أبدأ مقالتي هذه بقول الشاعر: إذا إحتربت يوما فسالت دماؤها .. تذكرت القربى ليس من حق حركتي "فتح" و"حماس" أن تذهبا بالقضية الفلسطينية إلى آفاق مسدودة، وليس من حقهما أن يذهبا بالوطن والأرض الفلسطينية إلى حالة من الإنقسام والإنفصال، وليس من حقهما وحدهما أن يستأثرا بحق الحكم والسلطة دون شراكة حقيقية من قبل جميع القوى والتنظيمات السياسية الفلسطينية في إطار من القواعد والمبادئ الديمقراطية التي تحكم عملية الوصول وإسناد السلطة. وكما أننا نطالب الدول العربية أن تتحمل مسؤولياتها القومية إزاء القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني ورفع الحصار عنه، وكما أننا نطالب المجتمع الدولي برفع حصاره الظالم، ونطالب إسرائيل قبل الجميع بإنهاء إحتلالها للأرض والإنسان الفلسطيني، علينا أن نواجه أنفسنا وبمصداقية وشجاعة بتحمل مسؤولياتنا الوطنية والتاريخية في إنهاء حالة الإنقسام، والإنخراط في حوار مسؤول يرتكز على المصالحة الوطنية، والمصارحة الشاملة في كل القضايا الخلافية ولكن من منظور وطني، وبلغة يمليها الحوار والتسامح على حد قول الشاعر. ولنسأل أنفسنا أولا وبصدق أيضا هل يملك كل طرف أن يذهب بخياراته إلى ما يريد؟ وأقصد بوضوح لدينا خياران: خيار المفاوضات، وخيار الإستقلال الكامل بغزة وقيام حكم إسلامي كامل. كلا الخياران يواجهان معيقات كثيرة. فالخيار الأول، وفي ظل المعطيات السياسية القائمة فلسطينيا وإسرائيليا وإقليميا ودوليا، وعلى المستوى الأمريكي بإعتبار أمريكا المؤثر الأكبر في عملية المفاوضات والتي تزداد إهتماماته (الشعب الأمريكي) بإنتخابات الرئاسة الأمريكية هذا العام، وصولا إلى رئيس وإدارة جديدة تحتاج إلى وقت طويل حتى تفيق من حسابات الإنتخابات، فى ظل كل هذه المعطيات لا يمكن التعويل كثيرا، أو حتى نبنى آمالا وتوقعات كبيرة بإمكانية إحداث إختراقات ذات فعالية في العملية التفاوضية، وحتى مع التسليم بإمكانية الوصول إلى إطار أو صيغة ما للتسوية هذا العام، فإنها ستبقى حيز الورق الذي تكتب به دون أن تلقى التأييد الشعبي العام في ظل الإستمرار في حالة الإنقسام والتخوين والتنازل عن القضية. خيار المفاوضات مطلوب لكن فى ظل التوحد السياسى الفلسطينى. أما الخيار الثاني وعلى إفتراض أن حركة "حماس" لها خيارها الإستراتيجي في إقامة حكم إسلامي كامل والذهاب بغزه بعيدا، فإن هذا الخيار يحتاج إلى معطيات داخلية وإقليمية ودولية غير متوفرة في نموذج غزة، فبناء نموذج حكم إسلامي متكامل يحتاج إلى إمكانات تتجاوز إمكانت وحدود غزة، ولذلك هذا الخيار مستبعد وغير ممكن وخصوصا في حالة إستمرار الإحتلال الإسرائيلي. وحتى نقيم حكما كاملا لا بد من إزالة الإحتلال.. والإحتلال كما الوطن والإنسان حالة كلية لا يمكن تجزئته وكما "حماس" حركة كلية لا يمكن تجزئتها بين شطري الوطن، ولهذه الأسباب فخيار الإستقلال يحتاج إلى مرتكزات قوة، ومرتكزات سياسية وشرعية وإقتصادية وشبكة من العلاقات الدولية قد لا تتوافر في ظل الظروف السائدة. وإذا كانت كل هذه الخيارات غير ممكنة، فالسؤال: لمصلحة من أن نظل نعيش في حالة من الإنسداد والعقم السياسي، ونصل لحالة من الخلاف قد تصعب معها الحلول والخيارات السلمية الممكنة الآن؟ والسؤال الآخر أيضا إذا كان كل طرف بخياراته غير قادر على تحقيق الخيار الفلسطيني الإستراتيجي فما هي المكاسب التي يمكن أن يجنيها كل طرف، هل مجرد عدد من المناصب والوظائف؟ أو مزيد من المال، أو مزيد من القوة أو السيطرة؟ وهل تقارن كل هذه الأمور بالمصلحة الوطنية العليا؟ البديل لذلك هو العودة إلى الخيار الفلسطيني، والذي من خلاله يمكن لخيار المفاوضات أن يحقق نتائج أفضل تصب في مصلحة الشعب الفلسطيني كله، ويمكن لخيار الحكم لـ"حماس" أن يتحقق وبشكل دائم ومستمر فى ظل الإلتزام بقواعد الممارسة الديمقراطية من منطلق أن "حماس" باتت حركة جماهيرية لها قاعدتها ووزنها السياسي الذي لا يمكن تجاهله أو التقليل منه. وعليه ليس أمام أي تنظيم فلسطيني، "فتح" أو "حماس" أو غيرهما، إلا التمسك بالخيار الفلسطيني العام. ولعل الحالة الفلسطينية تنفرد بسمات لا تتوفر في أي نموذج آخر مقارنة مثلا بالحالة اللبنانية، من توحد بين السكان والأرض، فعوامل التوحد أكبر بكثير من عوامل التجزئة والإنقسام الطارئة. ولا يبقى أمام الجميع إلا العودة إلا المصالحة الوطنية والمصارحة من أجل مصلحة الشعب الفلسطيني وتمسكا بعوامل وحدته، وقبل أن يفقد الجميع خياراته بفقدان خيار الوطن والدولة الواحدة..!! * أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر- غزة.
اقرأ المزيد...
بقلم: ريما كتانة نزال
تاريخ النشر: 2018/7/23
بقلم: جهاد حرب
تاريخ النشر: 2018/5/12
بقلم: وكالة معا الاخبارية
تاريخ النشر: 2018/5/2
|