مفتاح
2025 . الخميس 5 ، حزيران
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 

يمكن وينبغي، بل من الواجب والضروري، فتح باب النقاش والجدل حول تطورات العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، والرد الفلسطيني النوعي المتمثل في عملية الهجوم على المدرسة الدينية اليهودية في القدس الغربية التي أسفرت عن قتل ثمانية إسرائيليين وجرح نحو أربعين آخرين، لا سيما وأن ثمة التباسا مقيما في المفاهيم والرؤى المتعلقة بالصراع مع إسرائيل وآلياته الميدانية والسياسية والديبلوماسية، يفضي، عمليا، إلى استنتاجات متعددة ومختلفة تصل إلى حد التباين لمعنى الهزيمة والنصر، والجدوى والعبث، وسط دورة الموت والبؤس التي حصدت أرواح مئات الشهداء والجرحى الفلسطينيين، وتصدرتها صور أشلاء الأطفال الممزقة والجثث المتناثرة وسط الشوارع والأحياء والأزقة، في منطقة تتكدس فيها الأكوام البشرية، ويرتفع منسوب البؤس والفقر والجوع، تحت وطأة الحصار والخنق والتجويع وإغلاق المعابر وتناسل الحواجز والعراقيل، إلى مستويات قياسية غير مسبوقة دلالتها الأبرز أن نسبة العاطلين عن العمل وصلت إلى 68 في المئة ونسبة الفقر إلى 90 في المئة.

مشروعية هذا الجدل والنقاش المطلوب تتوكأ على مفارقة أن يخرج من بين الأنقاض، أو على بعد مئات الكيلومترات منها، من يعيد على مسامعك الاسطوانة العربية المشروخة حول تحقيق النصر على العدو «الذي لم يستطع تحقيق أهدافه» ولم يتمكن من إيقاف إطلاق الصواريخ على «سديروت» رغم الجدل الواسع حول جدوى هذا الشكل من المقاومة وتأثيره الفعلي، كما لم يستطع المس بالقيادة التي يشكل بقاءها هدفا مركزيا للأمة وحقوقها لا بل وجودها، وذلك على رغم الثمن الباهظ من أرواح ودماء أبناء هذا الشعب الصابر المقاوم، ورغم عدم القدرة على إنزال خسائر بشرية بالعدو الذي ما زال يعلن أن ما حدث ليس سوى جولة أولى في إطار «العملية الكبرى» التي أعلن وزير الحرب الإسرائيلي ايهود باراك، أنها تهدف إلى وقف نار «القسام» على إسرائيل، ووقف التهريب في محور فيلادلفيا، وإضعاف حكم «حماس» وربما إسقاطه إن أمكن، وأن قياس نتائج هذا «الشتاء الحار» لا ينبغي أن يتم حسب كمية الصواريخ التي تطلق نحو إسرائيل، وإنما على أساس اعتبار ما حصل مجرد افتتاح لجولات أخرى تستند إلى معلومات استخبارية عن مواقع اطلاق الصواريخ، وعن اهداف ملموسة يمكن الوصول اليها وشلها من خلال عمليات برية وجوية.

وكما أن الردع الإسرائـيـلي، الذي تـآكل وتهـتـك في حـرب تموز (يوليو) 2006 على لبنـان، لا يتحقق أو يستعاد في عملية واحدة مهما كانت ناجحـة، كما يقول الإسرائيليون أنفسهم، فإن الصمود والثبات في وجه العدوان لا يكفي للإدعاء بأن ثمة نصرا تحقق، ولا سيما في ظل الخسائر البشرية والماديـة الباهـظة في قـطاع غزة الذي يتخبط بمآسيـه المستـدامـة، وعـدم إمكانـيـة استـغـلال الصمود الذي أبداه أبناء القطاع ووضعه في بنك الاستثمار الوطني الذي يراكم الإنجازات ويطوَرها، ناهيك عن استمرار وتواصل الانقسام الفلسطيني الداخلي المرشح للتعمق أكثـر فـي المدى المنظور بعد محاولات استغلال دماء الضحـايا الذين سقطوا، والخراب والدمار الذي لحق بالمناطق المستهدفة بالعدوان، لتصفية حسابـات داخليـة فئـويـة يعلم الجميع أنها تساهم في خلق الأرضيـة المناسبة لبعثرة ما تبقى أوراق القوة لدى الفلسطينيين، وتكريس ما يمكن تسميته «التيه الوطني» الذي يضع الحقوق الفلسطينية على سكة التبديد.

ومع أن الجدل المصاحب لفوضى التحليلات والاستنتاجات التي أعقبت العدوان الإسرائيلي على غزة وعملية القدس، استند إلى التصور المسبق الصنع حول وصول صراع المحاور في المنطقة إلى مرحلة متقدمة لا مكان فيها للتراجع، وانصبَ على فحص الخيارات الإسرائيلية الممكنة حيال «حماس» وصواريخها التي يقول المعلق الإسرائيلي يوئيل ماركوس في «هآرتس» أنها، ومنذ إطلاق أولها في نيسان (إبريل) 2001 وحتى اليوم، لم تقتل سوى 12 إسرائيليا، ومثل هذا المعدل من القتلى سقط في اكثر من مرة خلال اسبوع واحد من حوادث الطرق، غير أن ما يدب على الأرض يؤشر إلى أن هدف «حماس» المركزي راهنا هو محاولة خلق معادلة جديدة في غزة عنوانها الوصول إلى تهدئة إسرائيلية - حمساوية تتيح الاعتراف غير المباشر بالحركة الإسلامية، وتاليا تحطيم المقـاطعة الدولية المفروضة عليها.

