إن الإعلام الفلسطيني في هذه الأيام وبكل مرارة وأسف يشكل قوة احتكاك معاكسة للجاذبية الفطرية التي تدحرج الجسم الفلسطيني وتشده للأرض الفلسطينية ، وجعلت من مسار النضال سطحاً خشناً يعيق تدحرج الجسم الفلسطيني نحو الأرض ، بل أوقف تدحرجه بنتوءات أحدثها الإنقسام الجغرافي والديمغرافي المشؤوم شؤم من تسبب به أيّاً كان انتماؤه وهويته ، وقطع الحبل الذي يشد الجسم نحو الأرض نظراً للشد المتبادل بين قطبيه الرئيسيين ، مما حدا بالمشاهد الفلسطيني والعربي الى التوجه الى القنوات الفضائية غير الفلسطينية ليتتبع أخبار القضية في كل مناحيها الداخلية والخارجية ، بل يشفِّر القنوات الفلسطينية والتي تعبر عن وجهة نظر مالكيها وانتماءاتهم ومواقفهم ، لكي ينأى الإنسان الفلسطيني بنفسه عن جلد الذات الفلسطينية ، وتجنب الإساءات المتبادلة بين قطبي هذا الإعلام ، (الفضائية الفلسطينية وقناة الأقصى) ، فقد عملت القوتان الرئيسيتان اللتان تحكمان الأراضي الفلسطينية الى التنافر في اتجاههما وبالتالي تحول شد الحبل الذي يدفع بالجسم الفلسطيني الى الأرض بقوتيه الرئيسيتين الى شد حبل متبادل بين تلك القوتين ، مما أدى بالمحصلة التي تجر الجسم نحو الأرض الى الإضمحلال والتلاشي الى قيمة الصفر. وأحدث هذا الشد المتبادل نتوءات في السطح الفلسطيني تعيق قوة الجاذبية الفطرية للإنسان لوطنه ، وبدا السطح الفلسطيني لمؤيديه ومسانديه سطحاً مموجاً محفراً متعرجاً بالخطايا بعد أن كان سطحاً مصقولاً ينبعث منه النور الذي يسر الناظرين وعليه فقد أساء الإعلام الفلسطيني المرئي لقضيته ولشعبه وأصبح عبئاً عليها وعلى الشعب ولا يستحق المشاهدة ولا ما ينفق عليه من أموال. لماذا؟ لقد أحدث الفرقة ورسختها بين أبناء الشعب الواحد بين مؤيد لهذا الفريق ومعارض ، ومؤيد لذاك الفريق ومعارض وبالتالي ضلل الأجيال الحالية والتي ستعكس هذا التضليل على الأجيال القادمة بتشكيكها بفصائلها وحركاتها ومسيرة نضالها بالحرب الإعلامية المتبادلة بين الخصوم وأفقدها الثقة في نفسها وفي قيادات فصائلها وفي تاريخها وموروثاتها من الثورات السابقة المتلاحقة لقد أفقد المساندين والداعمين والمؤيدين للنضال الفلسطيني ثقتهم بهذا النضال في مجرياته الحالية وحدا بهم لوقف الدعم والمساندة متعذرين بأنهم لن يدعموا هذا النضال الذي أصبح يأكل بعضه بعضا.ً لقد انحصر الإعلام الفلسطيني في تسليط الضوء على الإنقسام والتشرذم الحاصل وذلك ببث كل فريق الإشاعات والتهم للفريق الآخر المقابل بتسببه بالإنقسام وخاض في معارك داخلية وفقد الإستقلالية والحيادية التي ينشدها كل أفراد المجتمع الفلسطيني لقد غيَّبت القنوات الفلسطينية الحقائق عن المشاهد بعدم اعتراف كل فريق بخطئه وخطيئته وعدم اعتماد اسلوب النقد الذاتي الذي يهذب حد الإعلام ليكون صارماً في عرض الحقائق مهما كانت مرارتها ووقعها إن قناة كل فريق لا تستضيف إلاّ مؤيديها والمتشددين في الدفاع عن تصرفاتها بغض النظر عن كونها خاطئة أو مصيبة وبالتالي أفقد المشاهد إمكانية الوقوف على الحقيقة ، وعدم التحلي بالمصداقية التي ينشدها المشاهد. إن نشرات الأخبار تعيدنا بالذاكرة الى نشرات الأخبار العربية عند بداياتها ، تركز على جدول أعمال القائد أو الرئيس أو الأمين العام...