ضمن الاستعدادات الجارية، والجهود المبذولة، لعقد القمة العربية المقبلة في دمشق، استأنف الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى الإعراب عن شعوره بالتشاؤم والإحباط، مهدِّداً، ولكن بعبارات فيها من "الدبلوماسية" ما يسمح بالتراجع عن معانيها المباشِرة، بأن تقرِّر الدول العربية، عمَّا قريب، و"ربما في الأسابيع المقبلة"، على ما أوضح، إعلان "فشل عملية السلام"، أو "فشل مباحثات السلام في الشكل الذي تسير عليه"، فالعرب "أصبحوا قاب قوسين أو أدنى" من اتِّخاذ قرار كهذا. أمَّا "السبب"، الذي ينطوي على تبرئة لإدارة الرئيس بوش مِمَّا تعانيه "مفاوضات ما بعد أنابوليس"، فهو، على ما ذَكَر موسى، وعلى ما اعتدنا ذِكْره، ثبوت وتأكُّد (ما ثَبُت وتأكَّد مُذْ التزم العرب السلام مع إسرائيل خياراً استراتيجياً) أنَّ إسرائيل "لا تريد السلام"، أو، بعبارة أكثر تطرُّفاً في معناها السيكولوجي، أنَّها قد جُبِلَت على كره السلام مع العرب، ومع الفلسطينيين على وجه الخصوص. أمَّا لماذا لا تريد إسرائيل السلام، وتزداد مَيْلاً إلى رفضه، فهو سؤال ينبغي للعرب ألاَّ يطرحوه، وأن يتهرَّبوا من إجابته إذا ما طُرِح عليهم؛ لأنَّ النظر إلى هذا "السبب"، وهو عدم وجود إرادة السلام عند إسرائيل، على أنَّه "نتيجة"، يمكن أن يقود إلى استنتاج مؤدَّاه أنَّ العرب قد "بذلوا وسعهم" لـ "إقناع" إسرائيل بأنَّهم أضعف من أن يكرهوها على أن تريد السلام معهم، وتطلبه، أو من أن يُغْروها به! ولقد شبَّه موسى "الموقف العربي المنتظَر" بما يبعث على الشعور بالأسى والسخرية في آن، إذ قال إنَّكَ لا تستطيع أن تظل مادَّاً يدكَ إلى الطرف الآخر وهو مُصِرٌّ على إبقاء يده في جيبه. إنَّ عليكَ، في هذه الحال، أن تعيد يدكَ الممدودة زمناً طويلاً إلى جيبكَ، أي أن تخجل من نفسك، ومن موقفكَ هذا، فتعيد يدكَ إلى جيبكَ. ولكنَّ موسى، وحتى لا يساء فهم ما عنى وقصد، فيُظَن، أو تظن إسرائيل، أنَّ العرب ما أن يعيدوا يدهم إلى جيبهم حتى يَسْتلوا سيفهم من غمده، قال موضحاً إنَّ إعادة يدكَ إلى جيبكَ لا تعني، ويجب ألاَّ تعني، أن تأخذ هراوة، وتضرب بها الطرف الآخر! لقد أوضح لنا الأمين العام للجامعة العربية أنَّ "المفاوض العربي" يَفْهَم "السلام"، مع ما يحتاج إليه من وسائل وقوى، على أنَّه شيء شبيه بـ "المصافحة"، أو شيء لا يختلف في معناه (العربي) عن عبارة التحية "السلام عليكم"! وأوضح لنا، أيضاً، أنَّ طبيعة السياسة العربية تُحِبُّ، ولا تَكْره، "الفراغ"، فبعد أن تُقَرِّر الدول العربية، وإذا ما قرَّرت، إعلان فشل عملية السلام، لن نراها تُعْلن التزام خيار آخر، وكأنَّه أراد أن يقول إنَّ الدول العربية ستظل تلتزم السلام مع إسرائيل خياراً استراتيجياً حتى بعد إعلانها موت، أو فشل، عملية السلام، فـ "المرأة نصف الحامل" يمكن أن تَعْتَرِف بوجودها السياسة العربية! لقد قالوا، في معرض تبرير ذهابهم إلى أنابوليس، إنَّهم قد ذهبوا توصُّلاً إلى قطع الشكِّ بسكِّين اليقين، فإدارة الرئيس بوش بثَّت في روعهم أنَّ هذه المرَّة ليست كالمرَّات السابقة، على كثرتها، وأنَّ إسرائيل ستجنح للسلام؛ لأنَّها تريده، أو لأنَّ إدارة الرئيس بوش تريد لها أن تريده. وعليه، قرَّروا اغتنام هذه "الفرصة الأخيرة" للسلام، وقطع الشكِّ باليقين، الذي يشبه لجهة طلبه (أي طلب اليقين) أن يطلب أحدهم دليلاً على وجود النهار! أنتَ لو سألتَ فأراً "أيُّ الوحوش أقوى؟"، لأجابكَ على البديهة قائلاً: "القط!"، فالفأر لا يرى وحشاً أقوى من القط. ونحن لا نرى وحشاً أقوى من إسرائيل، فنُتَرْجِم هذه "الرؤية الفأرية" بقرار "التزام السلام خياراً استراتيجياً"، ضاربين صفحاً عن حقيقة أنَّ "السلام" لا يختلف عن "الحرب"، لجهة ضرورة أن يُعِدَّ له طالبه ما استطاع من قوَّة، فـ "حكيم السلام" قالها منذ زمن طويل "إذا أردتَّ السلام فاستعد للحرب!"؛ أمَّا "حكماء السلام عندنا" فقد ذهبوا إلى معتركه وكأنَّهم ذاهبون إلى "صلاة استسقاء"، لا يملكون له من سلاح سوى الصلاة، والنيَّات الطيِّبة، والدعاء إلى الله أن يهدي إسرائيل والولايات المتحدة إلى صراط السلام العادل. ولو حَدَثَ ذلك لتحوَّلت "السياسة" من بنتٍ للعلم والفن، إلى بنتٍ للخرافة والوهم، فإسرائيل لا تريد السلام؛ لأنَّنا لا نريد غير السلام!
اقرأ المزيد...
بقلم: ريما كتانة نزال
تاريخ النشر: 2018/7/23
بقلم: جهاد حرب
تاريخ النشر: 2018/5/12
بقلم: وكالة معا الاخبارية
تاريخ النشر: 2018/5/2
|