مفتاح
2025 . الخميس 29 ، أيار
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 

يرسم اجتياح الفلسطينيين للحدود بين مصر وغزة معالم مرحلة فارقة في تاريخ هذه القضية، بل يمكن أن يوضع في سجل الانتفاضات الفلسطينية البارزة، التي تركت علامات وحفرت مواقع في مسيرة هذا الشعب المغلوب على أمره. فتدفق مئات الآلاف من غزة المحاصرة براً وبحراً وجواً إلى سيناء في زمن قياسي، وأمام دهشة كبيرة، انطوى على رسائل قوية وبالغة الدلالة، ولا يمكن أن تمر على كل المعنيين بالقضية الفلسطينية مرور الكرام.

فالانتفاضات السابقة حققت الكثير من أهدافها رغم أن حدودها كانت معروفة، وكان التعامل معها ممكناً، واحتمال إخمادها وارداً، والالتفاف عليها قائماً، لكن الانتفاضة الأخيرة لم تكن متوقعة، وأصيب الجميع بحال من العجز أمامها، وفتحت الباب لترتيب جديد للكثير من الأوراق السياسية والقانونية، وأعادت قطاع غزة نفسه إلى واجهة الأحداث الدولية بعد نسيان وتجاهل موقت، وبعد أن اعتاد العالم على الاعتداءات الإسرائيلية الروتينية على سكانه، وبذلك فقد حققت «الانتفاضة الأخيرة» بعض أهدافها، أو أنجزت الرسائل التي ودت توجيهها، سواء كان هذا الفعل برمته مدبراً، أو جاء عفوياً، بعد أن اشتد الضغط على أهل غزة، وفاض بهم الكيل.

لكن ما يميز هذه الانتفاضة هو أنها كانت في الاتجاه الخاطئ، ولو كانت في الاتجاه الصائب لربما تغير الوجه السياسي للمنطقة، وتحول الأمر من مجرد إرسال رسائل، أو التلويح بعمل سياسي غير مسبوق، إلى فعل يقلب الموازين، ويثبت أن سياسة الحصار والتجويع يمكن أن تنقلب على مدبريها، بدلا من أن تضعف الفلسطينيين، خصوصاً حركة «حماس»، وتودي بها إلى الاستسلام التام.

والاتجاه الصائب الذي أقصده في هذا المقام هو أن تندفع الحشود الفلسطينية الغاضبة والجائعة في اتجاه الحدود مع إسرائيل، سواء إلى الجنوب الغربي نحو الصحراء التي ينتهي طرفها بالضفة الغربية، أو إلى الشمال الشرقي صوب المستوطنات الإسرائيلية. فمثل هذا الفعل سيضع إسرائيل في مأزق لم تمر به طيلة تاريخها، ويفهمها جيداً أن إقامة دولة فلسطينية هو الحل الوحيد، الذي يستوعب هذا الشعب الغاضب دوماً، المتزايد باستمرار، المتطلع إلى التحرر من دون انقطاع ولا يأس، رغم تعرضه يومياً لأعمال تتراوح بين التعسف والقسر والإبادة الجماعية مرورا بالعدوان الصارخ والجرائم المنظمة.

ربما جاء الاندفاع نحو الحدود المصرية لأنها النقطة الأضعف من وجهة نظر «حماس»، أو لتيقن الحركة ومعها سكان قطاع غزة أن المصريين لن يفتحوا النار على الحشود الفلسطينية المتدفقة إلى أراضيهم، ولذا فبوسع قادة «حماس» أن يوجهوا رسالة قليلة الكلفة إلى الجميع، ويعيدوا طرح أنفسهم كجزء أساسي، لا يمكن تجاهله، من ترتيبات ما بعد مؤتمر أنابوليس. لكن استمراء هذا الفعل والتحميل الزائد على مصر ومروءتها قد يؤدي إلى عكس ما تقصده «حماس»، وربما يخلق أزمة للفلسطينيين تقترب أو تساوي أحداث «أيلول الأسود» عام 1970 أو وقائع الحرب الأهلية اللبنانية، التي دخل الفلسطينيون طرفاً أساسياً فيها، أو ما جرى عقب وقوف منظمة التحرير الفلسطينية إلى جانب صدام حسين في اجتياحه للكويت، واعتماده على الفلسطينيين المقيمين فيها لتنفيذ خطته بضمها للعراق إلى الأبد.

وحتى لو لم تتعامل مصر بعنف مع فلسطينيي غزة فإن تكرار اجتياح الحدود أو حتى مجرد عدم احترامها يخدم في خاتمة المطاف استراتيجية إسرائيلية دائمة تسعى إلى تهجير الفلسطينيين وتشريدهم، كان قد تم تنفيذ الجزء الأول منها إبان هجمات العصابات الصهيونية بعد وعد بلفور 1917 وعقب نكبة 1948 ونكسة 1967. ولا يمكن لأحد أن ينسى أو يتناسى في هذا المقام العرض الإسرائيلي الدائم، تلميحاً وتصريحاً، على مصر بأن تتولى إدارة قطاع غزة، وهي المسألة التي ترفضها القاهرة جملة وتفصيلاً، ولا تريد أن يترتب على الأرض ما يجعل هذا الخيار أمراً واقعاً.

أما لو فكر الفلسطينيون في التنفيس عن أزمتهم نحو إسرائيل، أو الانفجار في وجهها، فإن الحصاد سيكون وفيراً، وسيكافئ الثمن الكبير الذي سيدفعونه من دمائهم. وهذا الخيار لا يخص فقط قطاع غزة، بل يشمل الضفة الغربية أيضا، التي بوسع سكانها أن يهجموا على الجدار العازل، إن ضاقت بهم سبل العيش، أو وصلوا إلى حافة اليأس من إقامة دولة فلسطينية مستقلة. ومثل هذا الفعل سيكون أجدى من المواجهة الجزئية المتقطعة التي تقوم على العمليات الفدائية وإطلاق الصواريخ البدائية على المستوطنات اليهودية، والتي ترد عليها إسرائيل بعنف مفرط يحصد أرواح المئات من الفلسطينيين.

دار الحياة

 
 
اقرأ المزيد...
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required