لم يخل يوماً من أيام العام الجاري دون تسيير الفلسطينيين مواكب جنائزية للشهداء الذين يقتلون على أيدي قوات الاحتلال بالجملة والمفرق ، خصوصاً في قطاع غزة . الآلاف يشاركون في كل موكب تشييع يبدأ خط سيره من ثلاجة الموتى في المستشفيات الى بيت ذوي الشهيد ، ومن ثم يحمل على الأكف الى المسجد ، ومن هناك ينطلق المشيعون بالجثمان الى المقبرة . الهتافات هي ذات الهتافات التي تصدح بها حناجر الآلاف في كل موكب تشييع ، من الدعوة الى الانتقام من الاحتلال ، الى دعوة المقاومة الى التوحد في مواجهة العدوان ، الى التنديد بالعدوان والصمت الدولي حياله . بضعة عشرات من المقاومين المسلحين يطلقون زخات من الرصاص الحي في الهواء تعبيراً عن الغضب ، وتأكيداً على مواصلة طريق السلاح لتحرير فلسطين ، بينما يتقدم الموكب الجنائزي عدد من المسئولين الحزبيين أو الرسميين الفلسطينيين . تحول الموكب الجنائزي للشهداء الى مناسبة اجتماعية يعبر فيها المسئولون عن تلاحمهم مع ذوي الفقيد ، ويكيل المسئولون في العادة المديح لذوي الفقيد على صبرهم ، وحسن استقبال خبر الاستشهاد . لا تختلف مشاركة الفلسطينيين في مواكب تشييع الشهداء ان كان المسجى على النعش صغيراً أم كبيراً ، بل على العكس كلما كان المحمول على الأكف طفلاً كانت المشاركة أكثر فاعلية ، وكان المشاركون أكثر حرارةً . الطفلة الرضيعة أميرة ابو عصر لم تبلغ من العمر بعد عشرين يوماً ، قضت وهي في حضن والدتها (غادة) وهي في أول زيارة لها بعد الميلاد الى بيت والدتها أم يوسف السميري شرق بلدة القرارة جنوبي قطاع غزة . قذيفة مدفعية باغتت بيت السميري لتخطف شظية من القذيفة أميرة ذات الوزن الأخف من الشظية ، وتذهب أميرة في أول وآخر خروج لها في حياتها القصيرة من بيت أبيها الى نهايتها الأبدية دون أن تعرف معني الاحتلال والقتل والموت . لف جسد الأميرة الصغيرة بالأبيض المحفوف بإكليل من الورد وحملها الأب مرة والأعمام مرات والأحباب كذلك وسط دموع تنهمر لا تكاد تنقطع من مئات المشاركين، بينما الأم الثكلى ترقد في منزل زوجها تندب فقدان الأخ والبنت في آن. من مسجد العمري وسط مدينة غزة انطلق المشيعون الى مقبرة الشهداء شرق غزة وسط هتافات تندد بالجرائم ، وقتل الأطفال والنساء . وقتلت قوات الاحتلال منذ بدء العام الجاري (240) فلسطينياً ، معظمهم من قطاع غزة ، وبين هؤلاء كان (38) طفلاً ، أصغرهم بالطبع أميرة ابو عصر ، لتفوت الطفل محمد البرعي الذي قتل الخميس الماضي في قصف استهدف منزل عائلته وسط غزة . ومن بين نحو خمسة ألاف شهيد فلسطيني قتلوا بأيدي قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ اندلاع انتفاضة الأقصى في أواخر شهر سبتمبر/أيلول من العام 2005م ، استشهد (837) طفلاً حسب إحصائية طبية رسمية . وظل قتل قوات الاحتلال لأطفال في غزة محفوراً في الذاكرة الفلسطينية والعربية ، خصوصاً قتل قوات الاحتلال الطفل محمد الدرة جنوب مدينة غزة عندما صوب إليه الجنود الرصاص من موقعهم العسكري في مستوطنة نتساريم الواقعة جنوبي غزة بعد شهر من اندلاع الانتفاضة ، دون أن يتمكن صراخ والده الذي نجا من الموت من وقف إطلاق الرصاص . كما لا يغيب عن المشهد صورة الطفلة إيمان حجو التي استشهدت في منزل جدها في مخيم خان يونس بقذيفة مدفعية ، كذلك لا يبتعد كثيراً عن المشهد لكن في مشهد يحمل دلالات استشهاد الطفل فارس عودة الذي وقف يقارع دبابة الاحتلال بحجارته فقتلته برصاصها الثقيل. براءة الأطفال حركت المئات من أقران أميرة الى التحرك من بيوتهم في شوارع غزة الى مكتب الأمم المتحدة في المدينة لتوجيه رسالة احتجاج على قتلهم اليومي ، وللطلب بتوفير حماية لهم من بطش الدبابة والطائرة والرصاصة ، إنها براءة أطفال لا تعرف أن العدو لا يوفر صغيراً ولا كبيراً في معركة غير متكافئة بين محتلة يملك البطش وشعب لا يملك إلا إرادة الحياة.
اقرأ المزيد...
بقلم: ريما كتانة نزال
تاريخ النشر: 2018/7/23
بقلم: جهاد حرب
تاريخ النشر: 2018/5/12
بقلم: وكالة معا الاخبارية
تاريخ النشر: 2018/5/2
|