مفتاح
2025 . الخميس 29 ، أيار
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 

لا أعرف إن كانت الفرصة مواتية لكي نفكر في الشأن الفلسطيني ونقرأ أحداثه بطريقة أخرى أم لا، لكني أعرف أن التفكير الانفعالي في السياسة يضر ولا ينفع.

(1)

عندي أربع كلمات في الموضوع، الأولى أنني أستشعر غصة كلما وجدت أن الصحف “الإسرائيلية” تحتفي بما حدث على الحدود المصرية، وتحاول أن تعطي انطباعاً بأن مصر أصبحت تقف مع “إسرائيل” ضد “الإرهاب الفلسطيني”. حتى بلغت بها البجاحة حد دفعها إلى الإشادة بتصريحات وزير الخارجية أحمد أبو الغيط، التي قال فيها إن مصر سوف تكسر رجل من يكسر حدودها، معطية انطباعاً بأنه يقصد بذلك الفلسطينيين وحدهم، ولا يشمل “الإسرائيليين”. وهو انطباع يحتاج إلى بعض الجهد لتصحيحه، من خلال قراءة تضع كل حرف في مكانه الطبيعي.

وهو ما عبرت عنه عدة تصريحات مصرية رسمية صدرت عن وزير الخارجية المصري ذاته، اعتبرت أن الاحتلال هو المسؤول الأول عن كل ما جرى، وأن الحصار الوحشي هو الذي فجر غضب الجماهير على النحو الذي حدث.

من أسف أن الانفعال الانفعال الإعلامي الذي أطلق حالة من الهرج، تخللتها مزايدات عدة خلط الأوراق وضيع البوصلة، الأمر الذي كان صداه في “إسرائيل” على النحو الذي ذكرت.

لقد تعلمنا من دروس كثيرة أننا ينبغي أن نتوجس ونراجع أنفسنا حين نتلقى مديحاً من عدو لا يتمنى لنا خيراً، حتى شاعت عند جيلنا على الأقل مقولة خلاصتها أنك تستطيع أن تطمئن وأن ترضى عن أدائك، طالما ظل عدوك ينتقدك ويندد بك. أما إذا رضي عنك فإن ذلك يعد إشارة إلى أنك حدت عن الطريق المستقيم، وأن ثمة شيئاً “غلط” يتطلب مراجعة وتصويباً.

من هذه الزاوية، فإنني أزعم أن التعبئة الإعلامية الانفعالية في مصر بعثت بالرسالة الخطأ ل”الإسرائيليين”، حتى تصوروا أن إغلاق الحدود هو بمثابة تعاون مصري معهم في فرض الحصار حول قطاع غزة، في حين ان الموقف الذي أعلنه الرئيس مبارك واضح في أن مصر لن تسمح بتجويع الفلسطينيين.

بسبب من ذلك فإنني أزعم أن تصويب الانطباع الذي يحاول “الإسرائيليون” الترويج له بل إنه واجب الوقت أيضاً، يكون بالتفكير الجاد من جانب كل من يعنيه الأمر في مصر في كيفية فك الحصار على القطاع وإفشال عملية التجويع. وللعلم فإن ذلك الحصار يعد من الناحية القانونية جريمة حرب وإبادة جماعية. لأن “إسرائيل” المحتلة للقطاع هي المسؤولة عن سلامة أهله ورعايتهم غذائياً وصحياً وتعليمياً، حسب اتفاقية جنيف الرابعة، كما أن جريمة الإبادة حسب تعريف المادة السابقة (فقرة 2) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، تشمل “تعمد فرض أحوال معيشية جائرة من بينها الحرمان من الطعام والدواء”. وهذا النص وارد أيضاً في المادة 2 فقرة ج من ميثاق الإبادة البشرية لعام ،1948 وهذه المرجعية القانونية المهمة تعزز الجهد المصري لفك الحصار.

(2)

الرسالة الثانية تدعو إلى تطهير الذاكرة مما جرى خلال الأيام العشرة التي أعقبت اقتحام الحدود في 23 يناير/ كانون الثاني. لم أتحدث عن نسيان أو غفران، ولكني تحدثت عن تطهير الذاكرة، بمعنى تقصي حقيقة ما جرى بعيداً عن التراشق والضجيج الإعلامي. ذلك أنني تمنيت أن نتعامل مع ما حدث في ذلك اليوم بمنطق الأعذار وليس الإنكار، والاحتواء وليس الاستقواء. وإذا كان الذين دخلوا عبر الحدود قد وصل عددهم إلى عدة مئات من الآلاف، خمسة أو ستة أو سبعة، فإن أي شخص سوي لا بد أن يتصور أن بين هؤلاء أخياراً وأشراراً وصالحين وطالحين وعقلاء وحمقى. ولا يخلو الأمر من اندساس عناصر لا تضمر خيراً لمصر وللفلسطينيين.

