مفتاح
2025 . الأربعاء 4 ، حزيران
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 

الرأي العام “الإسرائيلي” حسب تشخيص عدد من الكتاب اليهود هو تعبير عن حالة مزاجية نفسية أكثر منه تعبيرا عن اتجاه رأي عام، سواء كان موافقا على التحرك في عملية السلام أيام حكم رابين أو منقلبا عليها مدفوعا بنزعة العنف والتدمير للفلسطينيين، منذ بن جوريون، وحتى نتنياهو وشارون، وما يحدث في عهد أولمرت اليوم. ولما كانت عملية السلام تقف أمامها علامة استفهام كبيرة من حيث تعامل العقل “الإسرائيلي” معها، فكان من المهم التوقف أمام مفهوم لمفكرين يهود يقول إن عملية السلام قد ماتت، وهو المفهوم الذي ينسب إلى نيل كوزوروي رئيس تحرير مجلةCommen tary التي تعتبر من أهم الصحف المعبرة عن الرأي اليهودي المعاصر في أمريكا.

وكوزوروي طرح للمناقشة الحالة الراهنة لعملية السلام في كتابه تشريح عملية السلام “the mideast peace process : An Autabsy” جمع فيه دراسات لثلاثة عشر مفكرا وسياسيا من “الإسرائيليين” واليهود الأمريكيين منهم: ديفيد بار إيلاون، ودوجلاس فايث، ودور جولد، وهيليل هالكين ودانييل باييس وغيرهم. وإذا كان الرأي العام “الإسرائيلي” هو في المقام الأول حالة مزاجية، فإنه أولا وأخيرا جزء من دولة وبالتالي فالدولة ذاتها هي الوعاء الأوسع لشعبها، فهي أمام المجتمع الدولي ملتزمة بعملية سلام، لكنها تبدو كثيرا ما تتصرف سياسيا من واقع هذه الازدواجية.

والسؤال: هل “إسرائيل” في وضعها المعاصر دولة أم ثكنة عسكرية؟ من هنا يأتي التفسير الممكن لنظرة العقل “الإسرائيلي” لعملية السلام.

وتعبير الثكنة العسكرية سبق أن وصف به دولة “إسرائيل” البروفيسور ج. هورفيتز الخبير الأمريكي في شؤون الشرق الأوسط على أساس أن كل السكان جنود في ثكنة تحمل اسم دولة. المجندون والاحتياط وسكان القرى والكيبوتزات والجيش نفسه ممتد إلى الحياة المدنية، والمهاجرون يتحولون فور وصولهم إلى جنود جدد، والمؤسسة العسكرية هي مركز الإلهام للسياسة وتطبيقاتها، والجيش هو المرجعية الأولى للشعب فيما يتعلق بمسألة الأمن التي تعد ضاربة في عمق السياسة والاستراتيجية.

في هذا الإطار فإن الجيش “الإسرائيلي” ومنذ قيام “الدولة” كان دائماً متأهباً لحالة من اثنتين: الحرب أو التجهيز لحرب. وباعتراف قادة “إسرائيل” في أوراق سمح برفع السرية عنها بعد مرور السنوات الطويلة فإن جميع حروبهم كانت بمبادرة منهم وبتهيئة الظروف التي تسمح بإشعالها - أي عملا عدوانيا- باستثناء حربي 48 و73 وكان من أسلحتها قتل المدنيين كنوع من ترويع العدو وردعه، ومن حيث إن الردع النفسي كان هدفا رئيسيا في كل حروب “إسرائيل”، ونتيجة تريد أن تصل منها إلى إحداث الانكسار النفسي على الجانب العربي.

والحروب عند “إسرائيل” كانت أيضا نوعا من التجارة ودعم الاقتصاد فعقب كل حرب دخلتها “إسرائيل” كان ذلك بمثابة دعاية للترويج لنوعيات الأسلحة التي تنتجها صناعتها العسكرية، فيزيد الإقبال على شرائها، ولإبرام عقود مع دول في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية لاستئجار جهود كبار ضباطها في التدريب، أو قيادة حروب متمردين ضد حكوماتهم.

إذن فإن الفكر العسكري والحياة وفق مفهوم الحرب، كانا يحكمان حركة الحياة في الدولة وفي السياسة على مستوى المؤسسة الحاكمة.

وحين قبلت “إسرائيل” عملية السلام فإن قبولها جاء من منطلق المضطر وليس الذي اختار، وهو ما عبر عنه هيليل هالكين في الجزء الذي شارك به في كتاب تشريح عملية السلام بما وصفه بتخلي حكومة رابين عن المواقف التي التزمت بها علنا، وبممارستها تحولا جذريا عن سياسات “إسرائيل” التقليدية.

