قراءة ونقاش تقرير لجنة التحقيق في انقلاب غزة ليس تطفلاً اواقتحاماً لخصوصية تنظيم أو أفراد، بل هو محاولة لتلمس الخروج من أزمة طاحنة تمس مستقبل الشعب والقضية الوطنية، تلك الازمة التي يجري تداولها بأسلوبين وموقفين، الاول التعامل بلا مبالاة مع وجود الازمة وتفاعلاتها وانتظار التجليات والنتائج، وهو بالتأكيد موقف سلبي انتظاري يدفع الامور الى نهاية سلبية، ويسمح للآخرين بالتدخل وتقديم الحلول والمخارج التي تتفق مع مصالحهم وأطماعهم. الموقف الثاني: التعامل بجدية ومسؤولية مع كل عناصر الازمة والاسهام في اقتراح الحلول والمخارج في محاولة لانقاذ الوضع وقطع الطريق على التدخلات الخارجية المخيفة والانقسام والتفتت الداخلي. ان تقرير لجنة التحقيق في انقلاب غزة الذي سرب لوسائل الاعلام يحفز كل من يقرأه للدخول في الحوار والإدلاء بدلوه. الاجهزة الامنية توقف التقرير مطولاً عند الاجهزة الامنية، كيف تعاملت مع الازمة وتفاعلاتها؟ وهل أدت وظيفتها ورسالتها؟ هل كانت أمينة في الاجابة على مبرر وجودها؟ الاجهزة الامنية تستوعب 30% من موازنة السلطة الوطنية وهي تكلفة تعتبر الاعلى وتكاد تنحصر في الدول التي تعيش حالة حرب او الدول "التوتاليتارية" الشمولية. الاجهزة الامنية في حالتنا تنتمي لسلطة فاقدة السيادة وتحت الاحتلال، بل تشكلت بموجب اتفاق مع دولة الاحتلال، لا تستطيع الدفاع عن الشعب والارض في مواجهة الاحتلال، المهمة المتبقية للسلطة هي الدفاع عن النظام والقانون وحماية المواطن وحقوقه وحرياته، ومنع الفوضى والسهر على تطور المجتمع ومؤسساته بمختلف المجالات. ماذا فعلت الاجهزة الامنية في غزة؟ يلخص التقرير أداء الاجهزة على الشكل التالي: ü غياب القيادة عن أرض المعركة، فقد طبق القرار الرئاسي بتشكيل غرفة العمليات شكلاً بدون تطبيق المضمون، ثلاثة من أصل 9 كانوا في الخارج والآخرون لم يلتزموا، الفريق المجايدة قال "إنه لم يكن قائداً لأحد"، وهو بدوره لم يعمل على تأكيد صلاحياته، لم يصدر تعليمات عسكرية، لم تكن لديه سيطرة على القادة، ولم تكن هناك سيطرة من القادة على مرؤوسيهم وعناصرهم. تقوقع كل طرف بموقعه دون علاقة بالآخر، وغادر العديد من الرتب العليا قطاع غزة الى مصر والاردن ورام الله قبل وأثناء الانقلاب العسكري. وخلص التقرير الى: "انعدام القيادة وفقدان السيطرة والاتصال والتنسيق". ü انهيار الاجهزة بسرعة قياسية: أدى القرار المرتجل بفك الحصار عن بيت ماهر المقداد الى وقوع خسائر فادحة وانهيار القوة الخاصة. وأدى قرار إخلاء مقر الامن الوقائي في غزة الى سقوطه بعد 48 ساعة، وبدأت السلسلة بالانفراط، الانسحاب من مقر السراي قبل التعرض للهجوم، تلاشت واختفت قوات الامن الوطني بسرعة مذهلة، جهاز التفويض السياسي لم يكن اكثر من مستودع لا يفعل شيئاً، الشرطة العسكرية والبحرية لم يكن لهما أي دور يذكر وكأنهما غير موجودتين، والخدمات الطبية لم تعمل كمراكز خاصة او بديلة للطوارئ، وانهار الجهاز في ساعات، تقلص أفراد الحرس الرئاسي الى أقل من ثلث القوة البشرية، وترك الجنود مواقعهم وأسلحتهم بمحيط المنتدى، قائد الجهاز كان منهاراً وترك الجهاز بلا قيادة، قرر مدير الامن الداخلي رشيد ابو شباك إخراج الشرطة من دائرة الصراع، جهازا المخابرات والوقائي لم يتلفا الوثائق قبل الانسحاب وسقوط المقرات. الأجهزة التي بلغ تعدادها 50 الفاً على كشوف الرواتب، اقتصرت