فتيل أزمات أصبح منع تصاعدها نحو الانفجار صعباً. ولا مخرج لمصر من هذا المأزق التاريخي إلا عبر بناء مشروع لقوى الاعتدال في المنطقة. غير أن صعوبة هذا المشروع ترجع إلى أن مقوماته الأساسية داخلية بينما الوضع في مصر لا يتجه نحو توفير أي من هذه المقومات، فالمشروع الوحيد الذي يمكن أن يقف بين المشروعين الإيراني والأميركي لابد أن ينطلق من أن قوة الاقتصاد والمعرفة والتكنولوجيا والمشاركة الشعبية الحرة والنظام الديمقراطي تفوق قوة السلاح النووي كطريق لمواجهة التحديات الخارجية.

فإذا كان المشروع الإيراني يقوم على ممانعة تستند إلى القوة العسكرية وفي القلب منها القوة النووية، فلا سبيل إلى وضع حد لتأثيره في المنطقة إلا عبر مشروع منافس يقوم على أن القوة الحقيقية التي تحمي المصالح وتستعيد الحقوق هي التي تقوم على مشاركة شعبية تطلق مبادرات الأفراد الخلاقة الاقتصادية والفكرية والعلمية وتوفر الإمكانات اللازمة لتنامي قدرات المجتمع من خلال نظام سياسي يقوم على الحرية والتنافس السلمي والشفافية وتكافؤ الفرص.

فالقوة بهذا المعنى الحديث هي التي تصنع الدور والمكانة في عالم اليوم، وليست المغامرات التي تتلاعب باحباطات شعوب صارت أسيرة مفهوم ضيق وفقير للممانعة يقدس العمل المسلح دون غيره ومهما يكون تهافته ويهلل له أيا تكون نتائجه.

فالمخرج بالنسبة إلى مصر والمعتدلين العرب عموما من المأزق الراهن يقترن، إذاً، بتغيير ثقافة شائعة في المنطقة تحفل بالقوة العسكرية أكثر من غيرها وترى الفخر كله في إطلاق رصاصة أو تفجير عبوة ناسفة أو تنفيذ عملية انتحارية، ولا يمكن تحقيق هذا التغيير من دون مشروع لبناء دولة ناجحة يحترمها الآخرون في العالم ويأخذونها في الاعتبار، ويقتضى ذلك عملا جادا على صعيد الإصلاح الداخلي السياسي والاقتصادي الذي يرسم صورة إيجابية للمستقبل، فالدولة التي لا تعرف لمستقبلها صورة واضحة لا يمكن أن تساهم في صنع مستقبل منطقتها.

 
 
اقرأ المزيد...
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required