يتزايد الشعور بعبث المفاوضات مع اسرائيل في ظل استمرارها في بناء المستوطنات، التحدي الاسرائيلي وصل الى ذروته في الاعلان عن الموجة الجديدة من الوحدات السكنية المنوي اقامتها في القدس الشرقية. اسرائيل من خلال هذا التحدي الصلف بدأت فعلياً "بفصل" الاستيطان في القدس الشرقية عن الاستيطان في الضفة وهي بذلك ستفصل البحث حول مستقبل المدينة المقدسة على مقاسها ووفق رؤيتها وبحيث تتحول الاحياء الفلسطينية فيها الى جزر معزولة مقطعة الاوصال تماماً كما هي مقطعة اوصال الضفة وتماماً كما تحول المستوطنات القائمة فيها دون تواصلها (الضفة) وتماماً كما يخطط للضفة يخطط للقدس الشرقية بحيث ستتحول صعوبة التواصل (واقعياً) الى "سبب" للضم وسبب لمزيد من تقطيع الاوصال وبحيث تتحول السيادة الفلسطينية الى مجرد شكليات "سيادية" ورموز للتواجد بدل التواجد الفعلي. في ظل هذا الصلف الاسرائيلي تتحول المفاوضات الى عبءٍ ثقيل على الجانب الفلسطيني وذلك بالقدر الذي تتحول فيه واقعياً من شكل للصراع الى غطاء لتكريس سياسة الأمر الواقع. على الجانب الآخر يتزايد الشعور بأن اطلاق الصواريخ هو ايضاً قد تحول من اداة للصراع الى عبءٍ ثقيل لأن الثمن الذي يدفعه الشعب الفلسطيني على مختلف الصعد والمستويات وفي كل الاحوال والمجالات اكبر من اية مكاسب آنية او آجلة وأصبح التمسك بهذا الشكل من الصراع نوعاً من استحضار الدمار والاغتيالات ومن الحصار والتدمير وربما الاجتياحات الكبيرة. ويتزايد الشعور بأن اسرائيل المغرقة في سياستها العدوانية والعنصرية (حتى بدون الصواريخ) اصبحت تتذرع بهذا السلاح البدائي البسيط للحديث عن "ارهاب" الفلسطينيين وعدوانهم على المدنيين الأمنيين في اسرائيل وأن اسرائيل لا تقوم الا بما يمليه عليها واجب الدفاع عن نفسها وعن مواطنيهاا وهي بذلك تحارب اكبر عملية خداع في التاريخ المعاصر للصراع. ان يتم حصار الشعب الفلسطيني باسم "عدوانه" على اسرائيل فهذه خطيئة من الكبائر وان يتم استمرار التفاوض معها في ظل استمرار قضم القدس وعزلها وتكريس الوقائع التي ستطيح بكل الاهداف والحقوق الفلسطينية فهذه خطيئة مساوية للخطيئة الاولى ان لم تكن اشد فتكاً بالمشروع الوطني. الاستنتاج الرئيسي هنا هو حل الأزمة الوطنية والمبادرة المطلوبة للتصدي لها ومعالجتها باتت تتطلب اولاً وقبل كل شيء استراتيجية وطنية فلسطينية لضبط المفاوضات وضبط المقاومة بما يحول دون استخدام اسرائيل لهما وبما يمكن الشعب الفلسطيني من توظيفها في خدمة المشروع الوطني. ولا تستطيع اية مبادرة ان تتصدى بشكل ناجح للأزمة الوطنية وأن تقدم اسساً صلبة لمصالحة وطنية دون معالجة جذور الأزمة ونتائجها وبهذا الصدد فإن اصلاح منظمة التحرير الفلسطينية وتكريسها كمرجعية وطنية عليا ووضع القواعد الناظمة لعلاقة المنظمة ودورها ومكانتها من النظام السياسي الفلسطيني وخصوصاً لجهة علاقتها (المنظمة) بالسلطة الوطنية الفلسطينية بات أمراً ضرورياً بما في ذلك دراسة الاسس والقواعد الناظمة التي تضمنتها اتفاقات القاهرة ووثيقة الوفاق الوطني واستخلاص الدروس والعبر واعادة بناء هذه القواعد والاسس من وحي هذه الدروس والعبر. كما لا تستطيع اية مبادرة ان تكون فعالة ومؤثرة دون ان تعيد للمجتمع الفلسطيني اسسه الديمقراطية في حياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية بعد كل ما لحق بهذه الاسس من تصدعات خطيرة ادت فيما ادت اليه الى استخدام العنف والحسم العسكري والاستيلاء المسلح على السلطة في غزة وتراجع كبير من منسوب الحريات العامة ومحاولات متجددة لفرض اساليب سلطوية في مواجهة حرية التعبير، والتظاهر وغيرها من مظاهر الديمقراطية المطلوبة. وهنا لا يمكن لأي مبادرة ان تجد طريقها الى النجاح دون تراجع حركة حماس عن سلطة الأمر الواقع التي فرضتها في غزة بقوة السلاح وخارج اطار مبادئ العلاقات الوطنية وتاريخ تعايشها ووحدتها في معركة التحرير والاستقلال والحرية التي تخوضها منذ أكثر من اربعين سنة. كما لا يمكن التوصل الى مصالحة حقيقية دون اعادة بناء الأجهزة الأمنية على اسس جديدة وبعيدة عن الانتصارات الحزبية والفصائلية والعائلية وغيرها. وأخيراً فإنه دون التوافق على حكومة من الكفاءات الوطنية ودون ان يتحول دور هذه الحكومة اساساً الى دور الممهد لانتخابات ديمقراطية شاملة وعلى اساس التمثيل النسبي الكامل فإنه سيتعذر على اية مبادرة ان تشق طريقها امام هذه الاستعصاءات وأمام هذه المنزلقات والانحدارات التي تواجه القضية والشعب والوطن. من الأهمية بمكان هنا التأكيد على ان المبادرات التي طرحت حتى الآن لم تتحول الى فعل، شعبي منظم، ومن المؤكد ان المبادرات التي لا تتحول الى فعل شعبي منظم والتي لا تحوز على تأييد مجموع القطاعات الشعبية وممثلي المجتمع المدني وبدون التأييد المطلوب في مجموع فصائل العمل الوطني، لا يمكن لأية مبادرة ان تحدث اختراقاً حقيقياً في ظل استفحال الازمة وفي ظل الصعوبات التي يعاني الشعب الفلسطيني وفي ظل هذا الحجم الهائل من الضغوط الدولية والتدخلات الاقليمية. ولكن الأهم من هذا وذاك هو ان لا تتحول هذه الاسس والمبادئ الى مادة للمناقصة او المزايدة وأن لا تتحول الى قضايا منفصلة وانما ان تكون وحدة واحدة ورزمةً واحدة ليس بهدف التفاوض عليها وانما بهدف الموافقة عليها من اجل الانطلاق الى رحلة التفاوض حول آليات تحقيقها والجداول الزمنية الكفيلة بتحويلها الى استراتيجية عمل موحد وملزم. الوقت من ذهب والمبادرة المطلوبة تلوح في الافق وليس أمامنا الا الاتفاق لأن الاستمرار من حالة المراوحة الحالية تعني أننا سنتحمل جميعاً كل حسب موقعه وكل حسب دوره في تدمير المشروع الوطني. الايام
اقرأ المزيد...
بقلم: ريما كتانة نزال
تاريخ النشر: 2018/7/23
بقلم: جهاد حرب
تاريخ النشر: 2018/5/12
بقلم: وكالة معا الاخبارية
تاريخ النشر: 2018/5/2
|