بعد أيام قليلة يكون قد مضى ثمانية أشهر على انقلاب حركة حماس على الشرعية الفلسطينية، وعلى أسس النظام الديمقراطي الذي سهل لها الدخول وبدون شروط مسبقة إلى المشاركة فيه. ومع مرورالوقت حاولت قيادة حركة حماس تكريس واقع السيطرة على القطاع، ليس عسكرياً فحسب، وإنما إعطاء هذه السيطرة أبعاداً قضائية وقانونية وتشريعية عبر تشكيل مجلس للقضاء الأعلى، واستمرار عقد جلسات بمن حضر من أعضاء المجلس التشريعي من كتلة الحركة في قطاع غزة، تحت بدعة التفويض من الأعضاء المعتقلين، وبذا تكون الحركة قد خطت خطوات عملية، نحو تكريس واقع استقلالي ولو نظرياً عن السلطة الشرعية في الضفة الغربية وخلق كيان جغرافي وسياسي مواز لما هو قائم هناك، وبالتالي فإنها تنزع إلى المزاحمة على الشرعية وحصرها في حكومة الأمر الواقع الانقلابية التي لم يتبق منها سوى أربعة أفراد مع رئيسها . حكومة الأمر الواقع وباعتبارها انتزعت السلطة بالقوة وسيطرت على إقليم من الوطن وبموجب القوانين والأعراف التي تفرضها مثل هذه الحالات في الحروب والاحتلالات والانقلابات ينبغي عليها ان تمارس صلاحيات تحملها المسؤولية القانونية عن أفعالها رغم أنها تعتبر سلطة غير شرعية، ورغم ذلك فإن حركة حماس تسعى من جهة لتكريس سلطة الأمر الواقع تدريجيا،ً وإعطائها الصبغة القانونية والإدارية من خلال ممارسة الصلاحيات والمسؤوليات، ومن جهة أخرى فإنها تطالب السلطة الشرعية بتحمل مسؤولياتها عن الإقليم الذي تسيطر عليه بتأمين الاحتياجات الضرورية الحياتية والاقتصادية وتمويل الرعاية الاجتماعية ودفع رواتب لموظفيها، أي بمعنى آخر ان سلطة الانقلاب تريد من السلطة الشرعية تمويل الانقلاب وتحمل تبعاته كافة، في حين ان سلطة الأمر الواقع ومن خلال الاتجاهات المتطرفة فيها تفرض واقعاً سياسياً، تطمح من خلاله إلى الاعتراف به واقعاً سياسياً، يمكن ان يكون مقدمة لقيام الدولة الدينية في القطاع كمقدمة لاستنهاض مشروع الإسلام السياسي في المنطقة وأسلمة المجتمع والدولة فيه. ومع مرورالوقت تزداد الهوة اتساعاً بين شطري الوطن خاصة وان الأطراف الأخرى الفاعلة إقليمياً ودولياً أصبحت ذات تأثير بالغ في التأثير على صنع القرار لدى قيادة الحركة في إطار ما يسمى محور الممانعة العربية الإيرانية، والذي يدخل في تصادم مع الولايات المتحدة الأمريكية حول قضايا إقليمية بدأَ من الملف النووي، والاستقرار في العراق، ونفط الخليج والغاز الطبيعي لآسيا الوسطى، إلى ترتيبات الوضع في لبنان وأزمة انتخاب الرئيس، والمحكمة الدولية الخاصة باغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، محور الممانعة هذا لا يرى مصلحة مباشرة في حلحلة الوضع في قطاع غزة دون معالجة للمشكلة الإقليمية بتداعياتها وأبعادها المختلفة، باعتبار غزة ورقة من أوراق القوة والمفاوضة، وبالتالي فإن حركة حماس وفي إطار هذا التحالف ترى إنها وفي سياق هذا الحل الإقليمي الشامل، إما أن تستطيع انتزاع مكاسب اكبر في إطار النظام السياسي الفلسطيني يضمن لها الاعتراف الإقليمي والدولي ضمن الصفقة الشاملة، وبما يمكنها لاحقاً من السيطرة المطلقة عليه، أو أن حلولاً إقليمية دولية قد تتجه نحو تفتيت المنطقة وبما يتلاءم والمصالح الإسرائيلية والأمريكية تجد الحركة وفي إطار هذا الحل أنها جاهزة لتكريس سيادتها ونقلها من سلطة الأمرالواقع إلى سلطة مقبولة ومعترف بها في ظل شروط وظروف تسمح لها بالبقاء وفق معادلة ما يسمى بالإسلام السياسي المعتدل الذي يلعب دوراً ترويضياً للأطراف الأخرى المتطرفة . لكن أيا كانت الخيارات التي تراهن عليها قيادة حركة حماس في إطار الحل الإقليمي والدولي فإنها جميعها تضرب في الجوهر المشروع الوطني التحرري الذي قامت عليه الحركة الوطنية الفلسطينية منذ خمسينيات القرن الماضي وتبلورت صيغته في إطار م.