مشاركتها على 10ــ 15%، وفي تقدير آخر اقتصر الالتزام على 2000 عنصر وضابط فقط. وخلص التقرير الى حدوث انهيار معنوي تلاه انهيار مادي وفقدان للارادة والمناعة والثقة والأمل، هذا الانهيار الداخلي لاجهزة السلطة ومؤسساتها هو الذي قاد الى فوز "حماس". أسباب الانهيار: يعدد التقرير مجموعة من الاسباب والعوامل التي أدت الى الانهيار من أهمها: ü عدم كفاءة القيادة، معظم قادة القوات غير مؤهلين ويفتقدون للتجربة، غير ان التقرير لم يتوقف عند الاسس التي تم اعتمادها في بناء الاجهزة، ومعيار الترفيع والحصول على رتبة عسكرية عليا ومتوسطة، فما أسهل الحصول على رتبة وترفيع بمعزل عن الدراسة والتدريب والتأهيل! وجرى التعامل مع الرتبة كامتياز وعوائد مالية بدون عمل او مقابل، وجرى تكليف أصحاب الرتب لمهمات مدنية بمستوى محافظين ووظائف رفيعة أخرى تيمناً بتجربة الانظمة العسكرية مع فارق ان الرتب في تلك الانظمة حقيقية. لقد وضع المواطن امام مفارقة وجود جنرالات بلا جيوش، ورتب عسكرية وأجهزة لا تستطيع الاعتراض على سيارة جيب عسكرية احتلالية واحدة، لماذا الاستعراض إذاً؟ لماذا لا نخفي رتباً لا نستطيع الحفاظ على هيبتها؟ لماذا المس بشرف العسكرية وامتهانه بهذه الصورة. العقيدة العسكرية كانت "الرتب العسكرية وكيفية تصعيدها"!! لم نتعظ من ذلك الانهيار وبقيت الرتب على حالها، طوبى للجنرالات المزوقين بالنسور والنجوم والسنابل وعصا المارشالية في بلد غارق بالاحتلال! ü اختراقات سياسية في بعض قيادات وكوادر "فتح" وقيام البعض باتصال وتنسيق مباشر مع "حماس" وتقديم تقارير ورسائل تزلف ومهادنة، واختراقات امنية بلغت نسبتها الاجمالية 30% في الاجهزة الامنية، بعض القادة اصبح مرافقوهم من عناصر "حماس"، والبعض لجأ لعمل ترتيب شخصي مع "حماس". ü تحولت الاجهزة الى ممالك خاصة، ومراكز قوى، ومؤسسة للشؤون الاجتماعية العشائرية، واستفحال الرابطة العسشائرية على حساب الالتزام التنظيمي والانضباط العسكري، وتغليب الولاءات الفردية والعائلية على الولاء للتنظيم والمصلحة الوطنية. ويمكن الاضافة هنا أن ولاء العناصر والرتب الوسطى كرس لقائد الجهاز وليس للسلطة والوطن، وقائد الجهاز يستطيع تقديم العقاب والثواب بمعزل عن القانون والنظام، ويستطيع الاستقواء بقوى خارجية وبتحالفات وبدعم مادي ان أراد. ü استشراء الفساد في الأوساط القيادية، وبناء المؤسسات وإدارات السلطة بأساليب خاطئة وبنظام تعيينات يفتقد الى المهنية والكفاءة والحاجة، وبفعل ذلك تمكن أصحاب المصالح والانتهازيون من التسلل الى مراكز المؤسسات المدنية والعسكرية، في غياب المساءلة والمحاسبة والتقييم، وفي ظل سيادة تقليد حماية التقصير والمقصرين الموالين. الملاحظات النقدية الجريئة التي قدمها التقرير تضعنا أمام ضرورة اعتماد سياسة إعادة البناء للاجهزة والمؤسسة التي لم تحدث اي اصلاح في بنيتها منذ أمد طويل، إعادة البناء هنا صعبة ومعقدة لكنها ممكنة، وهي الملاذ الوحيد أمامنا، فإما ان نعيد البناء ونقوم بالاصلاح وندفع الثمن للشعب، وإما ان يتولى هذه العملية غيرُنا ولأهداف ومصالح أخرى ويدفع الشعب والقضية الثمن، لن يبقى الوضع على حاله مزيداً من الوقت، الشعب يستحق التضحية. يتبع الايام
اقرأ المزيد...
بقلم: ريما كتانة نزال
تاريخ النشر: 2018/7/23
بقلم: جهاد حرب
تاريخ النشر: 2018/5/12
بقلم: وكالة معا الاخبارية
تاريخ النشر: 2018/5/2
|