مفتاح
2025 . الأربعاء 4 ، حزيران
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 

لأول مرة التقي ممثلا أممياً مسؤولا عن وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين بغزة في لقاء استمر زهاء الثلاث ساعات جمع عددا من المفكرين والكتاب والصحفيين، وتناول اللقاء موضوع التعليم والآفاق المستقبلية وكيفية الخروج من عنق الزجاجة الذي يواجه المسيرة التعليمية، على إعتبار أن الإستثمار في الإنسان الفلسطيني هو ركيزة التنمية والبناء، ومتطلب أساس في مسيرة بناء الإستقلال السياسي والتنمية ألإقتصادية والحضارية، إنطلاقا من فرضية أساسية أنه إذا صلح النظام التعليمي صلح المجتمع كله.

ولعل أول ما لفت إنتباهي في هذا اللقاء أنه وعلى غير عادة المسؤولين السياسيين والممثلين الأممين الذين ينشغلون في احاديث سياسية غير واقعية، أنك أمام خبير ومتمرس في الحقل التعليمي، وبعقلية متفهمة ومدركة لكل مكونات مدخلات النظام التعليمي القائم، والمعيقات التي تعيق تطور العملية التعليمية، بلغة واضحة وأفكار متسلسلة ومنطقية، وتحليل عميق وموضوعي، وتشعر معه أن الذي يتحدث ليس غريبا عن المجتمع الفلسطيني وتقاليده وعاداته وتطوراته السياسية والإجتماعية. والملاحظة الثانية التي شدتني إلى مداخلته وعلى الرغم من طولها، لم أشعر بالملل ، بل بالرغبة بالإستماع إلى المزيد إيمانا مني بأن التعليم يعتبر ركيزة محورية من ركائز الديمقراطية والتنمية، والديمقراطية والتنمية هما الخياران الفلسطينيان الوحيدان في مسيرة النضال والإستقلال والحرية من الإحتلال الإسرائيلي وهو صراع لن يجدي معه إلا البناء الديمقراطي السليم والتنمية ألإقتصادية وبناء القوة، وأساسها إنسان بمواصفات ومقاييس علمية وتقنية وثقافية تؤهله للبقاء والإبداع والإنتاج في صراع حضاري شامل قوامه الحقوق ولغة الحوار وليس التصادم.

ومن خلال سرده لواقع المسيرة التعليمية الفلسطينية فقد لامس وبصدق وموضوعية أهمية أن نبتعد بالتعليم عن سياق التحيزات السياسية التي يمكن أن تجرف التعليم عن أهدافه الوطنية والعالمية إلى قنوات وأهداف تنظيمية ضيقة، تنعكس سلبا على التماسك الإجتماعي وعملية التنشئة السياسية والإجتماعيه والتي اساسها الصحيح المواطنة الواحدة والإنتماء والولاء الوطني المتحرر من التعصب، والرؤية العالمية للتعامل مع عصر تحكمه العولمة الثقافية والتعليمية.

أما الملاحظة الثالثة والتي كشفت أيضا عن أسلوب في القيادة والإدارة الجمعية، بتأكيده أن تطور العملية التعليمية يحتاج إلى رؤية شاملة وجهد متكامل وإلمام بكل عناصر العملية التعليمية التكاملية، بدءا من الطلاب الذين يمثلون بؤرة ومحور اي تغير وتطور تعليمي على أساس أنهم مقياس أي نجاح لمخرجات العملية التعليمية، وكذا المعلم ورؤساء الجامعات والعاملين والمهتمين في الشأن التعليمي، ولا شك أن هذا ألأسلوب مهم وضامن لنجاح أي رؤية تعليمية شاملة مما يسمح بالإستفادة من كل الخبرات على إختلاف ألأجيال التعليمية.

