عشية وغداة قمة كامب ديفيد عام 2000، كانت هناك اوساط فلسطينية تعتبر ان ياسر عرفات فوت فرصة تاريخية بعدم قبوله عرض باراك ثم خطة كلينتون، ولكنها كانت ضعيفة ومعزولة ولا تجرؤ في معظم الاحيان على الجهر بآرائها. وكانت هذه الاوساط تكاد تفضح نفسها من خلال ترداد ان العرض الاسرائيلي في كامب ديفيد كان سخياً وصل الى حد الاستعداد للانسحاب من 96% من الارض المحتلة، وان الخلاف كان على كيفية تحقيق تبادل الاراضي وضمن أية نسبة، وضرورة احداث المساواة كماً ونوعاً، بحيث لا تأخذ اسرائيل ارضا حيوية جداً مقابل ان تعطي ارضا في صحراء النقب. كنت دائماً من المقتنعين بأن ياسر عرفات لن يرفض عرضاً اسرائيلياً بالانسحاب من 96%، فهو يتميز بقدرة سياسية فائقة تمكنه من التقاط الممكن، كما ان حلم حياته، خصوصاً في السنوات الاخيرة، هو التمكن من اقامة الدولة الفلسطينية. ولو كانت اسرائيل تريد السلام فعلاً، لكانت قد حققته مع ياسر عرفات لانه قادر على تمرير ما لا يقدر عليه غيره. ياسر عرفات رفض العرض الاميركي-الاسرائيلي في كامب ديفيد، لانه وجد انه لا يحقق الحد الادنى من المطالب الفلسطينية في كافة القضايا، بما فيها الدولة الفلسطينية، لذلك قال لكلينتون انه اذا وافق على هذا العرض سيمشي في جنازته. كما انه قال له ان هذا العرض لا يمكن ان يحظى بتأييد عربي او اسلامي. وبالفعل حاول كلينتون ان يحصل على تأييد عربي اسلامي، فاتصل بعدد من الزعماء العرب وزعماء الدول الاسلامية الكبرى ولم يحصل على تأييد صريح منهم، ولا على استعداد من قبلهم لتوفير الغطاء العربي الاسلامي لاتفاق فلسطيني-اسرائيلي لا يحقق الحد الادنى من المطالب الفلسطينية. ومنذ فشل كامب ديفيد وحتى الآن، حاولت الاوساط الفلسطينية التي لامت عرفات لرفضه العرض السخي ان تعيد المفاوضات الى النقطة التي كانت عندها، وسعت بعض الشخصيات لتقديم نماذج عن امكانية الاتفاق فوقعت وثيقة جنيف، ووثيقة نسيبة - ايلون، ورحبت سرا واحيانا علنا بالدعوة الاميركية-الاسرائيلية لتغيير قيادة ياسر عرفات وايجاد قيادة فلسطينية جديدة ومختلفة مستعدة لقبول ما رفضه ياسر عرفات. وعندما تم اجراء تغييرات على النظام السياسي الفلسطيني باستحداث منصب رئيس الوزراء ومحاولة تركيز الصلاحيات في يده، كان في سياق ايجاد القيادة الفلسطينية الجديدة المختلفة، ولكن المحاولة لم تنجح لان ياسر عرفات ظل رغم الحرب العدوانية الاسرائيلية، ورغم حصاره في مقره هو اللاعب الفلسطيني الرئيس الذي لم يستطع احد تجاوزه. وعندما تم اغتيال ياسر عرفات مسموماً، حاولت الاوساط الفلسطينية اياها ان تعيد المفاوضات الى النقطة التي كانت عندها ولم تنجح، لأن رياحاً يمينية عاتية اطاحت بالعرض الاسرائيلي - الاميركي الذي طرح ايام كلينتون - باراك ووضعت عرضاً على الطاولة اسوأ منه بكثير. ومع ذلك، تم استئناف المفاوضات وعلى اساس بيان انابوليس، الذي لم يستند الى القانون الدولي وقرارات الامم المتحدة، وتحدث عن التوصل الى اتفاقية سلام في عبارة، والى اتفاق قبل نهاية العام 2008 في عبارة أخرى، والى معاهدة سلام في عبارة ثالثة، على ان يتعهد الطرفان في الاضطلاع بواجباتهما الحالية بموجب خارطة الطريق. واذا لم يتفق الطرفان على خلاف ذلك، فان تطبيق معاهدة السلام المقبلة سيكون خاضعاً لتطبيق خارطة الطريق تحت اشراف الولايات المتحدة الاميركية. ما سبق يدل على ان المفاوضات لم تستؤنف لتنطلق من النقطة التي انتهت اليها، بل من نقطة اخرى سقفها منخفض جدا عن السقف الذي كان في قمة كامب ديفيد. الاوساط الفلسطينية المذكورة تحاول الان ان تعمل في اطار حدين، الحد الاقصى ان تصل المفاوضات الى ما كانت عليه، ويتم توقيع اتفاق او معاهدة سلام تتضمن الانسحاب الاسرائيلي من 97% مقابل تعويض الارض الناقصة بارض من مساحة اسرائيل، ويتم الاتفاق على حل قضية اللاجئين على اساس النقاط الخمس التي نوقشت في مباحثات كامب ديفيد وطابا، والتي تتضمن عودة اللاجئين الى اراضي