ينسب لهنري كيسنجر ,وزير خارجية الولايات المتحدة, في اواخر القرن الماضي, انه وصف السياسة المتبعة في اسرائيل بانها تتكون من سياسة داخلية واخرى داخلية وثالثة داخلية وهي بذلك تشبه مسيرة الدجاج الذي يحفر بالاقدام وهو مطأطىء الرأس لا يهتم لما يحدث امامه او الى جانبه وخلفه. وبغض النظر عما قاله كيسنجر او قصد به – ومدى صدق هذا الوصف- فقد وجدت نفسي طيلة الايام الاخيرة افكر في توصيف هذه السياسة. وقبل كل شيء وجدت حاجة ملحة في نفسي تفرض علي ان اعترف امام القراء- الاصدقاء منهم والاعداء- انني كنت طيلة عشرات الاعوام اعتقد بان حكومات اسرائيل تعتبر بان اهم ما تهدف اليه هو تحقيق السلام مع دول الجوار. ولكن علي ايضا ان اذكر القراء الشباب ان الاجماع العربي المعلن كان في تلك الايام صلبا وموحدا ورافضا لمجرد التفكير بامكانية مجرد اجراء مفاوضات مباشرة او غير مباشره بهدف التوصل الى سلام او هدنة او تهدئة مع اسرائيل. وكان الموقف الرسمي الحكومي في اسرائيل يؤكد على ان اسرائيل لا تطالب بمزيد من الاراضي الفلسطينية او السورية او المصرية , كما ان بعض كبار القادة في اسرائيل صرحوا في اكثر من مناسبة انهم مستعدون للتفاوض مع الدول العربية والالتزام سلفا بان اسرائيل مستعدة لتحمل قسطها من اعادة وتوطين اللاجئين على الاراضي الواقعة داخل حدود الهدنة منذ 1949. ولكن النصر الساحق الذي حققته اسرائيل على جيوش الدول العربية المجاورة في 1967 ( فيما اطلق عليه العرب يومها , بكل تواضع, اسم «النكسة» !) قلب الاوضاع جميعها رأسا على عقب في الاوساط السياسية والشعبية في اسرائيل والدول العربية وفي تعامل العالم الخارجي نحو الشرق الاوسط!!. بعد هذه الحرب بدلت واشنطن سياستها نحو اسرائيل وبعد ان كانت تتظاهر بالوقوف على مسافة واحدة من طرفي النزاع خرجت على الرأي العام بموقف لا لبس فيه من حيث انحيازها العلني والصريح لاسرائيل. لقد كانت واشنطن حتى 1967 تمتنع عن تزويد اسرائيل بالسلاح ولكنها بعد هذه الحرب راحت تقدم لها السلاح من مخازن قواتها المسلحة –مجانا . والاتحاد السوفياتي الذي كان يظهر للحكام العرب التقدميين وكانه والدهم الحنون بدأ يتحفظ ويفاضل بينهم ويطالبهم بمزيد من التقدم نحو الاشتراكية. والدول العربية وجيوشها المهزومة حاولت التقرب من منظمة التحرير الفلسطينية ( وخصوصا بعد معركة الكرامة في مثل هذه الايام من اذار 1968). ومنظمة التحرير التي كانت قبل 1967 مؤسسة حكومية تابعه لجامعة الدول العربية (ومصر!) تحولت بعد انتقالها لقيادة الرئيس ياسر عرفات وحركة «فتح» وصارت قبلة العرب ومصدر الامل لكرامتهم المهدورة. والمؤسسة الحاكمة في اسرائيل المنادية بالسلام والداعية للمفاوضات تحولت الى امبراطورية تدير وزارة مستعمرات تقيم وتدير حركة استيطانية على اراضي مصرية واردنية وسورية وخصوصا بعد أن وجدت في قرارات مؤتمر القمة العربية في الخرطوم مستندا يبرر التحول في سياستها الجديدة وفي الدعم الاميركي ممولا وسندا لانتهاز فرصة سنحت لتحقيق طموحات قديمة في مزيد من الاحتلال. ومع الدعم المالي الخارجي والعمالة الفلسطينية الرخيصة في الصناعة والزراعة ما انعش الاسواق الاسرائيلية وعجل في ازدهار الاقتصاد حتى اواخر 1973 وحرب اكتوبر التي ادت الى انعطاف جديد اخرج مصر من حالة الحرب مع اسرائيل