مفتاح
2025 . السبت 31 ، أيار
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 

يندر أن يتحدث المرء مع أي شخص عن حالنا ولا يجابه بإجابة سلبية عدمية، فحواها لا جدوى ولا فائدة، بل إحباط ويأس، والويل لك إذا ما عرضت بصيصاً من أمل أو تفاؤل، فسرعان ما تُصد وتقرّع وفي أحسن الأحوال يصار الى استسخاف وتتفيه أية فكرة تدعو لعمل شيء مهما كان مصدرها. يهيأ اليك، أن "قرع جدران الخزان" الرسالة التي أطلقها أدب غسان كنفاني الثوري هي ضرب من الحماقة في ثقافة الهزيمة والانهيار. متتالية يأس وإحباط يشارك فيها ويا للعجب ضحايا ومخلصون، مناضلون وشرفاء، ويشارك فيها أكثر الذين يصنعون بسلوكهم وفسادهم وعربدتهم الانهيار، هؤلاء يتفننون في عرض لحن الموت الجنائزي للقضية والشعب ويتسابقون في اختيار مواقع بكر وامتيازات جديدة. الاكثرية يبحثون عن حل فردي، فيما يتقافز الذين صنعوا الهزيمة من قارب الوطن ظناً منهم أنه قاب قوس من الغرق.

تقرير لجنة التحقيق في انقلاب غزة، فك عناصر الغموض في اللوحة السريالية، وقدم إجابات على أسئلة ملتبسة. التقرير الذي يمكن تسميته باسم رئيس اللجنة الطيب عبد الرحيم الذي تسرب لوسائل الاعلام جاء كأهم وأعمق تشخيص لانقلاب حماس العسكري في قطاع غزة. كشف المستور، وقدم معطيات ووقائع متكاملة، وضع النقاط على الحروف ونقد حالنا بجرأة غير مسبوقة.

نشرُ التقرير أو تسريبه ينطوي على فائدة كبيرة، لكل مواطن يبحث عن الحقيقة، ولكل من يهمه إنقاذ نفسه وشعبه وقضيته على حد سواء. النشر بعد مرور ثمانية أشهر على انقلاب حماس وانهيارنا في غزة يكشف فيما إذا شرعنا بتجاوز الاختلالات المشخصة أم إذا واصلنا العمل على مفاقمتها. التعرف على تفاصيل المواقف الأنانية والاداء المخزي للكثيرين يقذف قفاز التحدي أمام كل ما هو حي ومتمثل لقيم الثورة والانتفاضة (الحرية والديمقراطية والعدالة والاستقلال)، أمام كل من بقي وفياً على عهده للشهداء والمعتقلين والجرحى والمعذبين، تحدي الخروج عن الصمت والانتظار، وقول كلمة واحدة ينتصر فيها لمشروع شعبه الوطني، ويبادر الى فعل شيء مهما كان ضئيلاً ومحدوداً.

إن إخفاء الأخطاء والانحرافات والتعديات وكل مظاهر الفساد وعدم معالجتها لم يحل دون الانهيار في غزة، بالعكس الاخفاء سرع في معدلات الانهيار وقدمها بصورة مهزلة، والاخفاء مرة أخرى لن يمنع انهيارات قادمة وشاملة.

كان ينبغي وضع التقرير في متناول اكبر عدد ممكن من المهتمين الحريصين على المشروع الوطني فور انجازه، وذلك لسماع الآراء والمقترحات وحشد الجهود من أجل تجاوز الأزمة. لم تحدث مثل تلك المبادرة الى ان جاء من يسرب التقرير بعد ثمانية أشهر، ويبطل عملياً مبرر الإخفاء. الآن أصبح كل شيء على الطاولة، ويستطيع كل فلسطيني أن يدلي بدلوه.

ما يهم الآن، التوقف عند التشخيص والمعالجة التي اقترحها التقرير في صيغة توصيات والترجمة الفعلية على الارض في الموضوعات الجوهرية :

أولا: غياب وارتباك دور القيادة السياسية الذي تجسد حسب التقرير: بالمظاهر التالية :

ü انعدام الرؤيا السياسية وسوء التقدير حال دون اكتشاف الخطر وعدم التوقف عند الدلائل التي تؤكد استعداد حماس للانقلاب والاطاحة بالخيار الديمقراطي والسلم الاهلي وتهديد المشروع الوطني.

ü عدم تأمين الحماية السياسية عبر إبطال المخطط سلماً وسحب كل الذرائع التي تستخدمها حماس وتقديم التنازلات الضرورية، أو بالاستعداد الجدي الميداني لمنع كل تجاوز وخروج عن النظام.