ت.ف التي انتزعت وحدانية التمثيل وعلى قاعدة برنامجها بالعودة، وتقرير المصير، والدولة المستقلة وعاصمتها القدس على الأراضي الفلسطينية التي احتلت في حزيران عام 1967. ان تقويض الأساس المادي والمعنوي للمشروع الوطني وهو وحدة الأرض والشعب والقضية سوف ينهي هذا المشروع ويحوله إلى حل إقليمي يسهل للاحتلال فرض سياسة الأمر الواقع في الضفة الغربية، بابتلاع ما يمكن ابتلاعه من أراضيها وفقاً لخارطة جدار الفصل العنصري، وتهويد مدينة القدس والسيطرة عليها، وتجاوز الأساس القانوني الدولي لقرارات الشرعية الدولية التي راكمها شعبنا بنضالاته لضمان حقوقه بالعودة وتقرير المصير والدولة المستقلة . ان مخاطر استمرار حالة الانفصال والخشية من تكريسه واقعياً مع انسداد أفق العملية السياسية مع إسرائيل وتذرعها بالانقلاب في قطاع غزة وعدم سيطرة السلطة الشرعية عليه، علاوة على عدم جدية او/و رغبة وقدرة الإدارة الأمريكية على تنفيذ تعهداتها في مؤتمر أنابولس، يولد ظروفاً قد تكون مواتية أكثر من أي وقت مضي لاختيار الحل الآخر، وهو خيار التفتيت الذي يصب بطريقة او بأخرى في صالح مشروع حركة حماس بالانفصال بقطاع غزة عن الضفة الغربية . لذا وانطلاقاً من المصلحة الوطنية العليا وفي ضوء المأزق الوطني الراهن، فإن معالجة الوضع الداخلي ينطلق أساساً من الحفاظ أولاً على وحدة الشعب والأرض والقضية، وثانياً اشتقاق أفق جديد يتطلب وقبل كل شيء معالجة سياسية مع حركة حماس تنطلق هذه المعالجة، من مخاطر التهديدات العسكرية الإسرائيلية لتوجيه ضربة قوية لقطاع غزة تستهدف البنية الاقتصادية والاجتماعية فيه، بما في ذلك بنية حركة حماس وبما فيها القيادية، بغية إضعافها وتخفيض سقف توقعاتها اللاحقة في أي حل إقليمي دولي قد يكون معروضاً عليها .وقد يشكل الاتفاق على إدارة المعابر وليس معبر رفح فقط وفقاً لاقتراح الحكومة الفلسطينية ووضعها تحت سيطرة الرئاسة مدخلاً لتراجع حركة حماس التدريجي والفعلي عن انقلابها، ويحررها من قيود الضغوط الداخلية الناجمة عن أزمة الحصار لأنها لن تستطيع تصديرها ثانية على حساب مصر، وكذلك من الضغوط الخارجية من إطار تحالف الممانعة ومصالحه التكتيكية . هذاالمدخل قد يولد مناخاً من الثقة يقود إلى بحث تفصيلي في كافة القضايا الأخرى وصولاً، لتشكيل حكومة انتقالية من المستقلين تهيئ المناخ لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية مبكرة، وهذه الانتخابات قد تسحب الاعتراضات الأمريكية الإسرائيلية المسبقة على عودة الحوار مع حركة حماس، خاصة إذا أخذت الحركة مبادرة سياسية تنسجم مع الشرعية العربية بالموافقة على مبادرة السلام العربية. ان خطوات انتقالية وتدريجية تتطلب جرأة من قبل القيادة السياسية لحركة حماس واستعداداً من قبل القيادة الشرعية لاستيعاب ومعالجة الانقلاب وذيوله بحل سياسي يضمن مشاركة حركة حماس في النظام السياسي الفلسطيني انطلاقاً من الشراكة فيه، ولكن على قاعدة الإقرار وقبل كل شيء بالأسس والمبادىء الديمقراطية التي تحرم استخدام القوة والعنف لحسم الخلاف السياسي، وانتهاج الديمقراطية وسيلة لانتقال وتداول السلطة بشكل سلمي. إن الخيارات تضيق مع مرور الوقت أمام الفلسطينيين، وقد تكون فترة الأشهر الثمانية الماضية كافية لإقناع كل ذي عين بصيرة ان استمرار الحال كما هو ليس سوى وصفة لضرب المشروع الوطني وتصفيته وتبديد تضحيات شعبنا لأكثر من نصف قرن صنعته ثورته المعاصرة .
اقرأ المزيد...
بقلم: ريما كتانة نزال
تاريخ النشر: 2018/7/23
بقلم: جهاد حرب
تاريخ النشر: 2018/5/12
بقلم: وكالة معا الاخبارية
تاريخ النشر: 2018/5/2
|