يحكى أن مواطنيْن من فلسطين ، أسّسا شركة تضامنية ذات مسئولية محدودة في حدود الوطن ، وتضامن الشريكان على الوفاء والحب والإخلاص لشركتهما وأهدافها في عقد التأسيس ، فنمت الشركة نموّاً متصاعداً وحققت أرباحاً مطَّردة ، وزادت من موجوداتها ورأس مالها وعملائها ، الى أن أصبحت على مشارف العالمية في الإنتشار ، وحدث ذات يوم وبينما كانا في سيارة واحدة يقومان بتفقد مشاريع الشركة ، تصادمت سيارتهما بسيارة قادمة من الإتجاه المعاكس وعلى سرعة عالية ، وفي أجواء ضبابية تحجز الرؤيا السليمة ، وعلى منعطف خطر ، أدت بالسائق بالإنحراف عن الطريق المعبد وجنحت السيارة وارتطمت بحواجز منع الإنزلاق على الطريق السريع المتعرج ، ونتج عن الحادث أن تسبب بعمى أحد الشركاء من الزجاج المتطاير ، فأصبح أعمى ، والشريك الثاني أصيب بكسور في الحوض والعمود الفقري أدت الى شلل ساقيه ، فأصبح مقعداً. فأصيب الشريكان بالإحباط واليأس فترة من الزمن ، وتراجع أداء الشركة ، ونفذ الى اسرارها بعض الموظفين الفاسدين لغياب الرقابة والتفتيش من الشريكين .وتراجعت عائدات الشركة الى أن اقتربت من حافة الإفلاس والسقوط. فكر الشريكان ملياً ، وعقدا اجتماعاً لبحث تفاقم أوضاع الشركة واستشراء المفسدين فيها ، وخافا من الإفلاس والضياع وعلى مستقبل أسرتيهما من المصير الذي لن تحمد عقباه. وفي اجتماعهما تم تبادل الآراء والأفكار حول إعادة الشركة لسابق عهدها ودار بينهما حوار ونقاش هاديء ومعمق ومطول. وفي نهاية الإجتماع وضعا خطة طارئة لمعالجة أوضاع الشركة والعودة لإدارتها وتخليصها من المفسدين والعابثين والمتلاعبين بمصيرها لحرفها عن أهدافها. وضمّنا خطة الطواريء آلية عملية محدودة بجدول زمني ضمن إمكاناتهما للعمل الدؤوب والجاد لتنفيذ الخطة تقوم على مايلي: يقوم الأعمى بحمل المقعد على كتفيه ، ويهتدي ببصره في الطريق ، ويقوم المقعد بتوجيه الأعمى الى الطريق الصحيح ، وتجنيبه الوقوع في الحفر والمطبات والبرك والوحل ، ويصلا الى مقر الشركة مبكراً ، ويقوم المقعد بقراءة الأوراق والمراسلات والمستندات التي تخص أعمال الشركة على مسامع الأعمى ليشاركه الرأي في اتخاذ القرارات المناسبة ، ويختار كل شريك ولداً أو بنتاً أميناً وموثوقاً من اسرته ، ويحضرا الإجتماعات معهما للتأكد من صحة القراءة من قبل المقعد للأعمى وليتم تدريبهما على أعمال الشركة ومهامها وسياساتها وليكونا شاهدين على فحوى الإجتماعات والقرارات. ومنح الشريكان ولديهما أو بنتيهما المختارين حق التوقيع عن الشركة لتصريف أعمالها الفنية والإدارية غير المالية. وبقى حق التوقيع للمعاملات المالية للشريكين الى أن يتحققا من سلامة أداء ابنائهما ويثقا بهما وبإخلاصهما لعقد التأسيس للشركة ، وعين الشريكان مدققاً داخلياً أميناً ومخلصاً لحسابات الشركة ، ومكتباً تدقيقياً خارجياً معتمداً وموثوقاً للرقابة على محاسبة الشركة الداخلية تابعاً لهما مباشرة ، علماً بأن هذه الأعمال كلها كان يقوم بها الشريكان نفساهما ، وبعد حصول الحادثة أصبح من الصعوبة بمكان وزمان عليهما القيام بذلك. علماً بأن