مفتاح
2025 . الثلاثاء 3 ، حزيران
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 

يعلن إيهود أولمرت أن مرحلة أولى من العدوان الوحشي على الفلسطينيين في قطاع غزة وعمليات “الشتاء الساخن” انتهت، والتي قضى فيها في ثلاثة أيام 118 شهيدا وسقط أكثر من 300 جريح، فيما تستمر اعتداءات القتل والاغتيال اليومية التي صارت تحسب روتينية. ويستمع أولمرت إلى نواب في “الكنيست” ينتقدونه بسبب ذلك التوقف، ويطالبه بعضهم بأن تتواصل بشدّة، وآخرون بأن يعمل على تهجير الفلسطينيين من القطاع ورميهم في سيناء، باعتبار ذلك أجدى من تقسيم عمليات “الدفاع عن النفس” و”مواجهة الإرهاب” إلى مراحل ... هذا مقطع مقتضب يدلّل، للمرّة المليون ربما، على كيفيات التفكير “الإسرائيلي” في التعامل الإجرامي مع الشعب الفلسطيني، من دون أي اكتراث بمناشدات وإدانات وبيانات من هنا وهناك، وأي التفات لمظاهرات في غير شارع عربي، وأي احترام لأي فلسطيني في أي مطرح أو موقع، وأي اعتبار لأي مفاوضات مع السلطة الوطنية ورئاستها، وكانت تسيبي ليفني قد استبقت قرار محمود عباس بتعليق كل الاتصالات مع “إسرائيل” بالقول إن شيئا كهذا لن يدفع إلى أي تغيير في مسار العمليات العدوانية التي ما أوقفها بيان تافه لمجلس الأمن ولا تصريحات سخيفة لمسؤولين أوروبيين، ولا غضبة يعبّر عنها سلام فياض يقول فيها إن الذي وقع غير مسبوق منذ 1967.

دلّ هذا المشهد الدامي مجددا على الحقيقة الأوضح، وهي أن انكشاف الحال الفلسطيني صار بلا قاع، وأن كل جولات التمويت والتقتيل التي تقترفها آلة الحرب “الإسرائيلية” وفي أكثر من مذبحة منذ سبع سنوات على الأقل، في الضفة الغربية وقطاع غزة، لا تستدعي من السلطة وأركانها أي تعديل في مسار النهج السياسي الكسيح المتواصل، فالصيغة الروتينية هي الاستغاثة بمجلس الأمن الدولي على الرغم من تجريب التعاطي معه مرات عصية على العد، وكذلك إجراء الاتصالات مع عرب وأوروبيين وأمريكيين، ولم تفلح هذه الصيغة التليفونية مرّة في وقف صاروخ “إسرائيلي” عن مساره. ولا مدعاة لاستعراض “الجهد العربي” بشأن وقف المذبحة، ويوجز رداءته قولنا، للمرة الألف ربما، أنه طالما أن كل المضي في التقتيل في اللحم الفلسطيني، والذي تصل مشاهده المروعة، على الهواء مباشرة أحيانا، إلى كل بيت مسؤول عربي، لا يدفع إلى إغلاق السفارات “الإسرائيلية” في عمّان والقاهرة ونواكشوط وشقيقاتها من مكاتب تمثيل في غير مطرح، فإن من الهزء بالنفس الظّن أن شيئا ما يمكن أن يجعل القتلة في العصابة الحاكمة في تل أبيب يرعوون.

