بات من المؤكد ان المسيرة التفاوضية ستنتهي إلى اتفاق فلسطيني - اسرائيلي بنهاية العام الجاري، واصبح علينا أن ننتظر "الدخان الأبيض" ليعلو فوق مدخنة الاجتماعات واللقاءات بين الجانبين، والدولة الفلسطينية المستقلة باتت على ابواب، هذا ما يمكن استنتاجه من التصريحات المتفائلة عقب الاجتماع الثاني لكوندوليزا رايس، مع الجانب الفلسطيني، الفريق المفاوض والرئيس عباس، وهو الامر الذي اتفق معه أبو مازن، الذي كان أكثر تفاؤلاً، رايس تشرح أسباب تفاؤلها بالقول انها وجدت ان هناك عملاً جدياً يجري باتجاه التوصل إلى اتفاق، عمل مثير للاعجاب الشديد وبالاتجاه الصحيح، بحيث يمكن القول معه ان هدف المفاوضات يمكن بلوغه مع نهاية العام الجاري، أما الرئيس أبو مازن فأعرب بعد لقاء رايس عن ثقته بالتوصل إلى اتفاق فلسطيني - اسرائيلي هذا العام، وقبل نهاية ولاية الرئيس بوش، لكن أبو مازن على العكس من رايس، لم يكن بحاجة إلى تفسير اسباب تفاؤله وثقته العالية هذه، بل انه سرد جملة من المعطيات التي تتناقض مع رؤيته تلك عندما اشار إلى ان اسرائيل مستمرة في عملياتها الاستيطانية التي تتنافى مع ما جاء في خارطة الطريق، وعلى الأخص البند الاول منها، ما يتعلق بالمؤسسات المغلقة في القدس المحتلة وعودة الامور إلى ما كانت عليه قبل العام 2000. وكان الرئيس الاميركي سبق كلا من رايس وأبو مازن بالاعراب عن تفاؤله، هو الآخر، "بالتوقيع على اتفاقية حول اقامة دولة فلسطينية محددة المعالم"، وهكذا فان عباس ورايس استمدا هذه الثقة وهذا التفاؤل من الرئيس الاميركي، وليس من الحقائق المشاهدة والملموسة على الارض، تفاؤل كان عنواناً بارزاً في كل وسائل الاعلام، لولا ان حكومة اولمرت اقدمت على الاعلان عن جملة من القرارات والاجراءات التي عصفت بهذا التفاؤل الهش، لتعيد إلى وسائل الاعلام العنوان الاكثر تأكيداً والاقرب إلى الحقيقة، والتي تشير بلا اية مواربة ان اسرائيل معنية، اكثر من اي وقت مضى، ودون اعتبار لطلب رايس بضرورة وقف الاستيطان، وبدون اية حساسية تجاه القيام بهذه الاجراءات مع وجود رايس في اسرائيل، معنية برفع العراقيل أمام أي تقدم محتمل في اطار العملية التفاوضية. التصريحات المتفائلة تلك، لا تشبع نهم المتلقي إلى الثقة بها، لانها لا تتضمن أية دلالة على ان المفاوضات تجري وفقاً لما تم في خارطة الطريق أو مؤتمر أنابوليس، وهي - التصريحات- لا تعدو شكلاً من اشكال الخداع -الاّ اذا- كانت هناك مبررات خفية لمثل هذا التفاؤل يصعب التصريح بها وتقديمها كتفسير واقعي لهذا التفاؤل، خاصة ان تسريبات من مصادر مختلفة، اسرائيلية في الغالب، تشير إلى ان هناك قنوات تفاوضية "خلفية سرية" نتجت عنها توافقات اولية مهمة حول مسائل تتعلق بقضايا الحل النهائي، وان الطرفين اتفقا على عدم الاعلان عنها الا بعد التوصل إلى اتفاق نهائي، ربما يكون ذلك صحيحاً خاصة ان تجربة مفاوضات اوسلو بالتوازي مع مؤتمر مدريد، تشير إلى امكانية تكرار ذلك، عندما فوجئ الفلسطينيون قبل غيرهم باتفاق مبرم. ما يجعلنا نعتقد ان مثل هذا الأمر قابل للتحقق، النقاشات الهامشية التي لا يلتفت اليها معظم المراقبين والمحللين، في الداخل الاسرائيلي، وعلى سبيل المثال -لا الحصر- فقد صدر تصريح لوزيرة الخارجية الاسرائيلية تسيبي ليفني، تلمح فيه إلى ضرورة رفع مشروع لترتيبات الاخلاء من مستوطنات الضفة يتضمن تعويضاً مناسباً للمستوطنين، مشيرة إلى ان ذلك ضروري قبل