لا نبالغ إذا قلنا، وبلا أدنى مواربة، إن حماس تمتلك اليوم مفاتيح الانفراج في الحالة الراهنة المأزومة على الساحة الفلسطينية. والمؤكد، قبل الخوض في التفاصيل، أن هذه الحالة لم تكن نتيجة سوء إدارة، أو سوء تخطيط، من قبل فصائل المقاومة، بقدر ما كانت انعكاساً حقيقياً لدرجة تعقد القضية، وتجسيد واقعي لشكل الصراع. فلم تكن المراهنات لتجانب الصواب لو أنها افترضت أن أحلام السلام، مع غياب حسن النوايا، يمكن أن تقدم الدولة على طبق من ذهب. وربما كان هذا هو الأمر الذي دفع بالرئيس الراحل ياسر عرفات إلى رمي الكرة في ملعب الشعب الفلسطيني، لكي يختط هذا الشعب بنفسه الأسلوب المناسب في إدارة الصراع، بعد أن سعت قيادته بكل الوسائل لكسر جدار الجليد الذي غلف القضية على مدى عقود. فانفجرت انتفاضة عارمة، مثلت حالة من الغضب الشعبي والرفض المطلق للاحتلال الاسرائيلي، الذي أثقل كاهل الفلسطينيين وعمل على تحطيم واقعهم ومستقبلهم. إذن، من الصعب تحميل قوى المقاومة بالكامل مسؤولية ما آلت إليه الأمور التي نشهدها حاليا، على اعتبار أن طبيعة الصراع، وإرادة التحرر، تفرض على الشعوب عبور الجسور الملتهبة للوصول إلى بر الأمان. وغني عن البيان أن الأطراف التي بيدها تخفيف الاحتقان المترتب على سياسات الاحتلال، وأخص بالذكر الولايات المتحدة، قد اتخذت موقفا متشددا من الفلسطينيين بعد فوز حماس في الانتخابات التشريعية. وأصبحت المراهنة على كسر الحصار، ووقف السياسات الإسرائيلية التي تستهدف الشعب والأرض والقضية، أمام طريق مسدود. بل إن النظام الدولي بأسره أصبح متواطئا بشكل أو بآخر مع السياسة الأمريكية والإسرائيلية. ولكن مع وجود أكثر من رؤية لمعالجة الوضع المتأزم، ومع تركيبة النظام الدولي والإقليمي بالغة التعقيد، فإن الخيارات تبقى محدودة، وقدرة أصحاب الخيار المقاوم على المناورة تبقى محكومة لاعتبارات مفروضة، في الغالب، من الخارج. والكلمة الفصل في العديد من الملفات، وبعيدا عن تسطيح الأمور، هي بيد حركة حماس، مع عدم التقليل من دور الأطراف الأخرى كافة في مجريات الأمور.. فملف شاليط، ابتداء، هو بيد حماس، رغم أن الكرة باتت في الملعب الإسرائيلي للاستجابة لشروط الإفراج عنه. ولكن يرتبط بهذا الملف أيضا ملفات أخرى عديدة. فوطأة الحصار التي تزايدت إثر أسر الجندي الإسرائيلي، واعتقال النواب والوزراء السابقين وقيادات حماس في الضفة دون محاكمة أو توجيه أي تهم ضدهم، كلها كانت تداعيات لهذه الأزمة. أما الملف الثاني، والذي لا يقل أهمية عن الملف الأول، فهو الانقسام الفلسطيني. فقد أدت الأزمة بين فتح وحماس إلى تصاعد في وتيرة التعقيدات التي ترتبت على أحداث غزة، وأوجد واقعا جديدا يتكرس كل يوم على الأرض على جناحي الوطن. المهم في الأمر أن الطرفين يتمترسان وراء مواقفهما، الأمر الذي أفشل كافة الوساطات الداخلية والخارجية، ودفع بالكثيرين إلى اليأس من إمكانية بدء الحوار بين الطرفين. وبالطبع، فإنه لا يخفى على أحد المخاطر التي يعيشها الشعب الفلسطيني جراء هذا الانقسام، بل المخاطر التي قد تنشأ على الأرض في الضفة وغزة مع مرور الوقت. ثم هناك ملفات أخرى لا يمكن التقليل من أهميتها، وبخاصة ملف الحصار على غزة، وملف معبر رفح على وجه التحديد. فهذه المسالة التي أشبعت بحثا وتحليلا على المستويين السياسي والإعلامي، باتت تؤرق الكثيرين، دون أن تتمكن أي من الوساطات من الوصول إلى مخرج أو تسوية لهذه الأزمة ترضي كافة الأطراف. وهناك ملف آخر، تجدر الإشارة إليه، وهو ملف التهدئة. فلا شك أن الصواريخ التي تسقط كل يوم على المستوطنات الإسرائيلية تسبب حالة من الغضب في الجانب الإسرائيلي، رغم أن الجيش الاسرائيلي لم يتوقف، ولو للحظة واحدة عن استهداف الفلسطينيين في غزة. وقد أصبح من الواضح أن إطلاق الصواريخ يمثل ورقة في يد حماس (كقوة مقاومة وحكومة في غزة) وبقية قوى المقاومة