ولأن الوقائع مترابطة في تتابعها، كان مهمّا أن نقرأ قبل أيام فقط على تجريد “إسرائيل” حملتها العسكرية الجديدة على الفلسطينيين في قطاع غزة مرافعة وزير الثقافة الفلسطيني السابق إبراهيم أبراش التي أوجز فيها أسباب استقالته من موقعه، وهي مرافعة لها قيمتها، كما الاستقالة نفسها، لا سيما وأن الوزير الصديق كان قد فاجأ (أو باغت؟) كثيرين في تسلمه الموقع المذكور في يونيو/ حزيران الماضي. إنه يبقّ البحصة ويكتب، في الوثيقة المقالة في “القدس العربي” في 29 فبراير/ شباط الماضي، أنه قدّم استقالته للرئيس ولرئيس الوزراء كصرخة احتجاج على الوضع الفلسطيني العام، وعلى العبثية التي تحكم نهج من يقولون بالمقاومة، ويمارسونها بعيدا عن شروط ومتطلبات المقاومة الوطنية الحقيقية، وعبثية المفاوضات في ظل السياسة “الإسرائيلية” الراهنة، وفي كلتا الحالتين هي عبثية مدمرة للمشروع الوطني. وفي وسع المرء أن يكتفي بقول سلام فياض نفسه إنه لم يلحظ شيئا من أي تقدم على الأرض بعد ثلاثة شهور على اجتماع أنابوليس إياه، وقول المفاوض الأبرز أحمد قريع إن أي إنجاز في أي ملف لم يحدث في كل جولات التفاوض مع تسيبي ليفني وغيرها، وتصريحات صائب عريقات بعد كل مشوار لمحمود عباس إلى أولمرت أن شيئا لم يتم حسمه. وعلى كل من يرغب في أن يرمي كل هذا الكلام أن يحدّق في الحقائق الماثلة التي منها استمرار الاقتحامات العسكرية “الإسرائيلية” في مدن وبلدات الضفة الغربية لارتكاب جرائم القتل والخطف إياها، ناهيك عن الاعتداءات المطردة في قطاع غزة، وثمة إلى هذه وتلك الإبقاء على الحواجز العسكرية التي تردّد أنها صارت تزيد عن الخمسمائة، وتُعيق أي تحسن في الاقتصاديات الفلسطينية المتعبة، وكذلك جولات الاستيطان النشط في القدس المحتلة وحواليها.

يكتب أبراش في تبيانه أسباب استقالته أن الحكومة الفلسطينية تسيّر الأعمال من دون استراتيجية عمل وطني، وأن الذي يجري في القدس والضفة الغربية أكثر خطورةً مما يجري في غزة، وكأن المقصود تسخين وتوتير المشهد في القطاع لإخفاء الممارسات الاستيطانية والأمنية في الضفة، كما أن آفاق التسوية تبدو أبعد منالا. يكتب الوزير الذي كان قد عرف بنشاطه الفكري والأكاديمي، وزاول فيه نقدا عميقا للسلطة ومساوئها، ولم يتوقف عن التأشير إلى أوجه الخلل والبؤس الفادح في الأداء الفلسطيني، يكتب أن الثقافة الوطنية الفلسطينية مهددة بالتلاشي أو التشويه، وينتقد العبث الذي تأخذ حركة حماس المشرع الوطني الفلسطيني إليه في انقلابها المسلح الذي أقدمت عليه وفي المخطط الذي ترتكبه، وهو في هذا لا يمالئ رئاسة السلطة أبدا، بل يقول لكل أعور في عينه إنه أعور. إنه يوجز توصيفا لمشهد خراب فلسطيني واسع، دلّت عليه مجددا الاستباحة “الإسرائيلية” الجديدة للدم الفلسطيني، وبعدها التداول مع أولمرت حول أنفع الوسائل العدوانية في ممارسة التطهير العقابي الجماعي في غزة وحواليها، فيما الحال الفلسطيني على ما نشهد من تفاصيل مخزية وسريعة الانحدار إلى القاع، بجناحيه في السلطة وحماس، كما أوجز إبراهيم أبراش وأصاب، والمرجو منه أن يواصل حضوره الثقافي والنقدي ويصيب، فصوته شديد الوجوب دائما، ليس فقط لأنه عاين في الشهور الماضية “رسميا” ضياع البوصلة نحو الاستقلال والتحرر الفلسطيني، بل لأنه ما راوغ يوما ولا صمت، على ما أعرف وأشهد.

 
 
اقرأ المزيد...
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required