لقد قيل كلام كثير عن مقاصد الذين اقتحموا الحدود، فتحدث وزير الخارجية المصري عن انفجار شعبي وتحدثت بعض الأبواق الإعلامية عن مؤامرة، كما قيل كلام آخر عن هوية الفلسطينيين الذين دخلوا، وعن اعتداء أعداد منهم على قوات الأمن المصرية. وترددت أخبار أخرى عن تسلل بعض العناصر المسلحة. ولوحظ في تلك الأخبار أنها أذيعت عبر الصحف، ولكن لم تصدر بها بيانات رسمية، كما تحدثت تلك الأخبار الصحافية عن اتصالات هاتفية بين قيادات حماس في الخارج وقيادات الإخوان في الداخل، ونسبت تصريحات إلى رموز قيادية في غزة جرى بثها عبر بعض المواقع الإلكترونية. وما أثار انتباهي أن قيادات حماس كذبت ما نسب إليها ونفت مسؤوليتها عن التصرفات والممارسات السلبية التي وقعت على الحدود. ورغم أن تلك المرحلة تم تجاوزها الآن، إلا أنه لا ينبغي تجاهلها. ولذلك دعوت في أكثر من مقام ومناسبة إلى ضرورة تشكيل مجموعة عمل مستقلة من الطرفين لتقصي حقيقة ما حدث خلال تلك الفترة، بحيث يدان أي تصرف سلبي يثبت بحق حركة حماس، ويحاسب كل مسؤول عن خطئه. وبغير التدقيق فيما جرى والتثبت من صحة الوقائع وهوية المسؤولين عنها، فإننا سنظل ندور في حلقة مفرغة، ونتحدث عن شائعات وادعاءات ودسائس باعتبارها حقائق، وتستفزنا تصرفات لا نعرف إن كانت عفوية أو متعمدة. في هذه الحالة فإن الجرح لن يندمل، لأننا سنحاول إغلاقه على ما فيه من تقيحات ومرارات، في حين أن استجلاء الحقائق وحده الذي يمكن أن يطهره أو يسمح له أن يندمل في أمان.

لقد تمنيت أن نتقصى حقيقة ما جرى في غزة في منتصف يونيو/ حزيران الماضي، وهو ما وصفته رئاسة السلطة بأنه “انقلاب”، وشاع ذلك الوصف في أغلب وسائل الإعلام، في حين أن رئاسة الحكومة المنتخبة في غزة اعتبرته إجراء حازماً من جانبها لوقف تمرد الأجهزة الأمنية التي عملت طول الوقت على شل حركة الحكومة وإشاعة الفلتان الأمني في القطاع، ولم يكن لا ضد رئاسة السلطة ولا ضد حركة فتح. لكن تلك الدعوة لم تجد أذناً صاغية، الأمر الذي أوصل الأمور إلى ما وصلت إليه من شقاق.

(3)

الكلمة الثالثة تنصب على الموقف العربي من الشقاق الفلسطيني. ذلك أننا لا نكاد نلمس جهداً جاداً لرأب ذلك الصدع الخطر. صحيح أن ثمة دعوات في ذلك الاتجاه أطلقت من القاهرة والرياض، واتصالات قامت بها القيادات اليمنية والقطرية والسودانية، لكن الأمر لم يتجاوز تلك الحدود. وهو أمر مستغرب لأننا إذا قارنا ذلك الموقف العربي من هذه الأزمة بالجهد المضني الذي يبذله الأمين العام لجامعة الدول العربية للتوسط بين الفرقاء في بيروت، سنجد أن الأمر يمثل مفارقة لافتة للنظر ومثيرة للدهشة. فعمرو موسى ذهب ثلاث مرات إلى هناك بتكليف من وزراء الخارجية العرب، وفي كل مرة كان يمضي عدة أيام متنقلاً بين زعماء الطرفين آملاً في التوفيق بينهما، مع ذلك فإننا لا نكاد نجد عشر معشار ذلك الجهد في ما يخص الشأن الفلسطيني، رغم التشابه الشديد بين الحالتين. فالصراع هناك بين فريقين كل منهما له شرعيته، إذ له نوابه في المجلس التشريعي وتمثيله في الحكومة، والتعارض بين الطرفين قائم في الرؤية السياسية وفي المشروع الذي يتبناه كل منهما. وإذا كانت الأكثرية في البرلمان اللبناني لفريق 14 آذار الذي يقوده سعد الحريري، فالأكثرية في المجلس النيابي الفلسطيني لممثلي حركة حماس. والقوى الدولية التي تتحرك في لبنان هي ذاتها التي تتحرك في فلسطين، لكن الفرق الأساسي أن “إسرائيل” طرف مباشر في الملف الفلسطيني في حين أنها طرف غير مباشر في الشأن اللبناني. وهذا التشابه في الحالتين جعل بعض اللبنانيين يشيرون إلى استنساخ سلام فياض ومحمد دحلان في بيروت باعتبارهما يمثلان رموز وحسابات تيار 14 آذار، في مقابل إسماعيل هنية والدكتور الزهار، اللذين يمثلان المعاكس في جماعة 8 آذار.