في أي تهدئة قادمة. ومن المهم هنا التأكيد على النقاط التالية، إذا أردنا فعلا الوصول إلى حلول للمشاكل المتفاقمة على الساحة الفلسطينية: أولا: يجب أن نرتقي بإدراكنا إلى المستوى الذي نشعر فيه بحجم المخاطر المحدقة بالقضية نتيجة العوامل الكثيرة، وعلى رأسها الانقسام الداخلي وتداعياته. وهذا الإدراك لا بد أن يكون مقدمة للسير قدما على طريق المصالحة الوطنية. نقول هذا الكلام لأننا نشعر وكأن القيادات السياسية لا تدرك، أو لا تأخذ في الحسبان، حجم التداعيات والمخاطر الستقبلية التي قد تترتب على استمرار هذا الوضع. ثانيا: وفي هذا السياق لا بد من التخلص من سيطرة المشاعر الذاتية والحزبية على التفكير، وبالتالي على القرارات. وهذا يستدعي بالضرورة التوقف عن أسلوب المناكفات السياسية المتبعة حاليا، وعن سياسة ردود الأفعال، الأمر الذي يدمر القدرة على التفكير السوي، ويحول دون اتخاذ القرارات بناء على أسس سليمة. ثالثا: على الصعيد الداخلي، لا يوجد غالب ومغلوب، ومنتصر ومهزوم. وهذا المفهوم قد يكون أكثر وجوبا تحت الاحتلال. ولذلك، فإن الاعتراف بالذنب فضيلة، والتراجع عن الأخطاء عين الحكمة. وما أكثر الأخطاء التي ارتكبت، وما تزال، من قبل الجميع دون استثناء. فغبار الأزمة التي عصفت بالقضية اتاحت للكثيرين ممارسة التجاوزات التي مرت بلا حسيب ولا رقيب. رابعا: الموازين الدولية، وحتى العربية، هي موازين مقلوبة. فلا يكفي أن تكون على حق لكي يقف العالم معك، ولا أحد يبكي على المظلوم والضحية في زمن غابت فيه القيم الإنسانية. وحصار غزة خير دليل على ذلك. بل إن استمرار المفاوضات في ظل تواصل الاستيطان لم يلق أي تثمين من قبل أمريكا وأوروبا، ولو توقفت المفاوضات بسبب الاستيطان لأصبح الفلسطينيون أعداءً للسلام، واتهموا بأنهم السبب الأساس في تعطيل مسيرة التسوية، وفقا للمعايير الدولية التي تفرضها أمريكا وحلفائها. خامسا: التفاهمات والاتفاقات التي وقعت عليها الفصائل الفلسطينية، ابتداء من اتفاق القاهرة، وانتهاء باتفاق مكة، هي إنجازات وطنية مهمة، تمثل أرضية صلبة للبناء عليها. والمؤكد هو أن الصراع الذي حدث بين فتح وحماس منذ فوز الأخيرة في الانتخابات التشريعية، لم يكن سببها خللا في تلك الاتفاقات، بل العكس هو الصحيح. فالممارسات ابتعدت عن نصوص الاتفاقات وروحها. بناء على كل ما تقدم، فإن انسداد الأفق في الوضع الداخلي الفلسطيني لا يمكن أن يستمر. والتعاطي مع التحديات الكثيرة لا يعقل أن تواجه بانقسام فلسطيني متواصل، وآخذ في التعمق. من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، أن يستجيب العرب لمطالب المقاومة الفلسطينية. وبالتأكيد فإن إسرائيل وحلفاؤها، الذين يسعون للقضاء على المقاومة، لن يتركوا فرصة لها كي تتنفس، أو تعيش في حالة انفراج. والتعامل مع هكذا واقع، يحتاج إلى درجة عالية من الحنكة السياسية والقدرة على المناورة. ينبغي البدء فورا بتفكيك حلقات السلسلة التي تلتف حول عنق الشعب الفلسطيني. ومن المهم أن ندرك أن تسليم مقرات السلطة في غزة (على سبيل المثال) بحاجة إلى ترتيبات بين حماس والرئاسة. والترتيبات تعني الحوار. كما أنه من المهم أن ندرك أيضا أن بدء الحوار لا يعني انتهاء الأزمة بين عشية وضحاها. فالحوار قد يستغرق أياما وأسابيع لتخفيف الاحتقان بين الأطراف المتنازعة. لقد آن الأوان لكي يبدأ الطرفان، فتح وحماس، بخطوات جادة، بعيدة عن روح العداء والمناكفة، باتجاه بعضهما البعض. ومن الضروري كذلك وضع آليات تفصيلية من شأنها جمع الطرفين على طاولة واحدة.. حماية لمشروع التحرر، وحفاظا على ما تبقى من هذه القضية.. قبل فوات الأوان. د. فريد أبوضهير قسم الصحافة جامعة النجاح الوطنية
اقرأ المزيد...
بقلم: ريما كتانة نزال
تاريخ النشر: 2018/7/23
بقلم: جهاد حرب
تاريخ النشر: 2018/5/12
بقلم: وكالة معا الاخبارية
تاريخ النشر: 2018/5/2
|