ü انقسام "فتح" الى ثلاثة تيارات بأجندات مختلفة وشخصنة القضايا الوطنية والحركية، وتقاعس عن تحمل المسؤولية وانطواء بعض أعضاء اللجنة المركزية أو اعتكافهم وتقديم البعض الذرائع لحماس ومشروعها.

ü اعتماد إطار قيادي هلامي وغياب الدور المؤثر للمجلس الثوري الذي لم يتوقف قبل شهر من الانقلاب أمام هذا الاحتمال.

وخلص التقرير الى ان: التنظيم من رأس الهرم ومراكز القوى والمستويات التنظيمية والقيادات العسكرية لا يمكن ان يعفى من مسؤولية الغياب القيادي. لقد تم تقديم خطاب تبريري مفعم بالانهزام المعنوي. ويصل التقرير الى نتيجة في غاية الاهمية حين يقول: إن التنصل من القيام بواجب المسؤولية تحت أي ظرف يتطلب التخلي عن مهمة لا تسقط تبعاتها بالانزواء أو بتهميش الذات. ويلخص حالة الوضع القيادي بوصف بليغ: "قيادة غائبة الدور، غائبة الفعل، غائبة الحضو،ر لا تنتج رؤيا لمواجهة تحدي المصير".

أمام تجربة القيادة السياسية المريرة خصت لجنة التحقيق مركزية فتح والمجلس الثوري بالتوصيتين التاليتين: التوصية الأولى، ينبغي ان تمارس اللجنة المركزية النقد الذاتي حيال التجربة بالمكاشفة والمصارحة والالتزام بالعمل الجماعي وتقييم الاداء.

التوصية الثانية: إعادة النظر بعضوية المجلس الثوري من بين المتقاعدين وكبار السن والمرضى والشهداء ومن قصروا.

ثمة بون شاسع بين التشخيص المبين أعلاه (قيادة غائبة الدور والفعل والحضور)، والتوصيات الخجولة العامة المقدمة وخاصة عندما تطال المستوى القيادي الأول. فنقد اللجنة المركزية لنفسها عوّم القصور وأعفى الاعضاء الذين اخترقوا الموقف السياسي أو الذين انعزلوا وتنصلوا من مسؤولياتهم، ورغم ذلك غاب النقد الموعود ولم يتغير أداء اللجنة المركزية ظاهراً على الأقل. لم يمارس أعضاء من المستوى القيادي الاول النقد، واحتفظوا بمسؤولية أو حجزوا مسؤولية بدون واجب الأداء بحده الادنى، بدون اعتذار او استقالة. وينطبق الموقف ذاته على المجلس الثوري يقتصر الحل على تقاعد كبار السن والمرضى والشهداء... والمقصرين.

صحيح، أن الحركة السياسية لم تتعود تاريخياً على المحاسبة، ولم تسجل التجربة إصلاحاً وتصويباً للبنية بمختلف أشكالها. وهنا يسجل للتقرير وقوفه عند "جذور الخلل التي تعود للنشأة ومناهج العمل والتفكير والسلوك وخاصة على مستوى صناع القرار". لكن استمرار الوضع على حاله لم يعد محتملاً. فبدون إصلاح وتصويب سنمضي في انهيارنا الى نهاياته الكارثية. لا مهرب أبداً من الاصلاح والتصويب، إن كل تأجيل وتملص له ثمن باهظ، ومن لا يقتنع عليه مراجعة المسيرة، عدم التوقف عند تقارير الفساد العام 97 قاد الى استفحال الفساد وخسارة الانتخابات المحلية والتشريعية، وعدم التوقف عند دروس الانتخابات قاد الى الانهيار المخزي أمام انقلاب حماس في غزة، أما عدم استخلاص دروس الانهيار فسيقود الى الهاوية والانهيار الشامل.

الذين يقاومون الاصلاح، هم الطرف المسؤول عن الانهيار، هم الطرف الذي ينبغي ان يتغير، هم الطرف الذي يقدم مصالحه الشخصية على مصلحة التنظيم والمنظمة والشعب والوطن، هم الذين يحجزون المواقع المسؤولة ولا يمارسون واجبهم، هم الذين يبررون عودتهم للصدارة بحماقة الانقلاب وبتشبث حماس بالسلطة والحكم بأي ثمن، هم الذين سيقودوننا الى انهيار قادم.

الايام

 
 
اقرأ المزيد...
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required