تحديد الحدود مع الفلسطينيين على ضوء تجربة "فك الارتباط" الصعبة في قطاع غزة، النائبة اليمينية المتطرفة ليمور ليفنات هي التي كالت التهم لليفني باعتبارها تعمل في الخفاء وتمضي قدماً لتقسيم القدس والتوصل الى اتفاق لفرضه على الاسرائيليين بشكل مفاجئ، مطالبة برفع السرية عن هذه المفاوضات، وربما لولا تبادل التهم والجدل بين ليفني وليفنات، لما عرفنا بأمر "قانون التعويض" الذي تشير اليه ليفني وبضرورة انجازه قبل التوصل إلى اتفاق ليكون قيد العمل فور تحديد الحدود بين فلسطين واسرائيل!. واذ لا يفصلنا عن نهاية العام الاّ ثلثيه، فاننا نعتقد ان هذا الوقت سينقضي في تعزيز الاجتماعات واللقاءات، بهدف الاسراع في التوصل إلى توافقات حتى لو كانت أولية، لكي يبدو الأمر وكأن ولاية بوش الثانية قد أثمرت اتفاقاً على الملف الفلسطيني - الاسرائيلي يتطلب من الرئيس الاميركي الجديد متابعته والعمل على تنفيذه، لهذا تتحدث وزيرة الخارجية الاسرائيلية ليفني عن "اتفاق اطار" ولهذا ايضاً، يزور الرئيس محمود عباس كلاً من القاهرة والرياض قبل ان يلتقي اولمرت في السابع من الشهر الجاري، وقبل ان يلتقي الرئيس الاميركي في واشنطن بعد شهر تقريباً، ما يشير إلى ان هناك جولات جدية من المفاوضات، ربما حققت بعض التقدم، أما تفسير الاجراءات الاسرائيلية المتعلقة بالاستيطان، فتعود في نظر البعض إلى اسباب اسرائيلية داخلية، لمنع أي سقوط لحكومة اولمرت، الجانب الاميركي يتفهم هذه الاجراءات والقرارات لاعاقة انتخابات اسرائيلية مبكرة تأتي بحزب الليكود برئاسة نتنياهو، ما يجعل التوصل الى تسوية على المسار الفلسطيني - الاسرائيلي أمراً مستحيلاً، الأمر الذي يجعل الضغط الاميركي على حكومة اولمرت في مسألة الاستيطان صعباً، بل تضغط واشنطن على الرئاسة الفلسطينية من أجل تفهم هذه الاجراءات التي تعترض عليها الولايات المتحدة علناً، مع انها تتفهمها ضمناً وتحاول "رشوة" الجانب الفلسطيني، بحلول اجرائية تتعلق بالمناطق الصناعية والحواجز المتناثرة في شوارع الضفة الغربية، دون حديث عن مسائل الحل النهائي، مع استمرار التصريحات والتعليقات الفلسطينية المنددة والشاجبة، ووعد بزيارة قادمة لوزيرة الخارجية الاميركية، للتعرف إلى مدى تم تنفيذ ما لم ينفذ في الزيارات السابقة، ووعد جديد متكرر، بانتظار ان تؤتي اللقاءات الخلفية السرية بنتائج يمكن معها تأكيد أسباب ثقتها بالتوصل إلى اتفاق مع حلول بداية العام القادم وقبل ان يترك رئيسها البيت الابيض لخلفه. متابعة التصريحات الصحافية، للمسؤولين، عادة ما تكون بلا فائدة حقيقية اذا ما رغبنا في التوصل الى حقيقة ما يجري، فالعمل الدبلوماسي، خاصة في جوانبه السرية لا تتم تعريته والتعرف على ثناياه من خلال التصريحات المباشرة والمفاوضات الفلسطينية - الاسرائيلية تخضع لهذه الشروط بطبيعة الحال، وعليه، فان ملاحقة الإجراءات على الأرض ومتابعة أسبابها ومبرراتها المتناقضة مع التصريحات المعلنة، والبحث عن أغوار الخفايا، والتعرف على التسريبات غير المتعمدة، يجعل من الحقيقة أقرب بالنسبة للمتابع، وبعيداً عن التفاؤل والثقة الواردة في التصريحات، فإن ما يجري في الخفاء، هو الدلالة على مستوى التقدم الذي يمكن انجازه.. مع نهاية العام الجاري!!. الايام
اقرأ المزيد...
بقلم: ريما كتانة نزال
تاريخ النشر: 2018/7/23
بقلم: جهاد حرب
تاريخ النشر: 2018/5/12
بقلم: وكالة معا الاخبارية
تاريخ النشر: 2018/5/2
|