الشريكين ندما كثيراً على عدم إطلاع وتدريب أبنائهما منذ زمن لتلافي حصول المأزق الذي وصلا اليه بعد الحادثة. وتولي الموظفون مسؤولية ذلك في غيابهما دون رقابة أو وازع من ضمير ودون ولاء لمصلحة الشركة وإخلاصاً لعقد التأسيس. فبالإرادة والتصميم والعزم من الشريكين وعدم اليأس والقنوط والإصرار على الحياة برضاء على قضاء الله وقدره الذي لا يردّ وبمشاركة الأبناء وتدريبهم وإعطائهم الثقة وتعويدهم على الإحساس بالمسؤولية تجاه مستقبلهم وحفاظاً على والديهما بالمحافظة على الإرث الذي سيتركوه ونجاحاته وديمومته مشتعلاً بنفسيهما ، حدثت انتفاضة بالشركة وصحوة ، وعادت الى سابق عهدها من النجاحات وتحقيق العوائد والأرباح وحافظت على موظفيها واسرهم وعلى سمعتها وموثوقيتها والتزاماتها وموجوداتها ورأس مالها وعادت الى التصاعد في كل النتائج والنجاحات. وبالمقابل تصور عزيزي القاريء لو أن الشريكين بقيا على حاليهما من الإحباط واليأس والقنوط والقعود مستسلميْن للمصيبة التي حلت بهما ولفقدان الإرادة وعدم التضامن وعدم الحوار البناء الهاديء الناجع الذي يصب في مصلحة الشركة وموظفيها وإنجازاتها ، وقال الأعمى للمقعد لن أثق بك وبصحة قراءتك للأوراق والمستندات ، وقال المقعد للأعمى لا جدوى من الشراكة معك واريد فسخها ويذهب كل شريك في حاله ، فماذا ستكون النتيجة؟ انهيار الشركة وقطع أرزاق موظفيها واسرهم ، وضياع مستقبل أبناء الشركاء ، وانهدام هذا الصرح الذي تم تشييده بعرق المؤسسين وتضحياتهم وجهودهم ، ولكانت النتائج كارثية على المصلحة الخاصة للشركة والمصلحة العامة لموظفيها ومشاريعها التنموية للمعمورة التي تحتضنها. تلك كانت وللأسف الشديد قصة حماس مع فتح في اختيارهما فسخ الشراكة وذهاب كل منهما في طريق مختلف عن الآخر ، ولكن كيف؟ حماس وصلت الى حالة العمى في الطريق الأقرب للهدف والى ضيق في الأفق السياسي وانسداد كامل ، ودخلت في نفق مظلم ، سدَّه الأعداء من كل مداخله وحجزوا عنه الضوء الذي أدى الى الحصار الخانق على الوطن والمواطنين وتقييد الحركة ، وانحصر تفكيرها في مصلحة الشريك المتضامن الخاصة وحصصها من الشركة ، خروجاً عن عقد المشاركة ، وتعامت عن المصلحة العامة للشركة وموظفيها واسرهم ، ووضعتهم في حالة تصعب فيها الإستمرارية وينعدم فيها الزخم والطاقة والعطاء الذي يدفع للنجاح والإستثمار وأحاطت نفسها بشرنقة من المصالح الخاصة ، وضربت بمحدودية المسؤولية للشركة التضامنية في حدود الوطن ، ووسعت محدوديتها الى خارج إطار الوطن مما ألقى عليها عبئاً وظلالاً انحرفت بها الى خدمة مصالح اقليمية بعيدة المدى وصعبة التحقيق في هذه المرحلة وحجبت عنها الرؤية القصيرة المدى وأوقعتها في حفر في الطريق نحو الهدف ، وذلك بغياب وعيها السياسي المتصلِّب والمغلق وعدم تقبُّل الآخر ونتج عن ذلك ظروفاً اقتصادية صعبة وخانقة ، كبلت المواطنين عن الحراك والتحرك نحو الأهداف الوطنية وشلت الوحدة الوطنية العامل الأساس والدافع الأقوى في طريق تحقيق الأهداف الوطنية السامية. وفتح وصلت الى حالة تشبه حالة المُقعد الذي يعجز عن