تبدو "القنبلة" التي فجرها السيد ياسر عبد ربه حول اعلان استقلال الدولة الفلسطينية في حال فشل المفاوضات من جانب واحد (الجانب الفلسطيني) وكأنها تأتي خارج سياق البحث وخارج سياق المنطق السائد في الساحة الرسمية الفلسطينية. البعض يفسر قنبلة أمين سر اللجنة التنفيذية على أنها مجرد تعبير عن حالة احتجاج على استبعاده عن ورش المفاوضات وعن كواليسها، وأما البعض الآخر فيذهب الى أبعد من ذلك وأبعد من ذلك بكثير حيث يرى ان السيد عبد ربه لم يعد يجد في المفاوضات الجارية لا على المستوى المباشر ولا على المدى المرئي ما يبشر بأية بارقة أمل حقيقية وأن التوصل الى اتفاق مبادئ (هذا إذا تم فعلاً)، ليس اكثر من اتفاق (رف) وان تحويله الى واقع سياسي جديد سيحتاج الى "معجزة"، وسيحتاج الى وقت طويل بطول الفترة التي تحتاجها اسرائيل لفرض وقائع ديمغرافية وجيوسياسية يتحول بموجبها حلم الدولة الى مجرد وهم وإلى تحويل "الدولة" الى اسرائيلية محاطة بالجدران والمستوطنات والطرق الالتفافية ولا يربط بينها سوى نقاط العبور والسيطرة، والتحكم الاسرائيلي. وإذا صحّ التفسير الثاني فإن المبادرة بهذا الرأي او ذاك تصبح أمراً مشروعاً شريطة أن يستند الرأي الى الأسانيد التي يحتاجها والى الشروط التي يجب توافرها وتوفيرها، وشريطة ان يكون محصلة لحوار وطني ومحصلة لمشاورات عربية واقليمية ودولية لا يمكن القفز عنها او تجاوزها. لكن ما هو لافت حقاً هو ان الساحة الفلسطينية بدأت تستشعر الافتقاد الى الخيارات والافتقاد الى سياسة المفاضلة بين الخيارات المتاحة او التي يمكن ان تكون متاحة في المدى المنظور لأن السؤال حول فشل المفاوضات كإمكانية هو سؤال اكثر من مشروع طالما ان هذه المفاوضات لم تتقدم حتى الآن ولو خطوة واحدة جدية. ان اسرائيل لا تخسر من هذه المفاوضات شيئاً لأنها (المفاوضات) بكل بساطة لا تشكل عائقاً أمام سياساتها وأمام فرض الوقائع من جانب واحد اذا لم يتوقف الاستيطان بل زاد وتكثف وتركز في المنطقة الأكثر اهمية والأكثر حساسية وهي القدس الشرقية وما يعنيه ذلك من حسم نهائي للكثافة الديمغرافية في الجزء الشرقي من المدينة وما يعنيه ايضاً من عزل كامل وتهويد شامل بحيث ان "السيادة" الفلسطينية ستتحول حتماً الى مجرد سيادة شكلية على جزر سكانية فلسطينية محاصرة وفقيرة ومحرومة ومقيدة وليست متصلة إلا عبر نقاط التحكم الاسرائيلية كما كتبنا هنا اكثر من مرة. ولم يتوقف بناء الجدار بل زاد وازداد وهو في رحلة سباق مع الزمن وتحديداً مع الزمن المحدد لنهاية المفاوضات وهو اليوم الاخير من هذا العام. لم يتوقف أي شيء ولم يتغير أي شيء بالنسبة لسياسة اسرائيل لا بالنسبة للحواجز ولا الاقتحامات ولا الاغتيالات ولا الحصار ولا التوغلات ولا الاجتياحات ولا مصادرة الاراضي ولا الاعتقالات والمداهمات.. لم يتوقف أي شيء ولم يتغير أي شيء ولهذا بالذات ولهذا كله فإن المفاوضات يمكن أن تستمر ويمكن أن تتعثر ويمكن أن تفشل ولكن الشيء الوحيد الذي لا يمكن توقعه هو النجاح، لأن النجاح بالنسبة لنا هو الاستقلال الوطني وهو حصولنا على حقوقنا الوطنية الثابتة غير القابلة للتصرف، فهل يمكن أن نحصل على هذه الحقوق في نهاية هذه المفاوضات طالما ان اسرائيل ماضية في كل ما هي ماضية فيه؟ اذاً من أين سيأتي النجاح وعلى أي أسس تستند في توقع النجاح؟ فإذا كان الفشل أمراً متوقعاً او مرجحاً او بعبارة اخرى اذا كان النجاح صعباً وربما مستحيلاً فلماذا علينا أن ننتظر الفشل حتى نفكر في بدائلنا؟ ولماذا لا تبدأ الساحة الفلسطينية منذ الآن ورشة عمل وطنية حول البدائل الممكنة طالما ان السياسة هي فن الممكن او فن الممكن الافضل؟ ولماذا نبقي خيارنا محصوراً في المفاوضات مع معرفتنا ويقيننا وعلمنا وحدسنا وتوقعنا بأن فشل هذه المفاوضات أمر ممكن ومرجح وربما محتوم. ليس المهم تيسّر دوافع الخطوة التي يدعو لها السيد عبد ربه بل ان المهم حقاً هو ان هذه الخطوة تأتي في سياق الشعور بغياب سياسة البدائل وغياب استراتيجيات بديلة لسياسة المفاوضات. ليس المطلوب ادارة الظهر للمفاوضات وليس المطلوب اتخاذ مواقف عدمية من اي جهد يبذل حول عملية السلام وليس مطلوباً ان نذهب الى الحرب او اعتبار اطلاق الصواريخ بديلاً للمفاوضات. ليس هذا هو المطلوب وليس هذا هو المقصود ولكن المقصود والمطلوب هو أن لا تكون المفاوضات سبباً يمنعنا من التفكير بالبدائل الممكنة والمتاحة. ماذا عن وحدتنا، كيف يمكن أن تكون مقاومتنا مثمرة وفعالة ومنسجمة مع البرنامج السياسي وكيف يكون برنامجنا كتلة عضوية من الإرادة العربية ومن الموقف الدولي، كيف نبني استراتيجية وطنية موحدة وكيف نمنع انقسامنا وتهديد هويتنا وحقوقنا وأهدافنا، أليس كل هذا ممكناً ومتاحاً، أو ليس هذا مهماً ومصيرياً بالنسبة لنا اذا نجحت المفاوضات وإذا فشلت المفاوضات ايضاً؟ ما هي خططنا العملية لمواجهة الواقع الحالي، هل يمكن مواجهة الواقع القائم اليوم بمفاوضات ليس مضموناً نجاحها أم أننا بحاجة الى سياسة بدائل فعالة وعملية؟ ليس المهم اذا كنا سنذهب الى اعلان احادي الجانب كما فعلت "كوسوفو" أم لا، بل ان المهم هو الاستعداد لفشل المفاوضات والاستعداد لتعثرها والاستعداد لنجاحها. ليس المهم ابداً أن نختلق او نتفق حول خطوة هنا وأخرى هناك، مبادرة هنا وأخرى هناك، وليس من سبب يمنعنا من استمرار الاختلاف او الاتفاق، هذا كله عادي وطبيعي ومشروع وضروري. المهم أن يكون خيارنا وحيداً وأحادياً (لأننا لا نقوى على ذلك) وأن تكون لدينا سياسة بدائل وخيارات ممكنة ومتاحة بتفاهم وانسجام مع محيطنا العربي والإسلامي والدولي وحينها فإن سياسة البدائل والخيارات قد تقوي من أوراقنا التفاوضية وليس العكس. الايام
اقرأ المزيد...
بقلم: ريما كتانة نزال
تاريخ النشر: 2018/7/23
بقلم: جهاد حرب
تاريخ النشر: 2018/5/12
بقلم: وكالة معا الاخبارية
تاريخ النشر: 2018/5/2
|