وقد سبق للحركة أن أطلقت خلال الأعوام الأربعة الأخيرة عدة مباردات للتهدئة مع الجانب الإسرائيلي كان آخرها تلك المبادرة التي قدمها الصحافي المقرب من «حماس» خالد العمايرة بتأييد من الحاخام مناحيم فرومان ونشرتها وكالة «معا» الإخبارية يوم 13/2 الماضي، ناهيك عن تأكيد زعيم حزب «ميرتس» الإسرائيلي للإذاعة العبرية بأن «حماس» نقلت عروضا للهدنة مرتين على الأقل عبر أطراف دولية، لكن إسرائيل لم تعرها اهتماما.

ولعل اللافت، في هذا السياق، هو أن الجدل الإسرائيلي حول الخيار الذي ينبغي اعتماده للتعاطي مع معضلة صواريخ «حماس»، والذي كان يجب أن تحسمه قرارات المجلس الوزاري المصغر التي طالبت الجيش بوضع حد نهائي وحاسم للصواريخ، ووضعت قادة «حماس» و«الجهاد الإسلامي» في قوائم الاغتيال، سرعان ما أفرز حركة سياسية إسرائيلية، وبضوء أخضر أميركي، نحو القاهرة لبحث إمكانية التهدئة مع «حماس» رغم التحفظات المعلنة حيال هذه الخطوة.

والأرجح هو أن خلفية هذه القفزة تكمن في رغبة القيادة الإسرائيلية التي تجاهلت استعداد رئـيـس السلطة الفلسطينية محمود عباس للعمل من أجل التوصل إلى تهدئة شـاملة ومتبادلة مع الجانب الإسرائيلي، جذب «حماس» إلى ما يمكن تسميته «مصيدة الوهم» التي تفتح شهية احتكار التمثيل السياسي، بعد محاولة احتكار تمثيل المقاومة، وتكريس حالة الانقسام الفلسطيني جغرافيا وسياسيا، لا بل وتحويلها إلى حالة تناحرية تتيح التحكم في ضبط ايقاعها وفق مصالح الدولة العبرية.

وليس من قبيل الصدفة أن يتوقع رئيس جهاز الشاباك الاسرائيلي يوفال ديسكين ان يشهد عام 2008 اتساعا في حدة الانفصال بين غزة والضفه الغربية، وتدني امكانية حدوث مصالحة بين فتح وحماس، رغم الحديث عن إمكانية الشروع في حوار بين الجانبين بعد تبني الجامعة العربية مباردة الرئيس اليمني علي عبد الله صالح لرأب الصدع الفلسطيني.

أما رئـيــس السلطة الفلسطيــنـية القلق مــن هـــذه التطورات فيبدو أنه، وتحت وطـــأة الخشية من التهميش الإضافي، والإحساس بعدم القــــدرة على اجتراح صيــغ جديدة تتنـــاسب والأوضاع المستجدة المتخمة بــكافة أنـــواع الضغوط، قرر الهـــروب إلى الأمام عبر مواصــلة عمليــة التفاوض العبثية التي لم تــستــطع، ومنــذ نــحو عاميــن حتى الآن، تحقيق أي مكسب سياسي أو ميداني على الإطلاق.

وتفيد المعطيات المتوفرة حول جولات التفاوض بأن الطرفين المتفاوضين اعتمدا صيغة اقترحها الإسرائيليون حول تــشكيل لجـان للبحـث في قضايا ما يسمى «ثقافة السلام» و«العلاقات الاقتصاديــة» و«البحــث في نــظام الحدود» و«العلاقات السيــاسيــة والديبلوماسية وموقع الدولة الفلسطينيــة في المنظمات الإقليميــة والدوليــة» ولجنة للأمن وأخرى للحدود، وكل ذلك قبـل البــحث الجدي في قضايا القدس واللاجئين والمستوطنات والجدار، ما يـــعني، في الجوهر، إفـــراغ قضايا الحل الدائم مــن مضمونـــها تمهيدا لفــرض نتــائــج تتــوافــق للشروط الإسرائيلية والرؤية الأميركية للحــل كما وردت في رسالة الرئـــيـــس بوش إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي السابـق أريــيــل شارون في 14/ 4/ 2004، فيما يواصل تـسونــامي الاستــيـطان الذي تــوَج بوافقة أولمرت على بـــنــاء 750 وحدة سكنية جديدة في مستوطنة جبعات زئيـف زحفه، وتستمر عملية استكمال بناء جدار الفصل وإقامة المزيد من الحواجز في الضفة الغربية التي ناهز عددها حتى الآن نحو الـ 600 حاجز.

كاتب فلسطيني

دار الحياة

 
 
اقرأ المزيد...
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required