التصريحات الإسرائيلية المُعلنة وممارساتها على الأرض وتصريحات السياسيين والعسكريين من كل الأجناس، كلها تقول إن المعطيات سواء التي تفرضها إسرائيل على أرض الواقع بالضفة والقدس من خلال الاستيطان والانتهاكات الأمنية واستمرار الحواجز، أو بقطاع غزة من خلال التصعيد العسكري الذي أصبح يأخذ أبعاداً إجرامية غير مسبوقة، أو ما يتعلق منها بالحالة الفلسطينية والعربية كالفصل الجغرافي لغزة عن الضفة، الذي تعزز بالفصل السياسي والمؤسساتي، وكذلك استمرار تردي الوضع الإقليمي العربي بحيث لم يعد أحد يراهن على الحالة العربية الراهنة لتكون رافعة للموقف الفلسطيني..، كلها معطيات لا تفسح أي مجال للتفاؤل بحل قريب للصراع، بل لا تسمح بمجرد التوصل لتفاهمات حول القضايا الأساسية خلال هذا العام. فقط الرئيس أبو مازن الذي ما زال متمسكاً بما قاله الرئيس الأميركي بوش حول إمكانية التوصل لتسوية قبل نهاية العام الجاري، ويتصرف بهدوء أعصاب تدفع البعض للحيرة إن لم يكن للتشكيك. فهل يرى الرئيس أبو مازن ما لا يراه الآخرون؟ هل عنده معطيات أو وعود لا يعرفها غيره؟ ومن أين يستمد تفاؤله؟ وما سر هذا التفاؤل؟. لا نعتقد أن هناك أموراً ملموسة خافية لا يراها إلا الرئيس أبو مازن، ولا نعتقد بوجود وعود جادة للرئيس من أي طرف كان تقف وراء تفاؤله، ولا نعتقد أن الرئيس أبو مازن يثق ثقة عمياء بكل ما يصرح به الرئيس بوش، خصوصاً رؤيته بدولة قبل نهاية العام؛ لأن الرئيس أبو مازن من أكثر الناس دراية ودراسة وفهماً للإستراتيجية الأميركية، والعلاقات الخاصة التي تربط واشنطن بتل أبيب، وليس الرئيس أبو مازن، بنهجه ونمط تفكيره، من نوع القادة الذين يراهنون على المفاجآت أو انتظار المدد الخارجي العربي أو الإسلامي، أو أن تحدث متغيرات دولية قبل نهاية العالم تغير من موازين القوى. وفي المقابل، فإن الرئيس من الحصافة بحيث لا يصرح إلا لهدف تكتيكي أو استراتيجي، وضمن رؤية قد لا يرى من المفيد تبيان كل عناصرها. وإن كان لنا أن نجتهد في تفسير حديث الرئيس عن إمكانية التوصل لحل قبل نهاية العام، وسط كل المحبطات المحيطة بمشهد الصراع الدموي، نقول إنه تفاؤل تكتيكي، أو تفاؤل يخفي خوفاً وقلقاً من المستقبل ـ تفاؤل تكتيكي يخفي تشاؤماً مستقبلياً واستراتيجياً عبّر عنه في الكلمة التي ألقاها في قمة دمشق عندما تحدث عن حقبة سوداء قادمة، بمعنى إنه تفاؤل لا يؤسس على قناعة بإمكانية تحقيق الشيء المتفاءَل به - التسوية والدولة خلال العام الجاري- بل توظيف خطاب التفاؤل للحفاظ على الحركية السياسية المتواضعة المترتبة على مؤتمر انابوليس، ووعد الرئيس بوش والتحرك الدولي الناتج والمصاحب لهم وتجنب ما هو أسوأ إن غاب الاهتمام الدولي عن القضية الفلسطينية. عندما يأتي الرئيس الأميركي بوش ليتحدث عن إمكانية التوصل لتسوية خلال العام 2008، وتتجاوب معه الرباعية المفترض أنها معنية بحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ويتوافد على المنطقة مسؤولون أميركيون وأوروبيون لمحاولة عمل شيء لحل الصراع أو وقف حالة التدهور في المفاوضات ووضع حد للعنف المتفاقم.. وعندما تقول إسرائيل، على لسان رئيس وزرائها، باستحالة التوصل لتسوية أو صيغة حل خلال العام، بل يضع بعض صقور الكيان الإسرائيلي سقفاً أدنى يصل إلى خمس سنوات للتوصل لهذا الحل، يحدث ذلك في ظل الدمار الذي تتعرض له المناطق الفلسطينية في الضفة والقطاع، سواء عن طريق الاستيطان أو بالعدوان والقتل، وفي ظل الحصار الذي يتعرض له أهلنا بالقطاع.. ـ كيف يمكن لرئيس مسؤول عن شعبه، ويؤمن بالتسوية السلمية أن يتصرف؟ نعتقد أنه لن يكون أمام الرئيس إلا أحد خيارين: الخيار الأول: أن ينساق مع التوجهات المتشائمة، وإن كانت تعكس الواقع، ويعلن رسمياً انه لا أمل بحل أو تسوية خلال هذا العام، وبالتالي لا جدوى من المفاوضات والتحركات السياسية الجارية، في هذه الحالة، ستتوقف التحركات السياسية الدولية، وربما تتوقف أو تتعثر المساعدات الخارجية. هذا الموقف لن يوقف الاستيطان، ولا العدوان الإسرائيلي، وسيزيد من حالة الإحباط في الصف الفلسطيني، خصوصاً في ظل الانقسام الداخلي حيث لا توجد دلائل بقرب التوصل لمصالحة وطنية يمكنها أن تملأ الفراغ الناتج عن توقف الحراك السياسي الدولي. الخيار الثاني: أن يضع الرئيس أبو مازن الرئيس بوش والرباعية وكل المهتمين بحل سلمي للتسوية أمام مسؤولياتهم، ويمنحهم فرصة ما تبقى من العام، ويحرم إسرائيل من فرصة الحديث عن غياب شريك للسلام وبالتالي الذريعة للتهرب من مسؤولياتها ورفضها للسلام. قد يقول قائل إن هذا الخيار سيمنح إسرائيل الفرصة للاستمرار بالاستيطان مستغلة المفاوضات العبثية الجارية وهو كلام صحيح، ولكن الاستيطان سيستمر في جميع الحالات ما دام الحال الفلسطيني والعربي على حاله حتى وإن أعلنت الرئاسة وقف المفاوضات، مع أننا نعتقد أنه تجب إعادة النظر بـ (المدرسة الفلسطينية للمفاوضات) التي لم تُخرج خلال خمس عشرة سنة إلا أرضاً أقل، وحقوقاً أقل، وكرامة أقل. ولكن حتى يكون هذا الخيار مجدياً فيجب عدم الاكتفاء بمنح فرصة خلال هذا العام للقائلين بالتسوية ونقف ننتظر النتائج، بل يجب الانكباب بجد خلال الأشهر المتبقية لرأب الصدع بالصف الفلسطيني لأن الذي سيُنجح خيار السلام الفلسطيني ليس الموقف الدولي فقط، بل الإرادة الفلسطينية، ووحدة الموقف الفلسطيني، هناك فرق كبير بين تسوية تُمنح لنا وتسوية تُفرض علينا وتسوية تُفرض على إسرائيل، التسوية التي نريد هي التسوية العادلة التي نشارك بها من موقف القوة، وبالتالي ننتزعها انتزاعاً. قد يرى البعض أن السبب في تعاطي الرئيس أبو مازن مع تصريحات ووعود بوش ومع نهج التسوية المتعثرة، هو ضعفه وغياب البدائل عنده، هذا رأي له نصيب من الصحة، ولكن لو تساءلنا عن مكامن ضعف الرئيس أبو مازن، فلن نجد ضعفاً في وضوح الرؤية والثبات على المواقف، بل الضعف في التصدع في النظام السياسي، خصوصاً فصل غزة عن الضفة، في غياب إستراتيجية فلسطينية للسلام محل إجماع وطني، في ضعف منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي للشعب وعدم قدرتها على إعادة بناء ذاتها وتصليب عودها وإخراج نفسها من ملفات التاريخ لتكون فاعلاً في الحاضر والتوقف عن التغني بالشرعية التاريخية والصفة التمثيلية فيما حقائق جديدة تتشكل على الأرض، ويكمن ضعفه أيضاً في حركة فتح التي يُفترض أنه رئيسها وصاحب القرار فيها، حيث الحركة ما زالت تبحث عن ذاتها، عن المواءمة بين فتح الفكرة - حاملة المشروع الوطني - وفتح التنظيم الذي انحرفت بعض مكوناته بعيداً عن فكر وقيم حركة فتح، ضعف الرئيس يكمن أيضاً في حكومة لتسيير الأعمال لا هي قادرة على إقناع الجمهور وفصائل العمل الوطني بأنها حكومة المشروع الوطني وتعمل في إطار استراتيجية عمل وطني، ولا إسرائيل راغبة بتمكينها من القيام بمهامها حتى على مستوى تسيير الأعمال ناهيك عن المهام الأمنية. نخلص للقول إن إسرائيل غير معنية الآن بسلام ضمن أي قرار دولي أو اتفاقية موقعة، وواشنطن لا يمكنها إلا أن تكون حيث يريد الإسرائيليون ليس خوفاً منهم بل لأن مصالحها تتوافق مع السياسة الإسرائيلية، هذه قناعة كل الفلسطينيين تقريباً من الرئيس إلى من يطلق الصواريخ، ولكن ما العمل؟. هل يتم الإعلان عن وقف المفاوضات فقط؟ أم الإعلان عن فشل مشاريع التسوية المطروحة؟ أم الإعلان عن التخلي عن خيار السلام؟ تداعيات كل حالة من هذه الحالات تتطلب إجابات مختلفة - لأنها مفاهيم وحالات مختلفة وإن كانت مرتبطة بالحل السلمي بالصراع - وتفرض على النخبة السياسية اتخاذ مواقف استراتيجية قد تصل لدرجة التفكير بحل السلطة، عفواً، السلطتين- سلطة الحكم الذاتي، وسلطة الأمر الواقع بغزة-. الايام
اقرأ المزيد...
بقلم: ريما كتانة نزال
تاريخ النشر: 2018/7/23
بقلم: جهاد حرب
تاريخ النشر: 2018/5/12
بقلم: وكالة معا الاخبارية
تاريخ النشر: 2018/5/2
|