ويشير هالكين بذلك إلى برنامج حزب العمل للحملة الانتخابية عام ،1992 الذي تضمن التعهد بالاستمرار والتفاوض مع فلسطينيين من الأراضي التي احتلت في 67 للوصول إلى اتفاق في إطار أردني فلسطيني وليس اتفاقا حول دولة فلسطينية منفصلة في الضفة الغربية وبقاء القدس موحدة وغير مقسمة تحت سيادة “إسرائيل”، وفي حالة الاتفاق مع سوريا يستمر الوجود العسكري “الإسرائيلي” والمستوطنات في الجولان.

ولما قبلت حكومة “إسرائيل” عملية السلام، وسارت فيها حكومة رابين خطوات، كانت “إسرائيل” مدفوعة إلى ذلك بأسباب بداياتها حرب 73 وما استخلصته من نتيجة بأن “إسرائيل” يمكن أن تهزم، ثم بالانتفاضة الأولى في ،1987 وتفسير “إسرائيل” لها بأنها أنهت مبدأ نقل الحرب إلى أرض العدو والذي كانت “إسرائيل” قادرة في حروبها على تطبيقه، وانتقال الحرب إلى داخل حدودها وذلك من وجهة نظرها بأن الأرض المحتلة دخلت إلى حدودها ثم انتهاء الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفييتي وخوف المؤسسة “الإسرائيلية” من أن يؤدي ذلك إلى نهاية وظيفة “إسرائيل” في الاستراتيجية الأمريكية كقاعدة عسكرية متقدمة أمام النفوذ السوفيتي.

وأبدى قادة “إسرائيليون” ومنهم شيمون بيريز خشيتهم من الرهان الأبدي على تحيز أمريكا ل”إسرائيل” ولذلك خرجت منهم مقولات بأن “إسرائيل” جزء من الشرق الأوسط بعكس المفهوم السائد لديهم بأنهم جزء من الغرب، إلى أن جاء نتنياهو رئيسا للحكومة عام 1996وأعلن رفضه لفكرة أنهم جزء من الشرق الأوسط.

وكان ذلك نابعا من إعادة تنشيط المشروع الصهيوني بأن الأرض أهم من السلام ومن عدم حدوث التحول في نظرة أمريكا لوظيفة “إسرائيل” في استراتيجيتها ومن عدم وقوع تطور في العالم العربي يعدل من ميزان القوى بينهم، وكان ذلك وفق حساباتهم يأتي من عملية تنمية شاملة وإصلاح سياسي ديمقراطي في العالم العربي.

عندئذ حدث رجوع للعقل “الإسرائيلي” بتركيبته المزاجية إلى فكر الثكنة العسكرية، وإلى جوهر المشروع الصهيوني فكنا أمام دولة تتحدث عن عملية السلام، وعقلها يراها عملية قد ماتت.

معنى ذلك أننا كنا كعالم عربي نتعامل مع “إسرائيل” الدولة وهو ما يحتاج ممارسة سياسات، بينما نحتاج في نفس الوقت أن نمسك بأيدينا أدوات التعامل مع الحالة المزاجية المتقلبة، أي إعادة صياغة إدارة الصراع مع “إسرائيل” من زاوية النظر إلى ما هي عليه، وليس ما كنا نتمنى أو نتصور أن تكون عليه.

إن الرأي الذي انتهى إليه تشريح عملية السلام لم يأت من جانب شخصيات تطلق انطباعات أو حتى رؤية تحليلية أو من جماعات بعيدة عن دائرة صنع القرار السياسي “الإسرائيلي” فمنهم من شغل مناصب في حكومات “إسرائيل” مثل دور جولد ومنهم من ينتمي إلى المحافظين الجدد مثل دوجلاس فايث، أو من عرف بتعصبه وعدائه للعرب مثل دانيال بايبس ومن بينهم آخرون عرفوا باهتمامهم بسياسات “إسرائيل” وعلاقاتها بالعرب.

ولهذا فإن الرأي الذي يصل إليه كل منهم والذي دفع كوروزوي إلى جمع آرائهم معا في كتاب واحد يحمل اسمه على غلافه لا بد أنه يستحق الدراسة والتأمل.

وهو ما يدفع للتساؤل: لو أن عملية السلام قد ماتت أو حتى هي في النزع الأخير، أو في أحسن الأحوال في غرفة الإنعاش فكيف يتصرف العرب حيالها في هذه الحالة؟

هل يستمرون في التعامل معها بنفس منطق تعاملهم معها حين بدأت في مؤتمر مدريد عام 1991؟ أو يتوجب عليهم صياغة إدارة جديدة لعملية السلام؟

دار الخليج

 
 
اقرأ المزيد...
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required