واستعادة الاراضي المصرية. وكان من جراء حالة اليأس العربية بعد خروج مصر ان ازداد بريق شرارات الثورة الفلسطينية في الظلام الدامس خصوصا بعد مؤتمر القمة العربية في عمان حيث لم يتكرم العرب بمجرد الاشارة الى القضية الفلسطينية واعادة اسطوانة التنديد والتهديد – ومن هنا انفجرت الانتفاضة الاولى والتي فرضت على زعامة اسرائيل ان تعترف بشعب فلسطين وحقوقه والتفاوض مع ممثلى منظمة التحرير الفلسطينية وقيام «السلطة الوطنية» لتبشر بقرب قيام الدولة المستقلة. ولكن مسيرة قيام الدولة الفلسطينية تعثرت في العقد الاخير لأكثر من سبب. اولها ان الاتحاد السوفياتي سقط وكأنه حصان ورقي وتناثرت اشلاؤه بشكل لم يعرف تاريخ الامبراطوريات مثيلا له خصوصا وان احدا ممن استفادوا من هذا النظام لم يقاوم سقوطه. وسقوطه كان خسارة لاتعوض للعرب وللحرب الباردة وللتوازن بين قطبي العالم, خصوصا ان اكثر من مليون مواطن سوفياتي انتقلوا من مختلف دول شرقي اوروبا الى اسرائيل – ومعهم , بعكس اغلب التوقعات, كم غير معقول من العنصرية والتطرف والعداء للعرب !. وهناك من يعتقدون اليوم ان افيغدور ليبرمان , زعيم حزب الروس, هو اكثر المعادين للعرب وان مواقفه العنصرية تشكل رافدا خطيرا يدعم اليمين القديم (الليكود) وحزب المتدينين الوطني ويشكل معهم التجمع الحزبي القادم لتأليف الحكومة في اسرائيل. وايهود باراك, زعيم حزب العمل ووزير الدفاع الحالي يحاول ان ينافسهم على اصوات الناخبين الذين سيدعون للادلاء باصواتهم خلال العام القادم ( او قبل ذلك!), ويزعم ان تاريخه العسكري يؤهله لمثل هذه المهمة. وايهود اولمرت, خليفة ارئيل شارون ينتمي بالولادة الى اليمين القديم, واغلب الظن انه لم يبتعد عن البيئة التي ولد وتترعرع فيها الا بقدر ما تسمح له اصول مهنته ( المحاماة) ومن هنا فهو يناور ويؤجل ويتلاعب بالالفاظ لكسب الوقت والتهرب من مسؤلياته حتى تمر العاصفة. وقد نجح شارون – يوم امر بانسحاب الجنود والمستوطنين من قطاع غزة – في خلق الظروف لقيام الانقلاب الحماسي وشق الشعب الفلسطيني. وهكذا نجحت سياسة المناورة والمداورة في خلق المبررات والاعذار لحكومة اسرائيل ومنحها فرصة لكسب الرأي في اسرائيل وارضاء من يرفضون ان تظهر دولتهم بمظهر الكيان العنصري الرافض للاعتراف بحقوق الجيران وممارسة سياسة القوة وفرض الاحتلال الى موعد غير محدد. ان الرئيس جورج بوش هو , نظريا, السياسي الوحيد في العالم الذي يستطيع ان يفرض على اسرائيل ان تتحرك نحو تحقيق مخططه في التوصل الى السلام خلال العام الحالي. ولكن بوش ليس الامر الناهي الوحيد في واشنطن واغلب الظن ان اصدقاء اسرائيل – وبوش منهم!- لا يستطيعون دفع اولمرت نحو السلام مع حماس التي ترفض علنيا اجراء المفاوضات معه . واغلب الظن ان حماس وحماتها لن يتنازلوا عن سلطتهم في قطاع غزة – ومن هنا فان اسرائيل التي تخضع لمثلث احزاب التطرف- العنصري الروسي, والديني الوطني, واليمين القديم- ستجد في انقسام السلطة الفلسطينية مبررا لعدم الوفاء بما وعدت به الرئيس بوش. وعلى شعبي فلسطين واسرائيل تحمل المزيد من المعانات حتى تتاح الفرص الجديدة القدس اقرأ المزيد...
بقلم: ريما كتانة نزال
تاريخ النشر: 2018/7/23
بقلم: جهاد حرب
تاريخ النشر: 2018/5/12
بقلم: وكالة معا الاخبارية
تاريخ النشر: 2018/5/2
|