والملاحظة الرابعة التي إستوقفتني كثيرا إدراك هذا المسؤول الأممي بالمعاناة التي يعانيها المواطن الفلسطيني جراء سياسات الإحتلال التي تمارسها إسرائيل ضد العملية التعليمية على وجه الخصوص لإدراكها بقيمة التعليم في حياة الشعوب ولهدفها لتحويل الشعب الفلسطيني خارج صفوف التعلم وإلى شعب امي غير متعلم، وهذا الإدراك بلا شك أحد عناصر نجاح أي موظف على هذا المستوى من المسؤولية، أن يدرك أن هناك إحتلال لا بد أن ينتهي، وأن هناك مواطنا فلسطينيا يعاني من هذا الإحتلال، هذا الإدراك من شأنه أن يوصل إلى خلاصات وإستنتاجات موضوعية وحيادية.

وخامس هذه الملاحظات، هذا الإصرار العجيب في لغته وعزيمته وعدم إستعداده لرفع الراية البيضاء دلالة على الإصرار في مواجهة كل التحديات والمشاكل أيا كان مصدرها، وعلى إصراره على المضي بالمسيرة التعليمية إلى منتهاها، وكم كنت أتمنى أن أسمع هذا من مسؤول فلسطيني . وعدم رفع الراية البيضاء لايعني حمل السلاح واللجوء إلى القوة، بقدر ما يعني إصرار على عدم التضحية بإنجازات التعليم وإن كانت متواضعة، لأنه إذا ما إنهارت العملية التعليمية إنهارت كل ركائز ومقومات قوة المجتمع الفلسطيني وعندها سيفقد القدرة على بناء قواه الذاتية وبناء مؤسساته السياسية المستقلة.

وسادس الملاحظات، أن التعليم ليس مجرد نظام مكافآت تمنح وتوهب لإعتبارات شخصية أو ذاتية، بل هى جهد وعمل دائم ومتواصل، وهنا يركز على نظام الحوافز، والترغيب وخصوصا بالنسبة للطالب الذي ينبغي أن يدرك أن التفوق والنجاح يحتاج إلى جهد ومثابرة. وهو هنا يكشف وبمهارة عن أحد أهم عناصر القوة في الشخصية الفلسطينية، وهي أنه وعلى الرغم من مظاهر الإحتلال والإجتياحات المستمرة، فإن إرادة الطلاب كانت في كثير من الأمثلة أقوى، وتمثل ذلك في مستوى التحصيل الدراسي ونسب النجاح . في مناطق مثل بيت حانون وبيت لاهيا وجباليا.

أما الملاحظة السابعة والتي إستمعت إليها جيدا أن المدرس وهو محور وبؤرة التفاعل ما بين الطالب والمنهاج والبيئة التعليمية، أنه في حاجة دائما إلى عملية تأهيل وإعادة تأهيل وتنشئة بعيدة عن التحيزات والتعصب السياسى الذى قد يفقد التعليم ويبعده بعيدا عن أهدافه الحقيقية في البناء والتنمية، واختتم حديثه بقوله انه وغيره من الممثلين الأممين يأتون ويذهبون، لكن الذي يبقى هو الإنسان الفلسطيني، وإذا لم تتوفر لهذا الإنسان مقومات الإبداع والإنتاج والتفكير السليم فسيفقد أحد أهم ركائز القوة والخطوة ألأولى في بناء نظام تعليمي يعيد للشخصية الفلسطينية أصالتها وحداثتها في عالم تحميه قوة المعرفة العلمية والمعرفية. وهذه المقالة قد تكون مفيدة والشعب الفلسطيني في قطاع غزة يتعرض لمحرقة إسرائيلية جديدة، وتتعرض بناه ومؤسساته التعليمية وغيرها للتدمير، فندرك أهمية الحفاظ على عناصر القوة المتاحة وفي مقدمتها الإنسان والطفولة الفلسطينية.

بقلم: الدكتور ناجي صادق شراب

استاذ علوم سياسية- غزة

 
 
اقرأ المزيد...
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required