مفتاح
2025 . السبت 31 ، أيار
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 

حقق الألبان في إقليم كوسوفو حلمهم التاريخي بانتزاع استقلالهم عن صربيا ، وأعلنوا استقلال دولتهم بمعزل عن موافقة الأمم المتحدة ، وبدعم قوي من الولايات المتحدة الأميركية، وغالبية دول الاتحاد الأوروبي بعد أن وضع الإقليم تحت الرعاية الدولية منذ العام 1999 نتيجة للتدخل الدولي الإيجابي من قبل حلف الأطلسي لحماية السكان المدنيين، ووقف المذابح التي وصفت بأنها من أكبر الانتهاكات لحقوق الإنسان في نهاية العقد الأخير من القرن العشرين، علاوة على تنظيم إعادة المهجرين، الذين أجبروا على مغادرة بلادهم إلى مناطقهم، بفعل سياسة التطهير العرقي التي قامت بها القوات الصربية النظامية والميلشيات التابعة لها.

التدخل الدولي وفر آلية دولية تحت إشراف الأمم المتحدة بقيادة المبعوث الأممي السابق مارتي اهتيساري، خولته أيضا الإشراف على قوات أممية سميت(كفور) لضمان الأمن والاستقرار في الإقليم الذي ضربته حرباً أهلية طاحنة بين الأكثرية الألبانية، التي تتجاوز 90% من سكان الإقليم وبين الأقلية الصربية المدعومة من الحكومة والقيادة السياسية الصربية، بصرف النظر عن تلاوينها السياسية.

الإعلان الأحادي الجانب الذي اتخذه البرلمان في كوسوفو استناداً إلى وثيقة لإعلان استقلال الإقليم تحت الإشراف الدولي، ضمن حقوقاً واسعة للأقليات الأخرى، وحدد في الوقت نفسه طبيعة ومضمون النظام السياسي القائم على الديمقراطية والتعددية السياسية واحترام انتقال وتداول السلطة بشكل سلمي وديمقراطي، والالتزام بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان والاتفاقيات والمواثيق الدولية.

خطوة إعلان إقليم كوسوفو كدولة مستقلة وأحادية الجانب أثارت، قبل الإعلان ولا تزال، تثير العديد من المخاوف وسوف تتواصل ردود الفعل على هذا القرار ارتباطاً بمصالح الدول المحيطة، خاصة كلاً من بلغاريا، ورومانيا، وقبرص، واليونان ، هذا، طبعاً، عدا موقف الاتحاد الروسي الذي لديه مخاوف كثيرة، وربما مبررة، هو والأطراف الأخرى التي ليس بينها الأصول العرقية بالطبع، وإنما هذه المخاوف تتصل أساساً من خطوة كهذه قد تشجع الأقليات القومية في هذه البلدان للسعي للانفصال عن دولها المركزية، ما قد يقود إلى مزيد من تفتت دول المنطقة، خاصة في ظل عودة مناخات الحرب الباردة مجدداً، والسعي المحموم لسباق تسلح من نوع جديد، ليغطي على صراعات دولية وإقليمية عديدة، بدأت تبرز كقضايا وبؤر إقليمية متوترة.

هذه المخاوف، كما أشرنا، ربما تكون مبررة ومفهومة في ظل المناخات الدولية الراهنة، لكن لن يكون من غير المعقول ولا المقبول أن تكون الحالة الدولية الراهنة، وهي معرضة للتحول من أن تكون في تناقض رئيسي مع أبسط حقوق الشعوب التي ضمنتها ميثاق الأمم المتحدة بتقرير المصير. وربما، أيضاً، تشكل تجربة كوسوفو واستقلالها الأحادي الجانب تجربة مفيدة ومهمة لشعبنا وقيادتنا السياسية لدراستها واستخلاص الدروس والعبر منها، انطلاقاً من هذا الخيار الذي كان مطروحاً على الأجندة السياسية للقيادة الفلسطينية قبل نهاية المرحلة الانتقالية في أيار من العام 1999، وقد تم تجاوز هذا التاريخ على أمل أن تفضي المفاوضات المكثفة التي بدأت آنذاك، بما في ذلك انعقاد مؤتمر كامب ديفيد برعاية الرئيس كلينتون إلى التوصل إلى حل لكافة قضايا الوضع النهائي وتؤدي لإعلان الاستقلال بتوافق بين الطرفين، وعلى أساس قرارات الشرعية الدولية.

