مفتاح
2025 . السبت 7 ، حزيران
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 

الأسلحة الفاسدة التي زُوّد بها الجيش الـمصري وهو ذاهب إلى الحرب في فلسطين دفعت الضباط الأحرار لتفجير ثورة 32 يوليو/ تموز من العام 1925 وإحداث تغيير نوعي في واقع مصر الداخلي والخارجي.

نحن في فلسطين اكتشفنا في أقل من أسبوع طحيناً فاسداً وأدويةً فاسدةً وعمليات تهريب لأجهزة (نوكيا)، ومن يدري ربما توجد أشياء أخرى فاسدة غير مكتشفة. في هذه الـمرة لا أحد يستطيع عزو الفساد لـمؤامرة جرى تدبيرها، الذين حاولوا استخدام الـمؤامرة لـم يجدوا أذناً صاغيةً من أحد؛ لأن الـمزاج العام صار يصدّق عن ظهر قلب أية حكاية عن الفساد حتى إذا كانت ملفقةً أو مبالغاً فيها، وسبب التصديق هو التجربة الطويلة مع هذا الـمرض اللعين.

الفساد صار خطراً داهماً يهدد الـمناعة الداخلية ويسمح باستباحة كل شيء، والأخطر أنه يهدد ما تبقى من مصداقية وثقة الشعب بالنظام السياسي والقيادة، وانفراط منظومة القيم الوطنية والاجتماعية، وما يترتب على ذلك من انحلال داخلي خطير.

إن فقدان الثقة والـمصداقية بين القيادة والشعب، وثنائيات، التنظيم والناس، الـمؤسسة والـمواطنين، الزوجة والزوج، الأبناء والآباء، يعني إعلان حرب معلنة أو خفية. الفساد في الحالة الفلسطينية له نتائج أخطر وأكثر دماراً من مجتمعات أخرى، فميزان القوى في صراع الشعب مع الاحتلال يعتمد على تماسك الشعب والـمجتمع، ولهذا السبب كان الاحتلال يسعى دوماً إلى تفكيك وحدة الشعب وبنية الـمجتمع بألوان متنوعة من الحروب. ولكن بوجود فساد يصبح التفتيت داخلياً، والتفتيت الداخلي أشد فتكاً وأبلغ أثراً من التفكيك عبر الخارج.

ألـم يتأثر الدعم الـمالي العربي والدولي للشعب الفلسطيني مع بداية الحديث عن فساد؟ ثم ألـم يتراجع أكثر عندما جرى اكتشاف عمليات فساد؟ من يضمن الالتزام بالدعم الـمقرر في مؤتمر باريس في مناخ الفساد؟ ألـم يفتح الفساد الأبواب أمام أشكال من التدخل والوصاية ووضع الشروط؟ ثم ألا يضعف الفساد الـمفاوض الفلسطيني أمام حكومة الاحتلال؟

وفي التجربة العينية، قالت استطلاعات الـمجالس الـمحلية التي فازت بها حماس: إن الـمصداقية ونظافة اليد كانت الـمقياس الحاسم بنسبة (93%) في اختيار الـمواطنين لـممثليهم. لـم نتوقف عند الـمصداقية لا في انتخابات مجالس الطلبة ولا في انتخابات الـمجالس الـمحلية وذهبنا إلى انتخابات الـمجالس التشريعية فخسرنا للسبب عينه، ولـم نتوقف عند الـمصداقية فمضينا في التعيينات والترفيعات وأبقينا على الفاسدين في مراكز الـمؤسسات فانهارت الأجهزة والـمؤسسات والـمليشيات في قطاع غزة بسرعة فاقت كل تقدير. الفساد كان سبباً جوهرياً في كل الخسائر.

يستمر الفساد وتتضاعف الخسائر ولا من مجيب عن سؤال لـماذا؟.

الحديث عن الفساد له بداية وليست له نهاية، ويلاحظ أن عدم فتح الـملفات يشجع أصحابها على ولوج مسارب وحقول جديدة دون اكتراث، ويشجع دخول عناصر جديدة إلى سوق الفساد! لـماذا لا تحاسب السلطة الفساد والفاسدين، حتى الذين يقعون وحدهم؟ لـماذا يتوفر غطاء سياسي للفاسدين؟ لـماذا يزحف الفساد إلى السلع الحيوية كالغذاء والدواء ولا يتورع أصحابه عن تهديد حياة الـمواطنين؟ أسئلة برسم السلطة والحكومة. هذه الـمرة لا يوجد مبرر واحد مقنع لعدم الـمحاسبة. عدم الـمحاسبة الآن يسقطنا في الهاوية؟ دعونا نتفحص الـمبررات التي تمنع الـمحاسبة. البعض يقول إن الفساد ظاهرة عالـمية وإن فسادنا قليل بالنسبة إلى فساد الآخرين ومكشوف أيضاً وفساد الآخرين غير مكشوف ويبقى طي الكتمان، هذا الكلام غير مقنع أبداً، وقد ثبت أن فسادنا له انعكاسات أكثر خطراً ودماراً من فساد أنظمة مستقرّة ولا تعيش حالة احتلال. وآخرون يقولون إن فتح ملفات الفساد أو بعضها يقود إلى انهيار شامل كما يحدث مع أحجار "الديمينو". إذا كان هذا الافتراض صحيحاً، فيمكن تقليل الخسارة بالتركيز على الـملفات الأكثر حساسية ويمكن التدرج في الـمحاسبة خطوة خطوة، وتفيد تجارب الإصلاح بأن كل خطوة إصلاحية تعزز ثقة الـمواطنين بالجهة التي تقوم بالإصلاح وتدفعهم للالتفاف حولها، وفي هذه الحالة سينحصر الانهيار بالفاسدين، وانهيار الفاسدين أو دحرهم واستنكافهم لا أسف عليه، انهيارهم وذهابهم بعيداً هو مكسب ومطلب أكثرية الـمواطنين. مقابل ذلك فإن السكوت على الفساد، الـمزيد من الوقت، سيقود إلى انهيار لا تحمد عقباه. إذا لـم نقم بالإصلاح والـمحاسبة سيتولى الـمهمة آخرون وعلى طريقتهم. سيترك الأمر لرد الفعل الشعبي والانتقام والـمحاسبة الجماهيرية، لـم يعد أمامنا متسع من الوقت، ولا مبرر لإنقاذ الـمتورطين الذين ثبت تورطهم. وليعلـم الفاسدون أن قضايا الفساد لا تسقط بالتقادم.

 
 
اقرأ المزيد...
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required