الحركة بوحي من ضميره الحي وبتوجيه من بوصلته الوطنية السامية ، وذلك لتكبيلها في اتفاقيات لا تحظى بالغطاء الكامل ، وبها فجوات استطاع الخصوم النفاذ منها وخرج عليها الأعداء الذين يملكون القوة الضاربة والواقع على الأرض وعلى سماء الوطن ومزقوها وارتدوا على التزاماتها وبنودها بما يتوفر لهم من عوامل القوة والطاقة ، ودمروا قواها الرافعة لجسم الوطن للسير به نحو الأهداف الوطنية التي يجمع عليها الشعب. وزاد على ذلك التجمد والركود والبيات الثوري الأصيل ما تعانيه فتح من قوى احتكاك انشقاقية ومرتدة على نظام تأسيسها ، ومناوئة للخط الوطني ، قوىً تسلقت على ساق شجرة فتح وصعدت الى أغصان شجرتها عالياً وانسجمت بهذا العلو واستمرأت وتمسكت به كالقردة التي تصعد الشجرة لتأكل أوراقها وثمارها وتشوه منظرها ، فتحولت فتح الى حالة بيات شتوي ثوري بإهمالها القاعدة الثورية لأبناء الوطن وروافدها من قوى الشباب المختزنة للطاقة والحيوية والنشاط الذي كان يحافظ لها على وهجها وهيبتها ، وانشغلت بإدارة السلطة الوطنية منهمكة في بنائها ومتناسية القوة الرافعة والحامية لبنيان السلطة ألا وهو الأمن الوطني ، وتنظيمات الشبيبة التي تحافظ على التجديد والإبداع في الحقول العملية ، فنخر السوس التنظيم وقوى الأمن الوطني وقطّع أوصاله وتحالف السوس وتناغم مع أهداف العدو في التدمير والخراب وكان السقوط المدوي المستغرب والمفاجيء في غزة للأمن الوطني أمام قوى الفئة القليلة التي صنعت الفرقة والتشرذم من حركة حماس ، تلك الفئة القليلة التي استغلت هذا الوضع وانتصرت على الفئة الكبيرة ، ونتج عن هذا المخاض الصعب والشاذ الإنقسام الذي وصلنا اليه ، ونعيشه الآن بكل مآسيه التي ولدت لنا الهزيمة بدلاً من النصر والتي تعيق الحركة المتسارعة باتجاه الأهداف الوطنية ، وتعطل مقوماتها وأركانها بضرب الوحدة الوطنية بقوة خارجة عن الشرعية والقانون . مثل تلك الفئة الإنقسامية كمثل القردة التي صعدت الى أعلى شجرة فتح وتقابلت القردة من كلا الفريقين كل على شجرته في أعلاها لا يريد النزول للتحاور المثمر وجهاً لوجه والتصافح بالأيدي والعناق تعبيراً عن وحدة المصير والعيش المتضامن ، ولجأ الفريقان الى حوارٍ عقيمٍ عن بُعْد يؤول الى اتفاقيات واهية قاعدتها الضحك على ذقون الوسطاء من الصالحين من أبناء الوطن وأبناء العمومة من العرب وتم تمزيق تلك الإتفاقيات لدى إدارة ظهور الوسطاء .وبالتالي عبثت الفئة الإنقسامية بشجرة حماس خراباً وتدميراً تأكل الأوراق والثمار وتشوه منظرها ومنظر الوطن أمام الناظرين تماماً كما شُوِّهت شجرة فتح. فأصبح منظر الوطن كمنظر الشجر في فصل الخريف ، (أشجار فتح وأشجار حماس) المعرّاة والتي سقطت عنها ومنها الأوراق الخضراء يوم الإقتتال في هبوبٍ قوي لرياح الخريف ، باستثناء شجر الزيتون الذي يعبر عن الشعب الفلسطيني بشكل عام وجامع. وعن التراث الشعبي الفلسطيني وحب الوطن مجرداً من الفصائلية والتحزب الضيق والتعصب الأعمى ، ومنحازاً الى الوطن ومتحزباً له ولمصالحه ، كما يعبرعن الموروث الوطني الزاخر بحركات المقاومة المتلاحقة