الدولة الفلسطينية، وعودة رمزية الى فلسطين 1948، وتوطينهم حيث هم او في اية بلاد يختارونها وتستعد لاستقبالهم، وتعويضهم عن معاناتهم وتشريدهم وانتزاع ومصادرة اراضيهم واملاكهم. أما الحد الادنى وهو قبول ما يمكن الحصول عليه، حتى لو كان دولة فلسطينية ذات حدود مؤقتة يتم تغطيتها باعلان مبادئ يتحدث عن ضرورة التفاوض على بقية القضايا "بما يضمن الحقوق الفلسطينية". وتأمل هذه الاوساط الفلسطينية ان مثل هذا الاتفاق سيحظى بشبكة دعم وتغطية عربية اسلامية دولية الآن، لان الفلسطينيين بدون دعم عربي واسلامي خصوصاً من ما يسمى محور الاعتدال العربي لا يستطيعون ان يقبلوا اتفاقاً شاملاً أو انتقالياً يصفي او ينتقص من الحقوق الفلسطينية والعربية خصوصاً قضيتي القدس واللاجئين. نقطة الضعف القاتلة في التصور الذي تطرحه الاوساط الفلسطينية الداعية لقبول الحل الممكن مع السعي لتحسينه، أن اسرائيل والولايات المتحدة الاميركية، يحكمهما الآن حكومة اسرائيلية وإدارة اميركية تعتبران ان ما طرح في قمة كامب ديفيد وخطة كلينتون وطابا، لم يعد على طاولة البحث منذ نجاح جورج بوش الابن في مقعد الرئاسة. وان الخطة الاميركية - الاسرائيلية وتحديداً منذ خطاب بوش حول تغيير القيادة الفلسطينية في حزيران عام 2002 والذي طرح فيه رؤيته لقيام دولة فلسطينية، ومنذ ان منح ورقة الضمانات الاميركية لإسرائيل في حزيران 2004، تقوم على اساس السعي لفرض الحل الاسرائيلي على الفلسطينيين تارة عن طريق التفاوض، وتارة عن طريق الحرب والعدوان، وتارة ثالثة عن طريق الخطوات احادية الجانب، ودائماً عن طريق اقامة الحقائق الاحتلالية على الارض التي تجعل أكثر وأكثر الحل الاسرائيلي هو الحل الوحيد المطروح والممكن عملياً. في هذا السياق يجب ألا نخدع انفسنا، ولا ندع احدا يخدعنا، بالقول ان حلا ممكنا يحقق الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية يلوح في الافق. فما يلوح في الافق معروف سلفا لأن مقدماته مطروحة بقوة على الارض، وفي السياسات والبرامج الاسرائيلية التي تفيد بأن الدولة الفلسطينية ذات الحدود المؤقتة التي تقدم على جزء من الاراضي المحتلة عام 1967(40%-70%) بدون القدس وبلا سيادة وعلى اساس القفز عن قضية اللاجئين. ومن اجل التغطية على هذا الحل الانتقالي، الذي سيكون اتفاقاً يوضع على الرف لحين تنفيذ خارطة الطريق، ما لم يتم الاتفاق على خلاف ذلك كما جاء في بيان انابوليس، يمكن ان توافق الحكومة الاسرائيلية على اعلان مبادئ يحدد اسس الحل النهائي بعبارات عامة فضفاضة يفسرها الجانب الفلسطيني بانه لم يتنازل في القضايا الاساسية، وان التفاوض حولها سيبقى مفتوحاً، بينما يفسرها الجانب الاميركي - الاسرائيلي ضمن سقف ورقة الضمانات الاميركية لاسرائيل. تأسيسا على ما تقدم، فإن الحل الممكن هو حل ليس وطنياً، أما الحل الوطني فهو بحاجة الى كفاح لتغيير موازين القوى وجعل الاحتلال يخسر من احتلاله أكثر مما يربح. إن الاوساط الفلسطينية اياها تريد اتفاقاً بأي ثمن، لأنها تخشى من أن عدم التوصل الى شيء عام 8002 سيؤدي على الأرجح الى انتفاضة شعبية ثالثة وانهيار عملية السلام والمفاوضات، وحل السلطة وتقوية حركة حماس والاتجاهات الفلسطينية المتشددة. لذلك، من اجل وكرمال عيون بقاء السلطة يمكن القبول بالعرض الاسرائيلي. وهذا يمكن ان يسمح، خصوصاً اذا ترافق مع استمرار الدعم العربي والدولي، ومع شبكة أمان عربية - اسلامية ببقاء وتقوية السلطة والدعوة لاجراء انتخابات تعطي شرعية للاتفاق الجديد، مراهنين على تأثير المعاناة الهائلة التي يعيشها الفلسطينيون منذ سنوات، وعلى قوة الوهم في وضع فلسطيني صعب جداً وضعيف جداً ويعاني من الانقسام السياسي والجغرافي وغياب القيادة والإرادة والاستراتيجية الواحدة الموحدة. الايام
اقرأ المزيد...
بقلم: ريما كتانة نزال
تاريخ النشر: 2018/7/23
بقلم: جهاد حرب
تاريخ النشر: 2018/5/12
بقلم: وكالة معا الاخبارية
تاريخ النشر: 2018/5/2
|