الخ ومقابلاته ونشاطات الأعضاء وخطبهم العصماء في مقدمة نشراتها وتنسى الأخبار العالمية لتوردها في ذيل النشرة وبالتالي انحصر المشاهدون في عائلات أبطال هذه النشرة الإخبارية التي يغلب عليها صفة المحلية. إنَّ كل قناة تركز في برامجها على أولويات أجندتها الخاصة بها متناسية الأجندة الوطنية وهموم المواطن ومشاكله ومشاكل القدس وما يحاك حولها من مؤامرات وتهويد. حصر كوادر الإعلام بقوىً بشرية مؤيدة ومتعصبة لكل فريق بغض النظرعن كفاءتها وأهليتها شكلاً ومضموناً لهذا الدور الهام في رفد المعركة الشرسة التي نخوضها ضد عدو بارع ومتفوق في هذا المجال. وتناست القناتان الكفاءات من بقية الشعب ومن المستقلين والحكماء والمهرة وعدم استقطاب المواهب الفلسطينية التي تزخر بها القنوات الفضائية العربية. تكرار الوجوه المستضافة والمستضيفة على القنوات مما يؤدي الى الملل والضجر من المشاهد حيث يتم إعادة الأفكار وتكرار محتواها من نفس الضيف وتكرار نفس الأسئلة من المضيف مرة ومرة ومرة الى درجة ممجوجة ومتوقعة لدى المشاهد الذي يقلب عنها باحثاً عن موضوع آخر في قناة أخرى. غياب الصفة الوطنية الحيادية التي ينشدها المواطن وغياب النقد والنقد الذاتي وعدم استضافة المستقلين من الشعب للإدلاء بآرائهم حيال الأوضاع الحالية وغياب الإستفتاءات النزيهة للمواطنين. وفوق هذا فإن فرسان القوتين الرئيسيتين يتقابلون في حوارات متعاكسة ومتضادة ومفتوحة بكل أبوابها من تبادل للإتهامات وأحياناً الشتائم على القنوات العربية لنشر الغسيل الفلسطيني في الساحات العربية ، وتبيان الجانب السلبي من الساحة الفلسطينية ، والتغطية على كل الجوانب الإيجابية منه ، ويتعاركون ويتصارعون لملء الفراغ في القنوات العربية للإجابة على الإسئلة المستفزة من مذيعي القنوات العربية التي تؤدي الى قذف وإرجاع المرتد من الأحشاء والدواخل الموبوءة بداءِ الإنقسام والخلافات الى الخارج وأمام المشاهدين وعلى طاولة الحوار. من هنا لا بد من أن يبادر كل فصيل أو حركة إصدار تعليمات لكوادره بعدم المشاركة في حوارات الردح والإتهامات المتبادلة التي أساءت لكل فلسطيني ، وأن تختار الحركة أو الفصيل ناطقاً إعلامياً لبقاً ولائقاً بثقافة هذا الشعب وكفاءاته التي ساهمت في بناء الإعلام العربي وتطويره ليكون منافساً. فبعض الناطقين الرسميين بدون ذكر اسماء يظهر بتكشيرة تنفر المشاهد ، وبلسانٍ مغموسٍ بالقار ومياه النار لا يصدر إلاّ التهم بالمؤامرات والتكفير لشخصيات فلسطينية تاريخية ، لدرجة تشعر معها أنه يقذف رصاصاً لا كلاماً على أخيه الذي يقابله في الحوار وكأنه يحاور يهودياً قتل أباه أو أخاه أو ابنه ظلماً. ظانّاً نفسه أفلاطون أو تشي غيفارا أو شيخ الإسلام ابن تيمية أو أحد صحابة رسول الله ، في حين أنه طبل فارغ لا نسمع منه إلاّ الطرقعة والفرقعة والتنفيس ، تماماً كالشخص النهم الجائع الذي يُدخل الى معدته طعاماً فوق طعامٍ مختلفٍ عنه دون طحنهما جيداً بأسنانه فينتفخ ويتخم فتتوالى ردود الأفعال الكيميائية والصوتية على فعله الخاطيء من الأعلى والأسفل. إن اختلافنا على منابرالإعلام ونحن أصحاب قضية واحدة ذكرني بأغنية لمحمد عبده تقول " إختلفنا مين يحب الثاني أكثر" وأنا أقول بالمناسبة "اختلفنا مين يْسِبّ الثاني أكثر" نحن ندرك قلة الإمكانيات المادية لتنشيط الجانب الأعلامي والرقي به لرفد النضال الفلسطيني ليكون في مستوى القضية المقدسة ، ولكننا لا نستوعب إهماله الى هذا الحد من الهبوط في الأداء ، والسماح له بالإنحدار الى هاوية الإنقسام الذي حصل ، فبتلك الإمكانيات المتوفرة نستطيع أن نوصل الرسالة لتعبر عن قداسة قضيتنا بمستوى المضمون الراقي كرقي إنساننا والذي يتقبله المشاهدون من الناس ، وذلك بالبعد عن ترسيخ الظاهرة السيئة التي اعترت نضالنا في تلك الفترة ، وإن فرضت علينا الإتفاقيات مع العدو شروطاً تُحِدُّ من إظهار عدالة قضيتنا وتبين جنوحنا للسلم الذي لم يتحقق ، فلماذا نوافق عليها دون أن نفرض شروطاً مقابلة على العدو للإلتزام بها بعدم إظهارنا بصورة إرهابية أمام العالم ، ولماذا نسمح بتلك الشروط وتطبيقها علينا فقط ، ونحن ما زلنا تحت الإحتلال لم ننل حريتنا واستقلالنا.والعدو يمزق الإتفاقية تلو الأخرى وينقلب عليها حسب ظروفه التي تخدم مصالحه. ولماذا يحاسبنا العدو على إبداء التمسك بحقوقنا في فلسطين ولا نحاسبه على ممارساته الإعلامية المضللة للمشاهد عنا وعن قضيتنا. إذن العيب فينا أولاّ بنسبة عالية ، وثانياً من العدو بنسبة منخفضة ، ولو أصلحنا عيبنا وجزءاً من تدخلات العدو في إعلامنا لكان إعلامنا بخير ، فلنتوقف عن المناكفة المتبادلة وعن ترسيخ الإنقسام وتبادل التهم والإشاعات وجلد الذات ، فسيحترمنا العالم أولاّ والعدو ثانياً. فلنرتق بإعلامنا الى قداسة قضيتنا وعدالتها ، ولنتوقف فوراً عن جلد ذاتنا لكي لا نسمح للآخرين بجلدنا ، ولنطرد هذا الهوان الذي يلف إعلامنا لكي لا نُهان كما قال الشاعر: من يهن يسهل الهوان عليه ما لجرحٍ بميِّت ايلامُ يبدو أن إعلامنا في حالة الموت ، وبالتالي استهوانا الهوان الإعلامي واندفعنا نحوه لعدم شعورنا بألمه الذي يجلدنا بسياطه وكأنه الجلد على صخرة فاقدة للمشاعر،لا تشعر بالألم ، ولم نعد نفرق بين النافع والضار فيه. فغرقنا بوحل ضرره ولا نستطيع الوصول لنفعه. وحتى نكون منصفين ، فهنالك جوانب ايجابية في الإعلام الفلسطيني ، وهي متنحية أمام الجوانب السلبية السائدة ، ومن أهمها رؤية الأراضي الفلسطينية ومعالمها من خلال القنوات وبعض برامج التراث والقضايا الإنسانية للأسرى وذويهم. فحبذا لو أن كلا القناتين في كل يوم تثبت على شاشتها صورة لمَعْلَمٍ فلسطيني بالتتالي وتسكت.
اقرأ المزيد...
بقلم: ريما كتانة نزال
تاريخ النشر: 2018/7/23
بقلم: جهاد حرب
تاريخ النشر: 2018/5/12
بقلم: وكالة معا الاخبارية
تاريخ النشر: 2018/5/2
|