يبدو، الآن، ومع اختلاف المرحلة السياسية، أن تشابهاً ما بين الوضع الذي كان عشية انتهاء المرحلة الانتقالية، والمفاوضات التي حُدد سقف جديد لها بنهاية العام الجاري وفقاً لما تم الاتفاق عليه في مؤتمر أنابوليس الدولي، وكما تشير الوقائع المادية، وليس استناداً لتحليل نظري، إلى أن الحكومة الإسرائيلية تسعى، وهي ماضية بالفعل، إلى إفراغ اتفاق أنابوليس من أي مضمون، بل وإجهاض ما تم الاتفاق عليه، ليس لجهة التوصل إلى اتفاق حول قضايا الوضع النهائي، وإنما ضرب المرحلة الاولى من خطة خارطة الطريق التي سيفتح تطبيقها، كما كانت تصر إسرائيل على البدء بها، الطريق لتطبيق المرحلة النهائية من الخطة، أي تطبيق قرارات الشرعية الدولية فيما يخص الانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة العام 67، بما فيها القدس، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.

إن مؤشرات المفاوضات الجارية الآن لا تشير إلى إمكانية التوصل إلى اتفاقات في نهاية السنة الجارية ، كما أن إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بتحديد الهدف من المفاوضات هذا العام لرسم الإطار للتسوية فقط، وتجاوز قضية القدس يوحي، بما لا يدع مجالا للشك، بأن هذا التوجه لدى الحكومة الإسرائيلية مقروناً بالممارسات على الأرض من مصادرة أراضٍ وبناء مستوطنات في القدس والضفة الغربية المحتلة والتسارع في بناء جدار الفصل العنصري. إن كل هذه المؤشرات المادية تدلل، وبشكل قاطع، على أن إمكانية الوصول لاتفاق ينهي الاحتلال، ويقود إلى الحرية والاستقلال طبقاً لقرارات الشرعية الدولية لا يبدو فقط متعذراً بل ومستحيلاً، وعليه، فإن البحث في خيارات أخرى، قد يكون ليس ضرورياً، فحسب ، وإنما حاجة ملحة في ضوء تقديرنا للموقف السياسي.

وعليه، فإن تحركاً سياسياً فلسطينياً يبدأ الآن لتهيئة المناخ الدولي والإقليمي والعربي والإسلامي إلى خيار مماثل لخيار استقلال إقليم كوسوفو، هو أمر في غاية الحيوية، خاصة أن موقع فلسطين وقضيتها لا يدخلان في تناقض إقليمي، يهدد بتفتيت دول أخرى، بل على العكس من ذلك فإن قيام دولة فلسطينية مستقلة ومتواصلة جغرافياً يمنع مشاريع التقسيم لبلدان أخرى مجاورة، كما ان الموقف من خيار كهذا يضع الولايات المتحدة الأميركية وجميع الدول التي دعمت وبقوة استقلال كوسوفو أمام موقف سياسي وأخلاقي يتسم بالصدقية وليس اعتماد معايير مزدوجة بالتعاطي مع قضايا الشعوب في تقرير مصيرها.

المهم، وقبل كل شيء، أن ندرس أبعاد استقلال كوسوفو الأحادي الجانب، وأن نحضر أنفسنا إلى خيار كهذا، وقد يكون لا مندوحة عنه في النهاية.

 
 
اقرأ المزيد...
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required