لهذا الشعب الجبار من القدم وما أكثر شجر الزيتون في فلسطين ومناكبها وأكنافها وجنباتها وحواكيرها . فلولا شجرة الزيتون لتحول الوطن الى أرض قفر وخراب. ولكن الزيتون يستعصي على كل العواصف والرياح الهوجاء ويقاوم عصفها وينفض الغبار الذي تثيره من حولها ، تماماً كما تستعصي الإرادة الفلسطينية المتجذرة في قلوب كل أبناء الوطن الشرفاء على كل الرياح العاتية التي تهب من المؤامرات الرامية لتركيع هذا الشعب البطل الجبار لتنسيه وطنه ، محافظاً على خضرته من الزوال ومحيياً فينا الآمال التي تعشعش في دواخلنا من زيت الزيتون المضيء للنفوس والقلوب ، مهما علا صوت الباطل من العدو وتعاظم الشر والفساد والفرقة والتشرذم والإنعزالية من الفئات الضالة في كلا الفريقين. فالفئات الضالة منهما معاً مصيرها الفشل بإرادة هذا الشعب الصلبة الخالدة خلود خضرة الزيتون الغائر في بواطن هذه الأرض على كل امتدادها الى يوم القيامة الموعود بإذنه تعالى. كان يجب على حماس وفتح التحاور والتحاورعلى قاعدة المصلحة العامة للحفاظ على المسيرة الوطنية في خطها الصحيح الذي يوصل الى دحر الإحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كمحطة اولى على طريق التحرير الكامل للوطن التاريخي بإذن الله وبهمم أبنائه ومناصريهم من الأشقاء. فالأعمى كان بحاجة الى من يبصِّره ويحركه ويوجهه ، والمقعد كان بحاجة الى من يحمله ليعينه على الحركة ، فلا الأعمى قضى حاجته ولا المقعد لبّى مطالبه ، وضاع التضامن وضيّع معه الشراكة وفسخها ، وغابت الوحدة الوطنية ، ووضعت القضية على حافة الهاوية ، وضل الأعمى الطريق ، وحوصر المُقعد في مكانه لا يراوحه وغير قادرعلى تحقيق أي إنجاز يصبو اليه الجميع. فخسر الجميع. فمثل حماس كالأعمى الذي يتخبط بالطريق ، يسقط بالحفرة تلو الأخرى من الحفر التي أعدها العدو ، ومثل فتح كالمُقعد الذي يتحرك ببطء على كرسي بعجلات في داخل المأوى لا يراوحه ، ويقيدهما الإثنين معاً العدو المشترك ، ويمنعهما من الحركة التي تنطوي على بركة في الإتجاه الصحيح نحو الأهداف الوطنية والأماني والتطلعات الشعبية. ويحتويهما العدو إحتواءً مزدوجاً ليبقيهما على حالة الدوران في حلقة مفرغة من الإنجازات ومليئة بالإخفاقات. وفي أتون دوامة من الفرقة والخسائر لا نرى لها نهاية بالأفق المنظور لتعنتهما وتعصبهما الإثنين. رقمين فلسطينين صعبين بلا مضاعف مشترك أصغر وبلا قاسم مشترك أعظم ، فاستعصى حل المعادلة الفلسطينية الداخلية على أذكياء الرياضيات في الوطن وخارج الوطن باستغراب واستهجان كبيرين لهذا العقم الرياضي المستعصي على الإختصار والإختزال للوصول الى جواب من رقم صحيح بدون كسور يبحث عنه وينشده كل فلسطيني. ونحن بانتظار كشفي طبي لزراعة أطراف طبيعية لفتح في مؤتمرها السادس وإعادة النظر والبصر لحماس في عودتها للأحضان الفلسطينية التي استبدلتها بأحضان إقليمية باحثة عن مصالحها.
اقرأ المزيد...
بقلم: ريما كتانة نزال
تاريخ النشر: 2018/7/23
بقلم: جهاد حرب
تاريخ النشر: 2018/5/12
بقلم: وكالة معا الاخبارية
تاريخ النشر: 2018/5/2
|