إن كوفي أنان الأمين العام السابق للأمم المتحدة يتوسط الآن في كينيا بين الرئيس كيباكي وزعيم المعارضة أو دينجا، ويعرض تقاسم السلطة بينهما لإخراج البلد من أزمتها. وليبيا والكونغو تتوسطان الآن بين الرئيس المنتخب إدريس ديبي ووالجنرال محمد نوري زعيم حركة التمرد. وهناك من يتوسط بين حكومة الخرطوم وقادة التمرد في دارفور، كما أن مبعوثاً دولياً أرسل للتوسط بين حكومة العسكر في ميانمار وبين زعيمة المعارضة هناك أوانج سو، في كل هذه النزاعات والصراعات الداخلية لم يقف الجميع متفرجين، وإنما تدخل الوسطاء وسعوا إلى تقريب وجهات النظر للاتفاق على حلول وسط.باستثناء الازمة بين حماس ورئاسة السلطة الفلسطينية، التي تشبث فيها أبو مازن بموقفه الذي أراد أن يفرضه على الطرف الآخر، بما يؤدي إلى إلغائه وطرده من الساحة السياسية، من خلال شروط تعجيزية لا تصلح لإدارة أي حوار سياسي. وهو ما يطرح أكثر من سؤال حول دوافع ذلك الاستقواء. وأسباب الصمت العربي والاكتفاء في المشهد الفلسطيني بموقف المتفرج والمراقب فقط.

(4)

الكلمة الرابعة والأخيرة تتعلق بالقراءة “الإسرائيلية” لما جرى في غزة، التي عبرت عن درجة من القلق والذعر جديرة بالرصد والانتباه. ذلك أنهم أخذوا على محمل الجد الانفجار الشعبي في القطاع، واعتبروه مقدمة لتهديد استراتيجي لهم. إذ كان السؤال الذي شغل دوائر التخطيط الاستراتيجي لديهم هو: ماذا لو اتجه ذلك الطوفان من غزة شرقاً وشمالاً إلى شمال فلسطين، خصوصاً أن 80% من سكان غزة البالغ عددهم مليوناً ونصف مليون نسمة هم من اللاجئين الذين طردوا من جنوب فلسطين، ولا يزالون يترقبون موعدالعودة إلى ديارهم، وهو ما يذكرنا بقول موشي ديان للمستوطنين في “ناحال عوز” على حدود القطاع، حين زارهم في عام 1956: أن بندقيتكم فقط هي التي تحميكم من أولئك اللاجئين الذين يتحينون الفرصة الملائمة للقفز عبر الأسلاك الشائكة، فلا تسقطوا سلاحكم ولو للحظة”، وهي ذات الملاحظة التي أبداها في عام 1967 ليفي اشكول رئيس الوزراء “الإسرائيلي” لاسحاق رابين رئيس الأركان آنذاك، حين سأله ماذا تفعل إذا زحف علينا أولئك اللاجئون أفواجاً أفواجاً، وكان رد رابين هو: سنقتل مئات منهم وذلك كفيل برجوعهم.

هذه التساؤلات رددتها الكتابات “الإسرائيلية” مؤخراً. فقد كتب اليكس فيشمان في “يديعوت أحرنوت” (عدد 27/1) يقول: ما حدث في غزة تطور تاريخي. إذ ما الذي يمنع حماس من أن تسير آلاف الفلسطينيين نحو حدود “إسرائيل”، التي تحولت إلى لاعب ثانوي في الوقت الراهن، بعدما انفجر الدمل في رفح فجأة، وخرج كل شيء عن السيطرة.

في الوقت نفسه كتب زئيف تسحور في “يديعوت أحرنوت” قائلاً: الاقتحام التالي سيكون باتجاه “إسرائيل” في اليوم الذي ينفذ فيه مخزون المياه بالقطاع (لأنهم سرقوها). وهم يعلمون أن مصادر المياه تقع خلف الجدار. وإذا ما حدث ذلك فإن كل مخزون السلاح لدى “إسرائيل” سيكون عديم القيمة أمام الكتلة الإنسانية التي تتحرك بتصميم من ينعدم لديه البديل.

تسيفي برئيل في “هآرتس” (27/1 أيضاً) كتب يقول: من اعتقد أنه يمكن توجيه الضربات حتى الثمالة لشعب بأكمله، ومنع مقومات الحياة عنه بأمل إحداث عصيان مدني ضد حماس هو الذي فقد السيطرة على المعبر. لقد برهنت حماس على أن حكومة أولمرت وباراك مجرد أدوات خاوية.. وما حدث في غزة ليس مجرد اختراق للجدران، وإنما هو تغير استراتيجي جرد السياسة “الإسرائيلية” من ملابسها هل يساعدنا ذلك كله على أن نفكر في الأمر بطريقة أخرى؟

 
 
اقرأ المزيد...
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required